٦

و قوله: بأَيّكُمُ المَفْتُونُ اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تأويله بأيكم المجنون، كأنه وجّه معنى الباء في قوله بأَيّكُمُ إلى معنى في. وإذا وجهت الباء إلى معنى (في) كان تأويل الكلام: ويبصرون في أيّ الفريقين المجنون في فريقك يا محمد أو فريقهم، ويكون المجنون اسما مرفوعا بالباء. ذكر من قال معنى ذلك: بأيكم المجنون:

٢٦٧٤٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد بأَيّكُمُ المَفْتُونُ قال: المجنون.

قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد بأَيّكُمُ المَفْتُونُ قال: بأيكم المجنون.

وقال آخرون: بل تأويل ذلك: بأيكم الجنون وكأن الذين قالوا هذا القول وجهوا المفتون إلى معنى الفتنة أو الفتون، كما

قيل: ليس له معقول ولا معقود: أي بمعنى ليس له عقل ولا عقد رأى فكذلك وضع المفتون موضع الفُتُون. ذكر من قال: المفتون: بمعنى المصدر، وبمعنى الجنون:

٢٦٧٤١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: بأَيّكُمُ المَفْتُونُ قال: الشيطان.

٢٦٧٤٢ـ حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد، قال: سمعت الضحاك ، يقول في قوله: بأَيّكُمُ المَفْتُونُ يعني الجنون.

٢٦٧٤٣ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس يقول: بأيكم الجنون.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أيكم أولى بالشيطان فالباء على قول هؤلاء زيادة دخولها وخروجها سواء، ومثّل هؤلاء ذلك بقول الراجز:

نَحْنُ بَنُو جَعْدَةَ أصجَابُ الفَلَجْنَضْرِبُ بالسّيْفِ وَنَرْجُو بالفَرَجْ

بمعنى: نرجو الفرج، فدخول الباء في ذلك عندهم في هذا الموضع وخروجها سواء. ذكر من قال ذلك:

٢٦٧٤٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بأَيّكُمُ المَفْتُونُ يقول: بأيكم أولى بالشيطان.

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: بأَيّكُمُ المَفْتُونُ قال: أيكم أولى بالشيطان.

واختلف أهل العربية في ذلك نحوَ اختلاف أهل التأويل، فقال بعض نحوّيي البصرة: معنى ذلك: فستبصر ويبصرون أيّكم المفتون. وقال بعض نحويي الكوفة: بأيكم المفتون ها هنا، بمعنى الجنون، وهو في مذهب الفُتُون، كما قالوا: ليس له معقول ولا معقود قال: وإن شئت جعلت بأيكم في أيكم في أيّ الفريقين المجنون قال: وهو حينئذٍ اسم ليس بمصدر.

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: معنى ذلك: بأيكم الجنون، ووجه المفتون إلى الفتون بمعنى المصدر، لأن ذلك أظهر معاني الكلام، إذا لم ينو إسقاط الباء، وجعلنا لدخولها وجها مفهوما. وقد بيّنا أنه غير جائز أن يكون في القرآن شيء لا معنى له.

﴿ ٦