١٣

القول في تأويل قوله تعالى: لِتَسْتَوُواْ عَلَىَ ظُهُورِهِ ثُمّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبّكُمْ ...

يقول تعالى ذكره: كي تستووا على ظهور ما تركبون.

واختلف أهل العربية في وجه توحيد الهاء في قوله: على ظُهُورِهِ وتذكيرها، فقال بعض نحويّي البصرة: تذكيره يعود على ما تركبون، وما هو مذكر، كما يقال: عندي من النساء من يوافقك ويسرّك، وقد تذكّر الأنعام وتؤنث. وقد قال في موضع آخر: مِمّا في بُطُونِهِ وقال في موضع آخر: بُطُونِها. وقال بعض نحويّي الكوفة: أضيفت الظهور إلى الواحد، لأن ذلك الواحد في معنى جمع بمنزلة الجند والجيش. قال: فإن

قيل: فهلا قلت: لتستووا على ظهره، فجعلت الظهر واحدا إذا أضفته إلى واحد. قلت: إن الواحد فيه معنى الجمع، فردّت الظهور إلى المعنى، ولم يقل ظهره، فيكون كالواحد الذي معناه ولفظه واحد. وكذلك تقول: قد كثر نساء الجند، وقلت: ورفع الجند أعينه ولم يقل عينه. قال: وكذلك كلّ ما أضفت إليه من الأسماء الموصوفة، فأخرجها على الجمع، وإذا أضفت إليه اسما في معنى فعل جاز جمعه وتوحيده، مثل قولك: رفع العسكر صوتَه، وأصواته أجود وجاز هذا لأن الفعل لا صورة له في الاثنين إلاّ الصورة في الواحد.

وقال آخر منهم:

قيل: لتستووا على ظهره، لأنه وصف للفلك، ولكنه وحد الهاء، لأن الفلك بتأويل جمع، فجمع الظهور ووحد الهاء، لأن أفعال كل واحد تأويله الجمع توحد وتجمع مثل: الجند منهزم ومنهزمون، فإذا جاءت الأسماء خرج على الأسماء لا غير، فقلت: الجند رجال، فلذلك جمعت الظهور ووحدت الهاء، ولو كان مثل الصوت وأشباهه جاز الجند رافع صوته وأصواته.

 قوله: ثُمّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبّكُمْ يقول تعالى ذكره: ثم تذكروا نعمة ربكم التي أنعمها عليكم بتسخيره ذلك لكم مراكب في البرّ والبحر إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ فتعظموه وتمجدوه، وتقولوا تنزيها للّه الذي سخر لنا هذا الذي ركبناه من هذه الفلك والأنعام، مما يصفه به المشركون، وتشرك معه في العبادة من الأوثان والأصنام وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٣٧٨٢ـ حدثنا أبو كُرَيب وعبيد بن إسماعيل الهباري، قالا: حدثنا المحاربيّ، عن عاصم الأحول، عن أبي هاشم عن أبي مجلّز، قال: ركبت دابة، فقلت: سُبْحانَ الّذي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ، فسمعني رجل من أهل البيت قال أبو كُرَيب والهباريّ: قال المحاربيّ: فسمعت سفيان يقول: هو الحسن بن عليّ رضوان اللّه تعالى عليهما، فقال: أهكذا أمرت؟ قال: قلت: كيف أقول؟ قال: تقول الحمد للّه الذي هدانا الإسلام، الحمد للّه الذي منّ علينا بمحمد عليه الصلاة والسلام، الحمد للّه الذي جعلنا في خير أمة أُخرجت للناس، فإذا أنت قد ذكرت نعما عظاما، ثم تقول بعد ذلك سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإنّا إلى رَبّنا لَمُنْقَلِبُونَ.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي هاشم، عن أبي مجلّز، أن الحسن بن عليّ رضي اللّه عنه، رأى رجلاً ركب دابة، فقال: الحمد للّه الذي سخر لنا هذا، ثم ذكر نحوه.

٢٣٧٨٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة لِتَسْتَوُوا على ظُهُورِهِ ثُمّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبّكُمْ إذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ يعلمكم كيف تقولون إذا ركبتم في الفلك تقولون: بِسْمِ اللّه مَجْراها وَمُرْساها، إنّ رَبّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، وإذا ركبتم الإبل قلتم: سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وإنّا إلى رَبنَا لمُنْقَلِبُونَ ويعلمكم ما تقولون إذا نزلتم من الفلك والأنعام جميعا تقولون: اللّه مّ أنزلنا منزلاً مباركا وأنت خير المنزلين.

٢٣٧٨٤ـ حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه أنه كان إذا ركب قال: اللّه مّ هذا من منّك وفضلك، ثم يقول: سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإنّا إلى رَبّنَا لمُنْقَلِبُونَ.

و قوله: وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ وما كنا له مُطِيقين ولا ضابطين، من قولهم: قد أقرنت لهذا: إذا صرت له قرنا وأطقته، وفلان مقرن لفلان: أي ضابط له مُطِيق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٣٧٨٥ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ يقول: مُطِيقين.

٢٣٧٨٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول اللّه عز وجل: مُقْرِنِينَ قال: الإبل والخيل والبغال والحمير.

٢٣٧٨٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ: أي مطيقين، لا واللّه لا في الأيدي ولا في القوّة.

حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قوله: وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ قال: في القوّة.

٢٣٧٨٨ـ حدثنا محمد، قال: حدثنا أحمد، قال: حدثنا أسباط، عن السديّ وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ قال: مطيقين.

٢٣٧٨٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول اللّه جلّ ثناؤه: سُبْحانَ الّذِي سَخّرَ لَنا هَذَا وَما كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ قال: لسنا له مطيقين، قال: لا نطيقها إلاّ بك، لولا أنت ما قوينا عليها ولا أطقناها.

﴿ ١٣