تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة النبأسورة النبأ مكيّة وآياتها أربعون بسم اللّه الرحمَن الرحيـم ١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {عَمّ يَتَسَآءَلُونَ }. يقول تعالى ذكره: عن أيّ شيء يتساءل هؤلاء المشركون باللّه ورسوله من قريش يا محمد؟ وقيل ذلك له صلى اللّه عليه وسلم ، وذلك أن قريشا جعلت فيما ذُكر عنها تختصم وتتجادل، في الذي دعاهم إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من الإقرار بنبوّته، والتصديق بما جاء به من عند اللّه ، والإيمان بالبعث، فقال اللّه لنبيه: فيم يتساءل هؤلاء القوم ويختصمون؟ و (في) و (عن) في هذا الموضع بمعنى واحد. ذكر من قال ما ذكرت: ٢٧٨٢٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع بن الجراح، عن مِسعر، عن محمد بن جحادة، عن الحسن، قال: لما بُعِث النبي صلى اللّه عليه وسلم جعلوا يتساءلون بينهم، فأنزل اللّه : عَمّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النّبَأ العَظِيم يعني : الخبر الْعظيم. قال أبو جعفر: ثم أخبر اللّه نبيه صلى اللّه عليه وسلم عن الذي يتساءلونه، فقال: يتساءلون عن النبأ العظيم: يعني : عن الخبر العظيم. واختلف أهل التأويل في المعنيّ بالنبأ العظيم، فقال بعضهم: أريد به القرآن. ذكر من قال ذلك: ٢٢٧٨٢٨ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول اللّه : عَن النّبَأ الْعَظِيمِ قال: القرآن. وقال آخرون: عُنِي به البعث. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٢٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: عَنِ النّبَأ الْعَظِيمِ وهو البعث بعد الموت. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن سعيد، عن قتادة عَنِ النّبَأ الْعَظِيمِ قال: النبأ العظيم: البعث بعد الموت. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: عَمّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النّبَأ الْعَظِيمِ الّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ قال: يوم القيامة قال: قالوا هذا اليوم الذي تزعمون أنا نحيا فيه وآباؤنا، قال: فهم فيه مختلفون، لا يؤمنون به، فقال اللّه : بل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون، يوم القيامة لا يؤمنون به. وكان بعض أهل العربية يقول: معنى ذلك: عمّ يتحدّث به قريش في القرآن، ثم أجاب فصارت عمّ كأنها في معنى: لأيّ شيء يتساءلون عن القرآن، ٣ثم أخبر فقال: الّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ بين مصدق ومكذّب، فذلك إخلافهم، و قوله: الّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ يقول تعالى ذكره: الذي صاروا هم فيه مختلفون فريقين: فريق به مصدّق، وفريق به مكذّب. يقول تعالى ذكره: فتساؤلهم بينهم في النبأ الذي هذه صفته. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٣٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة عن النبأ الّذِي همْ فِيهِ مُخْتَلِفونَ البعث بعد الموت، فصار الناس فيه فريقين: مصدّق ومكذّب، فأما الموت فقد أقرّوا به لمعاينتهم إياه، واختلفوا في البعث بعد الموت. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة الّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ: صار الناس فيه رجلين: مصدّق، ومكذّب، فأما الموت فإنهم أقروا به كلهم، لمعاينتهم إياه، واختلفوا في البعث بعد الموت. