٤

و قوله: فِيها يُفْرَق كُلّ أمْرٍ حَكِيم اختلف أهل التأويل في هذه الليلة التي يُفرق فيها كلّ أمر حكيم، نحو اختلافهم في الليلة المباركة، وذلك أن الهاء التي في قوله: فِيها عائدة على الليلة المباركة، فقال بعضهم: هي ليلة القدر، يُقْضَى فيها أمر السنة كلها من يموت، ومن يولد، ومن يعزّ، ومن يذل، وسائر أمور السنة. ذكر من قال ذلك:

٢٣٩٩٢ـ حدثنا مجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا ربيعة بن كلثوم، قال: كنت عند الحسن، فقال له رجل: يا أبا سعيد، ليلة القدر في كلّ رمضان؟ قال: إي واللّه ، إنها لفي كلّ رمضان، وإنها الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، فيها يقضي اللّه كلّ أجل وأمل ورزق إلى مثلها.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا ربيعة بن كلثوم، قال: قال رجل للحسن وأنا أسمع: أرأيت ليلة القدر، أفي كل رمضان هي؟ قال: نعم واللّه الذي لا إله إلاّ هو، إنها لفي كل رمضان، وإنها الليلة التي يُفرق فيها كل أمر حكيم، يقضي اللّه كلّ أجل وخلق ورزق إلى مثلها.

٢٣٩٩٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال عبد الحميد بن سالم، عن عمر مولى غفرة، قال: يقال: ينسخ لملك الموت من يموت ليلة القدر إلى مثلها، وذلك لأن اللّه عزّ وجلّ يقول: إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ وقال فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ قال: فتجد الرجل ينكح النساء، ويغرس الغرس واسمه في الأموات.

٢٣٩٩٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن سلمة، عن أبي مالك، في قوله: فِيها يُفْرَق كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ قالَ: أمر السنة إلى السنة ما كان من خلق أو رزق أو أجل أو مصيبة، أو نحو هذا.

٢٣٩٩٥ـ قال: ثنا سفيان، عن حبيب، عن هلال بن يساف، قال: كان يقال: انتظروا القضاء في شهر رمضان.

٢٣٩٩٦ـ حدثنا الفضل بن الصباح، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن حصين، عن سعيد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن في قوله: فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ قال: يدبر أمر السنة في ليلة القدر.

٢٣٩٩٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ قال: في ليلة القدر كلّ أمر يكون في السنة إلى السنة: الحياة والموت، يقدر فيها المعايش والمصائب كلها.

٢٣٩٩٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ليلة القدر فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ كُنّا نُحدّثُ أنه يُفْرق فيها أمر السنة إلى السنة.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قال: هي ليلة القدر فيها يُقضى ما يكون من السنة إلى السنة.

٢٣٩٩٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، قال: سألت مجاهدا، فقلت: أرأيت دعاء أحدنا يقول: اللّه مّ إن كان اسمي في السعداء، فأثبته فيهم، وإن كان في الأشقياء فامحه منهم، واجعله بالسعداء، فقال: حسن، ثم لقيته بعد ذلك بحول أو أكثر من ذلك، فسألته عن هذا الدعاء، قال: إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إنّا كُنّا مُنْذِرِينَ، فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ قال: يقضي في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو مصيبة، ثم يقدّم ما يشاء، ويؤخر ما يشاء فأما كتاب السعادة والشقاء فهو ثابت لا يغير. وقال آخرون: بل هي ليلة النصف من شعبان. ذكر من قال ذلك:

٢٤٠٠٠ـ حدثنا الفضل بن الصباح، والحسن بن عرفة، قالا: حدثنا الحسن بن إسماعيل البجلي، عن محمد بن سوقة، عن عكرمة في قول اللّه تبارك وتعالى: فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ قال: في ليلة النصف من شعبان، يبرم فيه أمر السنة، وتنسخ الأحياء من الأموات، ويكتب الحاج فلا يزاد فيهم أحد، ولا ينقص منهم أحد.

٢٤٠٠١ـ حدثني عبيد بن آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الليث، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن عثمان بن محمد بن المُغيرة بن الأخنس، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (تُقْطَعُ الاَجالُ مِنْ شَعْبانُ إلى شَعْبانَ حتى إن الرّجُلَ لَيَنْكِحُ وَيُولَدُ لَهُ وَقَدْ خَرَجَ اسمُهُ فِي المَوْتَى) .

٢٤٠٠٢ـ حدثني محمد بن معمر، قال: حدثنا أبو هشام، قال حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا عثمان بن حكيم، قال: حدثنا سعيد بن جُبير، قال: قال ابن عباس : إن الرجل ليمشي في الناس وقد رُفع في الأموات، قال: ثم قرأ هذه الاَية إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إنّا كُنّا مُنْذِرِينَ، فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيم قال: ثم قال: يفرق فيها أمر الدنيا من السنة إلى السنة.

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: ذلك ليلة القدر لما قد تقدّم من بياننا عن أن المعنِيّ ب قوله: إنّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ليلة القدر، والهاء في قوله: فِيها من ذكر الليلة المباركة. وعنى ب قوله: فِيها يُفْرَقُ كُلّ أمْرٍ حَكِيمٍ في هذه الليلة المباركة يُقْضَى ويُفْصَل كلّ أمر أحكمه اللّه تعالى في تلك السنة إلى مثلها من السنة الأخرى، ووضع حكيم موضع محكم، كما قال: آلم، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الحَكِيمِ يعني : المحكم.

﴿ ٤