٥

القول فـي تأويـل قوله تعالى: {عَسَىَ رَبّهُ إِن طَلّقَكُنّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مّنكُنّ ...}.

يقول تعالى ذكره: عسى ربّ محمد إن طلقكنّ يا معشر أزواج محمد صلى اللّه عليه وسلم أن يبدله منكنّ أزواجا خيرا منكن.

و

قيل: إن هذه الاَية نزلت على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تحذيرا من اللّه نساءه لما اجتمعن عليه في الغيرة. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٣٦ـ حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: قال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه: اجتمع على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نساؤه في الغيرة فقلت لهنّ: عسى ربه إن طلقهن أن يبدله أزواجا خيرا منكنّ، قال: فنزل كذلك.

٢٦٦٣٧ـ حدثنا يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن حميد، عن أنس، عن عمر، قال: يلغني عن بعض أمهاتنا، أمهات المؤمنين شدّة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأذاهنّ إياه، فاستقريتهنّ امرأة امرأة، أعظها وأنهاها عن أذى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، وأقول: إن أبيتنّ أبدله اللّه خيرا منكن، حتى أتيت، حسبت أنه قال على زينب، فقالت: يا بن الخطاب، أما في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهنّ أنت؟ فأمسكت، فأنزل اللّه عَسَى رَبّهُ إنْ طَلّقَكُنّ أنْ يُبْدِلَهُ أزْوَاجا خَيْرا مِنْكُنّ.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد، عن أنس، قال: قال عمر بن الخطاب: يلغني عن أمهات المؤمنين شيء، فاستقريتهنّ أقول: لتكففن عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، أو ليبدلنه اللّه أزواجا خيرا منكنّ، حتى أتيت على إحدى أمهات المؤمنين، فقالت: يا عمر أما في رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما يعظ نساءه حتى تعظهنّ أنت؟ فكففت، فأنزل اللّه عَسَى رَبّهُ إنْ طَلّقَكُنّ أنْ يُبْدلَهُ أزْوَجا خَيْرا مِنْكُنّ مُسْلِماتٍ مُوءْمِناتٍ... الاَية.

واختلفت القرّاء في قراءة قوله: أنْ يُبْدِلَهُ فقرأ ذلك بعض قرّاء مكة والمدينة والبصرة بتشديد الدال: (يبدّله أزواجا) من التبديل وقرأه عامة قرّاء الكوفة: يُبْدِ له بتخفيف الدال من الإبدال.

والصواب من القول أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب.

و قوله: مُسْلِماتٍ يقول: خاضعات للّه بالطاعة مُوءْمِناتٍ يعني مصدّقات باللّه ورسوله.

وقوله قَانِتات يقول: مطيعات للّه، كما:

٢٦٦٣٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول اللّه قانتاتٍ قال: مطيعات.

٢٦٦٣٩ـ حدثني ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله قانِتاتٍ قال مطيعات.

و قوله: تائِباتٍ يقول: راجعات إلى ما يحبه اللّه منهنّ من طاعته عما يكرهه منهنّ عابِدَاتٍ يقول: متذللات للّه بطاعته. وقوله سائحاتٍ يقول: صائمات.

واختلف أهل التأويل في معنى قوله: سائحات فقال بعضهم: معنى ذلك: صائمات. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٤٠ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله سائحات قال: صائمات.

٢٦٦٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله سَائحاتٍ قال: صائمات.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قال السّائحات: الصائمات.

٢٦٦٤٢ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: سائحاتٍ يعني : صائمات.

وقال آخرون: السائحات: المهاجرات. ذكر من قال ذلك:

٢٦٦٤٣ـ حدثنا إسحق بن إسرائيل، قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراورديّ، عن زيد بن أسلم، قال: السائحات: المهاجرات.

٢٦٦٤٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله سائحات قال: مهاجرات ليس في القرآن، ولا في أمة محمد سياحة إلا الهجرة، وهي التي قال اللّه السّائحُونَ.

وقد بيّنا الصواب من القول في معنى السائحين فيما مضى قبل بشواهده مع ذكرنا أقوال المختلفين فيه، وكرهنا إعادته.

وكان بعض أهل العربية يقول: نرى أن الصائم إنما سمي سائحا، لأن السائح لا زاد معه، وإنما يأكل حيث يجد الطعام، فكأنه أُخذ من ذلك.

و قوله: ثَيّباتٍ وهنّ اللواتي قد افترعن وذهبت عذرتهنّ وأبْكارا وهنّ اللواتي لم يجامعن، ولم يفترعن.

﴿ ٥