٨القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لاّ يَنْهَاكُمُ اللّه عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ ...}. يقول تعالى ذكره: لا يَنْهاكُمُ اللّه عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ من أهل مكة وَلم يُخْرِجوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أنْ تَبرّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إلَيْهِمْ يقول: وتعدلوا فيهم بإحسانكم إليهم، وبرّكم بهم. واختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بهذه الآية، فقال بعضهم: عُني بها: الذين كانوا آمنوا بمكة ولم يهاجروا، فأذن اللّه للمؤمنين ببرّهم والإحسان إليهم. ذكر من قال ذلك: ٢٦٢٦٠ـ حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: لا يَنْهاكُمْ اللّه عَن الّذِينَ لَم يُقَاتِلُوكُم فِي الدّينِ أن تستغفروا لهم، و وتبروّهم وتقسطوا إليهم قال: وهم الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا. وقال آخرون: عُنِي بها من غير أهل مكة مَنْ لم يهاجر. ذكر من قال ذلك: ٢٦٢٦١ـ حدثني محمد بن إبراهيم الأنماطيّ، قال: حدثنا هارون بن معروف، قال: حدثنا بشر بن السري، قال: حدثنا مصعب بن ثابت، عن عمه عامر بن عبد اللّه بن الزبير، عن أبيه، قال: نزلت في أسماء بنت أبي بكر، وكانت لها أمّ في الجاهلية يقال لها قُتَيلة ابنة عبد العُزى، فأتتها بهدايا وصِنَاب وأقط وَسمْن، فقالت: لا أقبل لك هدية، ولا تدخلي عليّ حتى يأذن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فذكرت ذلك عائشة لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فأنزل اللّه لا يَنْهاكُمْ اللّه عَنِ الّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدّينِ... إلى قوله: المُقْسِطِينَ. قال: ثنا إبراهيم بن الحجاج، قال: حدثنا عبد اللّه بن المبارك، قال: حدثنا مصعب بن ثابت، عن عامر بن عبد اللّه بن الزبير، عن أبيه، قال: قَدِمتْ قُتَيلة بنت عبد العُزى بن سعد من بني مالك بن حِسْل على ابنتها أسماء بنت أبي بكر، فذكر نحوه. وقال آخرون: بل عُنِي بها من مشركي مكة من لم يقاتل المؤمنين، ولم يخرجوهم من ديارهم قال: ونسخ اللّه ذلك بعدُ بالأمر بقتالهم. ذكر من قال ذلك: ٢٦٢٦٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وسألته عن قول اللّه عزّ وجلّ: لا يَنْهاكُمُ اللّه ... الآية، فقال: هذا قد نسخ، نَسَخه، القتال، أمروا أن يرجعوا إليهم بالسيوف، ويجاهدوهم بها، يضربونهم، وضرب اللّه لهم أجل أربعة أشهر، إما المذابحة، وإما الإسلام. ٢٦٢٦٣ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله لا يَنْهاكُمُ اللّه ... الآية، قال: نسختها اقْتُلُوا المُشْرِكينَ حَيْثُ وَجَدتُمُوهُمْ. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُنِي بذلك: لا ينهاكم اللّه عن الذين لم يقاتلوكم في الدين، من جميع أصناف الملل والأديان أن تبرّوهم وتصلوهم، وتقسطوا إليهم، إن اللّه عزّ وجلّ عمّ بقوله الّذِينَ لَمْ يُقاتلُوكُمْ فِي الدّينِ ولَمْ يُخْرِجُوكمْ مِنْ دِيارِكُمْ جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصُصْ به بعضا دون بعض، ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ، لأن برّ المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولانسب غير محرّم ولا منهى عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له، أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، أو تقوية لهم بكُراع أو سلاح. قد بين صحة ما قلنا في ذلك، الخبر الذي ذكرناه عن ابن الزبير في قصة أسماء وأمها. و قوله: إنّ اللّه يُحِبّ المُقْسِطِينَ يقول: إن اللّه يحبّ المنصفين الذين ينصفون الناس، ويعطونهم الحقّ والعدل من أنفسهم، فيبرّون من برّهم، ويُحْسنون إلى من أحسن إليهم. |
﴿ ٨ ﴾