١٣

القول فـي تأويـل قوله تعالى:

{شَرَعَ لَكُم مّنَ الدّينِ مَا وَصّىَ بِهِ نُوحاً وَالّذِيَ... }

يقول تعالى ذكره: شَرَعَ لَكُمْ ربكم أيها الناس مِنَ الدّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً أن يعمله وَالّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ يقول لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : وشرع لكم من الدين الذي أوحينا إليك يا محمد، فأمرناك به وَما وَصّيْنا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أنْ أقِيمُوا الدّينَ يقول: شرع لكم من الدين، أن أقيموا الدين (فأن) إذ كان ذلك معنى الكلام، في موضع نصب على الترجمة بها عن (ما) التي في قوله: ما وَصّى بِهِ نُوحاً. ويجوز أن تكون في موضع خفض ردّاً على الهاء التي في قوله: بِهِ، وتفسيراً عنها، فيكون معنى الكلام حينئذٍ: شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً، أن أقيموا الدين ولا تتفرّقوا فيه. وجائز أن تكون في موضع رفع على الاستئناف، فيكون معنى الكلام حينئذٍ: شرع لكم من الدين ما وصى به، وهو أن أقيموا الدين. وإذ كان معنى الكلام ما وصفت، فمعلوم أن الذي أوصى به جميع هؤلاء الأنبياء وصية واحدة، وهي إقامة الدين الحق، ولا تتفرّقوا فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٣٦٤٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى حدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ما وَصّى بِهِ نُوحاً قال: ما أوصاك به وأنبيائه، كلهم دين واحد.

٢٣٦٥٠ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً قال: هو الدين كله.

٢٣٦٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً بعث نوح حين بعث بالشريعة بتحليل الحلال، وتحريم الحرام وَما وَصّيْنا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَموسَى وَعِيسَى.

حدثنا محمد ، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً قال: الحلال والحرام.

٢٣٦٥٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدّين ما وَصّى بِهِ نُوحاً... إلى آخر الاَية، قال: حسبك ما قيل لك.

وعنى ب قوله: أنْ أقِيمُوا الدّينَ أن اعملوا به على ما شرع لكم وفرض، كما قد بينا فيما مضى قبل في قوله: أقِيمُوا الصّلاة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٣٦٥٣ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: أنْ أقِيمُوا الدّينَ قال: اعملوا به.

و قوله: وَلا تَتَفَرّقُوا فِيهِ يقول: ولا تختلفوا في الدين الذي أُمِرتُم بالقيام به، كما اختلف الأحزاب من قبلكم. كما:

٢٣٦٥٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَلا تَتَفَرّقُوا فِيهِ تعلّموا أن الفرقة هلكة، وأن الجماعة ثقة.

و قوله: كَبُرَ على المُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم : كبر على المشركين باللّه من قومك يا محمد ما تدعوهم إليه من إخلاص العبادة للّه، وإفراده بالألوهية والبراءة مما سواه من الاَلهة والأنداد. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٣٦٥٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة كَبُرَ على المُشْرِكيِنَ ما تَدْعُوهُمْ إلَيْهِ قال: أنكرها المشركون، وكبر عليهم شهادة أن لا إله إلا اللّه ، فصادمها إبليس وجنوده، فأبى اللّه تبارك وتعالى إلا أن يمضيها وينصرها ويفلجها ويظهرها على من ناوأها.

و قوله: اللّه يَجْتَبي إلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيهْدِي إلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ يقول: اللّه يصطفي إليه من يشاء من خلقه، ويختار لنفسه، وولايته من أحبّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٣٦٥٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: اللّه يَجْتَبِي إلَيْهِ مَنْ يَشاءُ، وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ يقول: ويوفق للعمل بطاعته، واتباع ما بعث به نبيه عليه الصلاة والسلام من الحقّ من أقبل إلى طاعته، وراجع التوبة من معاصيه. كما:

٢٣٦٥٧ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وَيَهْدِي إلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ: من يقبل إلى طاعة اللّه .

﴿ ١٣