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة الّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ قال: مصدّق ومكذّب. ٤و قوله: كَلاّ يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يزعم هؤلاء المشركون الذين ينكرون بعث اللّه إياهم أحياء بعد مماتهم، وتوعدهم جل ثناؤه على هذا القول منهم، فقال: سَيَعْلَمُونَ يقول: سيعلم هؤلاء الكفار المُنكرون وعيد اللّه أعداءه، ما اللّه فاعل بهم يوم القيامة، ٥ثم أكد الوعيد بتكرير آخر، فقال: ما الأمر كما يزعمون من أن اللّه غير محييهم بعد مماتهم، ولا معاقبهم على كفرهم به، سيعلمون أن القول غير ما قالوا إذا لقُوا اللّه ، وأفضوا إلى ما قدّموا من سيىء أعمالهم. وذكر عن الضحاك بن مزاحم في ذلك ما: ٢٧٨٣١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك كَلاّ سَيَعْلَمُونَ الكفار ثُمّ كَلاّ سَيَعْلَمُونَ المؤمنون، وكذلك كان يقرؤها. ٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَاداً }. يقول تعالى ذكره معدّدا على هؤلاء المشركين نِعَمه وأياديه عندهم، وإحسانه إليهم، وكفرانهم ما أنعم به عليهم، ومتوعدهم بما أعدّ لهم عند ورودهم عليه، من صنوف عقابه، وأليم عذابه، فقال لهم: أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ لكم مِهادا تمتهدونها وتفترشونها. ٢٧٨٣٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سعيد، عن قتادة ألَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهادا: أي بساطا ٧والجِبالَ أوْتادا يقول: والجبال للأرض أوتادا أن تميد بكم ٨وَخَلَقْناكُمْ أزْوَاجا ذُكرانا وإناثا، وطوالاً وقصارا، أو ذوي دَمامة وجمال، مثل قوله: الّذِينَ ظَلَموا وَأزْوَاجَهُمْ يعني به: صيرناهم. ٩وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتا يقول: وجعلنا نومكم لكم راحة ودَعة، تهدؤن به وتسكنون، كأنكم أموات لا تشعرون، وأنتم أحياء لم تفارقكم الأرواح والسبت والسبات: هو السكون، ولذلك سمي السبت سبتا، لأنه يوم راحة ودعة. ١٠وَجَعَلْنا اللّيْلَ لِباسا يقول تعالى ذكره: وجعلنا الليل لكم غِشاء يتغشاكم سواده، وتغطيكم ظلمته، كما يغطي الثوبُ لابسَه، لتسكنوا فيه عن التصرّف لما كنتم تتصرّفون له نهارا ومنه قول الشاعر: فلمّا لَبِسْن اللّيْلَ أوْ حِينَ نَصّبَتْله مِنْ خَذا آذانِها وَهْوَ دَالِجُ يعني بقوله (لبسن الليل) : أدخلن في سواده فاستترن به. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٣٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن قتادة وَجَعَلْنا اللّيْلَ لِباسا قال: سكنا. ١١و قوله: وَجَعَلْنا النّهارَ مَعاشا يقول: وجعلنا النهار لكم ضياء لتنتشروا فيه لمعاشكم، وتتصرّفوا فيه لمصالح دنياكم، وابتغاء فضل اللّه فيه، وجعل جل ثناؤه النهار إذ كان سببا لتصرّف عباده لطلب المعاش فيه معاشا، كما في قول الشاعر: وأخُو الهُموم إذا الهُمُوم تَحَضّرَتْجُنْحَ الظّلامِ وِسادُهُ لا يَرْقُدُ فجعل الوساد هو الذي لا يرقد، والمعنى لصاحب الوساد. ٢٧٨٣٤ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: النّهارَ مَعاشا قال: يبتغون فيه من فضل اللّه . ١٢القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً }. يقول تعالى ذكره: وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ: وسقفنا فوقكم، فجعل السقف بناء، إذ كانت العرب تسمي سقوف البيوت، وهي سماؤها بناءً، وكانت السماء للأرض سقفا، فخاطبهم بلسانهم، إذ كان التنزيل بلسانهم، وقال: سَبْعا شِدَادا إذ كانت وثاقا محكمة الخلق، لا صدوع فيهنّ ولا فطور، ولا يبليهن مرّ الليالي والأيام. ١٣و قوله: وَجَعَلْنا سِرَاجا وَهّاجا يقول تعالى ذكره: وجعلنا سراجا، يعني بالسراج: الشمس. وقوله وَهّاجا يعني : وقادا مضيئا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٣٥ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ، في قوله: وَجَعَلْنا سِرَاجا وَهّاجا يقول: مضيئا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وَجَعَلْنَا سِرَاجا وهّاجا يقول: سراجا منيرا. ٢٧٨٣٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: سِرَاجا وَهّاجا قال: يتلألأ. