٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِن تَتُوبَآ إِلَى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ...}. يقول تعالى ذكره: إن تتوبا إلى اللّه أيتها المرأتان فقد مالت قلوبكما إلى محبة ما كرهه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من اجتنابه جاريته، وتحريمها على نفسه، أو تحريم ما كان له حلالاً مما حرّمه على نفسه بسبب حفصة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٦٢٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: إنْ تَتُوبا إلى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما يقول: زاغت قلوبكما، يقول: قد أثمت قلوبكما. ٢٦٦٢٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن مجاهد قال: كنا نرى أن قوله: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما شيء هين، حتى سمعت قراءة ابن مسعود: (إن تَتُوبا إلى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما) . ٢٦٦٢٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما: أي مالت قلوبكما. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن قتادة فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما مالت قلوبكما. ٢٦٦٢٥ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما يقول: زاغت. ٢٦٦٢٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان صٍغَتْ قُلُوبَكُما قال: زاغت قلوبكما. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ابن زيد، قال اللّه عزّ وجلّ: إنْ تَتُوبا إلى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال: سرهما أن يجتنب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جاريته، وذلك لهما موافق صَغَتْ قُلُوبَكُما إلى أن سرّهما ما كره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . و قوله: وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ يقول تعالى ذكره للتي أسّر إليها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حديثه، والتي أفشت إليها حديثه، وهما عائشة وحفصة رضي اللّه عنهما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٦٦٢٧ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الزهري، عن عبيد اللّه بن أبي ثور، عن ابن عباس قال: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، اللتين قال اللّه جلّ ثناؤه: إنْ تَتْوبا إلى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال: فحجّ عمر، وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر، وعدلت معه بإداوة، ثم أتاني فسكبت على يده وتوضأ فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان من أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم اللتان قال اللّه لهما: إنْ تَتُوبا إلى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبَكُما قال عمر: واعجبا لك يا بن عباس قال الزهري: وكره واللّه ما سأله ولم يكتم، قال: هي حفصة وعائشة قال: ثم أخذ يسوق الحديث، فقال: كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة، ثم ذكر الحديث بطوله. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن أشهب، عن مالك، عن أبي النضر، عن عليّ بن حسين، عن ابن عباس ، أنه سأل عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه عن المتطاهرتين على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: عائشة وحفصة. ٢٦٦٢٨ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عبيد بن حنين أنه سمع ابن عباس يقول: مكثت سنة وأنا أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن المتظاهرتين، فما أجد له موضعا أسأله فيه حتى خرج حاجا، وصحبته حتى إذا كان بمرّ الظّهران ذهب لحاجته، وقال: أدركني بإداوة من ماء فلما قضى حاجته ورجع، أتيته بالإداوة أصبها عليه، فرأيت موضعا، فقلت: يا أمير المؤمنين، من المرأتان المتظاهرتان على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ فما قضيت كلامي حتى قال: عائشة وحفصة رضي اللّه عنهما. ٢٦٦٢٩ـ حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: حدثنا عمر بن يونس، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثنا سماك أبو زميل، قال: ثني عبد اللّه بن عباس ، قال: ثني عمر بن الخطاب، قال: لما اعتزل نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساءه، دخلت عليه وأنا أرى في وجهه الغضب، فقلت: يا رسول اللّه ما شقّ عليك من شأن النساء، فلئن كنت طلقتهن فإن اللّه معك وملائكته، وجبرائيل وميكائيل، وأنا وأبو بكر معك، وقلما تكلمت وأحمد اللّه بكلام، إلا رجوت أن يكون اللّه مصدّق قولي، فنزلت هذه الاَية، آية التخيير: عَسَى رَبّهُ إنْ طَلّقَكُنّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْوَاجا خَيْرا مِنْكُنّ، وَإنْ تَظاهَرَا عَلَيْهِ فإنّ اللّه هُوَ مُوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ... الاَية، وكانت عائشة ابنة أبي بكر وحفصة تتظاهران على سائر نساء النبي صلى اللّه عليه وسلم . ٢٦٦٣٠ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: وَإنْ تَظَاهَرَ عَلَيْهِ يقول: على معصية النبي صلى اللّه عليه وسلم وأذاه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، قال ابن عباس لعمر: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أمر وإني لأهابك، قال: لا تهبني، فقال: من اللتان تظاهرتا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ قال: عائشة وحفصة. و قوله: فإنّ اللّه هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ يقول: فإن اللّه هو وليه وناصره، وصالح المؤمنين، وخيار المؤمنين أيضا مولاه وناصره. و قيل: عني بصالح المؤمنين في هذا الموضع: أبو بكر، وعمر رضي اللّه عنهما. ذكر من قال ذلك: ٢٦٦٣١ـ حدثني عليّ بن الحسن الأزدي، قال: حدثنا يحيى بن يمان، عن عبد الوهاب، عن مجاهد، في قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال: أبو بكر وعمر. ٢٦٦٣٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا عبيد بن سليمان، عن الضحاك ، في قوله: وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال: خيار المؤمنين أبو بكر الصدّيق وعمر. حدثنا إسحاق بن إسرائيل، قال: حدثنا الفضل بن موسى السيناني من قرية بمرو يقال لها سينان عن عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال: أبو بكر وعمر. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ يقول: خيار المؤمنين. وقال آخرون: عُنِي بصالح المؤمنين: الأنبياء صلوات اللّه عليهم. ذكر من قال ذلك: ٢٦٦٣٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال: هم الأنبياء. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قوله وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال: هم الأنبياء. ٢٦٦٣٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال الأنبياء. والصواب من القول في ذلك عندي: أن قوله: وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ وإن كان في لفظ واحد، فإنه بمعنى الجميع، وهو بمعنى قوله إنّ الإنْسانَ لَفِي خَسْر فالإنسان وإن كان في لفظ واحد، فإنه بمعنى الجميع، وهو نظير قول الرجل: لا تَقريَنّ إلا قارىء القرآن، يقال: قارىء القرآن، وإن كان في اللفظ واحدا، فمعناه الجمع، لأنه قد أذن لكلّ قارىء القرآن أن يقريه، واحدا كان أو جماعة. و قوله: وَالمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلكَ ظَهِيرٌ يقول: والملائكة مع جبريل وصالح المؤمنين لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أعوان على من آذاه، وأراد مساءته. والظهير في هذا الموضع بلفظ واحد في معنى جمع. ولو أخرج بلفظ الجميع ل قيل: والملائكة بعد ذلك ظهراء. وكان ابن زيد يقول في ذلك ما: ٢٦٦٣٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وَإنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإن اللّه هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْريلُ وَصَالِحُ المُوءْمِنِينَ قال: وبدأ بصالح المؤمنين ها هنا قبل الملائكة، قال: والمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلكَ ظَهِيرٌ. |
﴿ ٤ ﴾