١٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَلاَ تَتّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ ...} يقول تعالى ذكره: فإلى ذلك الدين الذي شَرَع لكم، ووصّى به نوحاً، وأوحاه إليك يا محمد، فادع عباد اللّه ، واستقم على العمل به، ولا تَزِغ عنه، واثبتْ عليه كما أمرك ربك بالاستقامة. و قيل: فلذلك فادع، والمعنى: فإلى ذلك، فوضعت اللام موضع إلى، كما قيل: بأنّ رَبّكَ أوْحَى لَهَا. وقد بيّنا ذلك في غير موضع من كتابنا هذا. وكان بعض أهل العربية يوجه معنى ذلك، في قوله: فَلِذَلكَ فادْعُ إلى معنى هذا، ويقول: معنى الكلام: فإلى هذا القرآن فادع واستقم. والذي قال من هذا القول قريب المعنى مما قلناه، غير أن الذي قلنا في ذلك أولى بتأويل الكلام، لأنه في سياق خبر اللّه جل ثناؤه عما شرع لكم من الدين لنبيه محمد صلى اللّه عليه وسلم بإقامته، ولم يأت من الكلام ما يدلّ على انصرافه عنه إلى غيره. و قوله: وَلا تَتّبِعْ أهْوَاءَهُم يقول تعالى ذكره: ولا تتبع يا محمد أهواء الذين شكّوا في الحقّ الذي شرعه اللّه لكم من الذين أورثوا الكتاب من بعد القرون الماضية قبلهم، فتشك فيه، كالذي شكوا فيه وقُلْ آمَنْتُ بِمَا أنْزَلَ اللّه مِنْ كِتابٍ يقول تعالى ذكره: وقل لهم يا محمد: صدّقتُ بما أنزل اللّه من كتاب كائناً ما كان ذلك الكتاب، توراة كان أو أنجيلاً أو زبوراً أو صحف إبراهيم، لا أكذّب بشيء من ذلك تكذيبكم ببعضه معشر الأحزاب، وتصديقكم ببعض. و قوله: وأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ اللّه رَبّنا وَرَبّكُمْ يقول تعالى ذكره: وقل لهم يا محمد: وأمرني ربي أن أعدل بينكم معشر الأحزاب، فأسير فيكم جميعاً بالحقّ الذي أمرني به وبعثني بالدعاء إليه. كالذي: ٢٣٦٦١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمْ قال: أمر نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يعدل، فعدل حتى مات صلوات اللّه وسلامه عليه. والعدل ميزان اللّه في الأرض، به يأخذ للمظلوم من الظالم، وللضعيف من الشديد، وبالعدل يصدّق اللّه الصادق، ويكذّب الكاذب، وبالعدل يردّ المعتدي ويوبخه. ذُكر لنا أن نبيّ اللّه داود عليه السلام: كان يقول: ثلاث من كنّ فيه أعجبني جداً: القصد في الفاقة والغنى، والعدل في الرضا والغضب، والخشية في السرّ والعلانية وثلاث من كنّ فيه أهلكته: شحّ مطاع، وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه. وأربع من أُعطِيَهُنّ فقد أُعطي خير الدنيا والاَخرة: لسان ذاكر، وقلب شاكر، وبدن صابر، وزوجة مؤمنة. واختلف أهل العربية في معنى اللام التي في قوله: وأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمْ فقال بعض نحويي البصرة: معناها: كي، وأمرت كي أعدل وقال غيره: معنى الكلام: وأمرت بالعدل، والأمر واقع على ما بعده، وليست اللام التي في لأعدل بشرط قال: وأُمِرْتُ تقع على (أن) وعلى (كي) واللام أمرت أن أعبد، وكي أعبد، ولأعبد. قال: وكذلك كلّ ما طالب الاستقبال، ففيه هذه الأوجه الثلاثة. والصواب من القول في ذلك عندي أن الأمر عامل في معنى لأعدل، لأن معناه: وأمرت بالعدل بينكم. و قوله: اللّه رَبّنا وَرَبّكُمْ يقول: اللّه مالكنا ومالككم معشر الأحزاب من أهل الكتابين التوراة والإنجيل لنَا أعمالُنا ولَكُمْ أعمالُكُمْ يقول: لنا ثواب ما اكتسبناه من الأعمال، ولكم ثواب ما اكتسبتم منها. و قوله: لا حُجّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ يقول: لا خصومة بيننا وبينكم. كما: ٢٣٦٦٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال حدثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لا حُجّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ قال: لا خصومة. ٢٣٦٦٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه عز وجل: لا حُجّةَ بَيْنَا وَبَيْنَكُمْ: لا خصومة بيننا وبينكم، وقرأ: وَلا تُجادِلُوا أهْلَ الكِتابِ إلاّ بالتي هِيَ أحْسَنُ... إلى آخر الاَية. و قوله: اللّه يَجْمَعُ بَيْنَنا يقول: اللّه يجمع بيننا يوم القيامة، فيقضي بيننا بالحقّ فيما اختلفنا فيه وإلَيْهِ المَصِيرُ يقول: وإليه المعاد والمرجع بعد مماتنا. |
﴿ ١٥ ﴾