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة سِرَاجا وَهّاجا قال: الوهاج: المنير. ٢٧٨٣٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان سِرَاجا وَهّاجا قال: يتلألأ ضوءه. ١٤و قوله: وأنْزَلْنا مِنَ المُعْصِرَاتِ اختلف أهل التأويل في المعنيّ بالمعصِرات، فقال بعضهم: عُنِي بها الرياح التي تعصر في هبوبها. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٣٨ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: وَأنْزَلْنا مِنَ المُعْصِرَاتِ فالمعصرات: الريح. ٢٧٨٣٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، أنه كان يقرأ: (وَأنْزَلْنا بالمُعْصِرَاتِ) يعني : الرياح. ٢٧٨٤٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى: عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: مِنَ المُعْصِرَاتِ قال: الريح. وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. ٢٧٨٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: هي في بعض القراءات: (وَأنْزَلْنا بالمُعْصِرَاتِ) : الرياح. ٢٧٨٤٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَأنْزَلْنا مِنَ المُعْصِراتِ قال: المعصرات: الرياح، وقرأ قول اللّه : الّذِي يُرْسِلُ الرّياحَ فَتُثِيرُ سَحَابا... إلى آخر الاَية. وقال آخرون: بل هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولمّا تمطر، كالمرأة المعصر التي قد دنا أوان حيضها ولم تحض. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٤٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان مِنَ المُعْصِرَاتِ قال: المعصرات: السحاب. ٢٧٨٤٤ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله وأنْزَلْنا مِنَ المُعْصِراتِ يقول: من السحاب. ٢٧٨٤٥ـ قال: ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع المُعْصِراتِ: السحاب. وقال آخرون: بل هي السماء. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٤٦ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، قال: سمعت الحسن يقول: وَأنْزَلْنا مِنَ المُعْصِرَاتِ قال: من السماء. ٢٧٨٤٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَأنْزَلْنا مِنَ المُعْصِرَاتِ قال: من السموات. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، قوله: وأنْزَلْنا مِنَ المُعْصِراتِ قال: من السماء. وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن اللّه أخبر أنه أنزل من المعصِرات، وهي التي قد تحلبت بالماء من السحاب ماء. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب، لأن القول في ذلك على أحد الأقوال الثلاثة التي ذكرت، والرياح لا ماء فيها، فينزل منها، وإنما ينزل بها، وكان يصحّ أن تكون الرياح، ولو كانت القراءة: (وَأنْزَلْنا بالمُعْصِرَاتِ) فلما كانت القراءة: منَ المُعْصِرَاتِ علم أن المعنيّ بذلك ما وصفت. فإن ظنّ ظانّ أن الباء قد تعقب في مثل هذا الموضع من قيل ذلك، وإن كان كذلك، فالأغلب من معنى (من) غير ذلك، والتأويل على الأغلب من معنى الكلام. فإن قال: فإن السماء قد يجوز أن تكون مرادا بها. قيل: إن ذلك وإن كان كذلك، فإن الأغلب من نزول الغيث من السحاب دون غيره. وأما قوله: مَاءً ثَجّاجا يقول: ماء منصبا يتبع بعضه بعضا، كثجّ دماء البدن، وذلك سفكها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٤٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس ماءً ثَجّاجا قال: منصبا. