١٧

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِذْ يَتَلَقّى الْمُتَلَقّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشّمَالِ قَعِيدٌ}.

يقول تعالى ذكره: ونحن أقرب إلى الإنسان من وريد حلقه، حين يتلقى الملَكان، وهما المتلقيان عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيد و

قيل: عنى بالقعيد: الرصد. ذكر من قال ذلك:

٢٤٦٧١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: قَعِيدٌ قال: رَصَد.

واختلف أهل العربية في وجه توحيد قعيد، وقد ذُكر من قبل متلقيان، فقال بعض نحويي البصرة:

قيل: عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ ولم يقل: عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، أي أحدهما، ثم استغنى، كما قال: نُخْرِجْكُمْ طِفْلاً ثم استغنى بالواحد عن الجمع، كما قال: فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسا. وقال بعض نحويي الكوفة قَعِيدٌ يريد: قعودا عن اليمين وعن الشمال، فجعل فعيل جمعا، كما يجعل الرسول للقوم وللاثنين، قال اللّه عزّ وجلّ: إنا رَسُولُ رَبّ العالَمِينَ لموسى وأخيه، وقال الشاعر:

أَلِكْنِي إلَيْها وَخَيْرُ الرّسُولِ أعْلَمُهُمْ بِنَوَاحي الخَبرْ

فجعل الرسول للجمع، فهذا وجه وإن شئت جعلت القعيد واحدا اكتفاء به من صاحبه، كما قال الشاعر:

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنا وأنْتَ بِمَاعِنْدَكَ رَاضٍ والرّأيُ مُخْتَلِفُ

ومنه قول الفَرَزدق:

إنّي ضَمِنْتُ لِمَنْ أتانِي ما جَنىوأَبى فَكانَ وكُنْتُ غَيرَ غَدُورِ

ولم يقل: غَدُورَيْن.

﴿ ١٧