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ماءً ثَجّاجا ماء من السماء منصبا. ٢٧٨٤٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: ماءً ثَجّاجا قال: منصبا. ٢٧٨٥٠ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة : ماءً ثَجّاجا قال: الثجاج: المنصب. ٢٧٨٥١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع: مَاءً ثَجّاجا قال: منصبا. ٢٧٨٥٢ـ قال: ثنا مهران، عن سفيان ماءً ثَجّاجا قال: متتابعا. وقال بعضهم: عُنِي بالثجّاج: الكثير. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٥٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب ماءً ثَجّاجا قال: كثيرا. ولا يُعرف في كلام العرب من صفة الكثرة الثجّ، وإنما الثجّ: الصبّ المتتابع. ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : (أفْضَلُ الحَجّ العَجّ والثّجّ) : يعني بالثجّ: صبّ دماء الهدايا والبُدن بذبحها، يقال منه: ثَجَجت دمه، فأنا أُثجّه ثجا، وقد ثَجّ الدم، فهو يثجّ ثجوجا. ١٥القول فـي تأويـل قوله تعالى: {لّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً }. يقول تعالى ذكره: لنخرج بالماء الذي ننزله من المعصِرات إلى الأرض حبا والحب كلّ ما تضمنه كمام الزرع التي تحصد، وهي جمع حبة، كما الشعير جمع شعيرة، وكما التمر جمع تمرة. وأما النبات فهو الكلأ الذي يُرْعَى، من الحشيش والزروع. ١٦و قوله: وَجَنّاتٍ ألْفافا يقول: ولنخرج بذلك الغيث جنات وهي البساتين وقال: وجنات، والمعنى: وثمر جنات، فترك ذكر الثمر استغناء بدلالة الكلام عليه من ذكره. و قوله: ألْفافا يعني : ملتفة مجتمعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٥٤ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وجَنّاتٍ أَلْفافا قال: مجتمعة. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس وَجَنّاتٍ ألْفافا يقول: وجنات التفّ بعضها ببعض. ٢٧٨٥٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وَجَنّاتٍ ألْفافا قال: ملتفة. ٢٧٨٥٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَجَنّاتٍ ألْفافا قال: التفّ بعضها إلى بعض. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله وَجَنّاتٍ ألْفافا قال: التفّ بعضها إلى بعض. ٢٧٨٥٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان وَجَنّاتٍ ألْفافا قال: ملتفة. ٢٧٨٥٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وَجَنّاتٍ ألْفافا قال: هي الملتفة، بعضها فوق بعض. واختلف أهل العربية في واحد الألفاف، فكان بعض نحويّي البصرة يقول: واحدها: لَفّ. وقال بعض نحويّي الكوفة: واحدها: لَفّ ولفيف قال: وإن شئت كان الألفاف جمعا، واحده جمع أيضا، فتقول: جنة لفّاء، وجنات لَفّ، ثم يجمع اللّفّ ألفافا. وقال آخر منهم: لم نسمع شجرة لفة، ولكن واحدها لفاء، وجمعها لفّ، وجمع لفّ: ألفاف، فهو جمع الجمع. والصواب من القول في ذلك أن الألفاف جمع لَفّ أو لفيف، وذلك أن أهل التأويل مجمعون على أن معناه: ملتفة، واللّفاء: هي الغليظة، وليس الالتفاف من الغلظ في شيء، إلاّ أن يوجه إلى أنه غلظ الالتفاف، فيكون ذلك حينئذٍ وجها. ١٧و قوله: إنّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتا يقول تعالى ذكره: إن يوم يفصل اللّه فيه بين خلقه، فيأخذ فيه من بعضهم لبعض، كان ميقاتا لما أنفذ اللّه لهؤلاء المكذّبين بالبعث، ولضربائهم من الخلق. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٥٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتا وهو يوم عظّمه اللّه ، يفصِل اللّه فيه بين الأوّلين والاَخرين بأعمالهم. ١٨و قوله: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصّورِ تَرْجَم بيوم ينفخ، عن يوم الفصل، فكأنه قيل: يوم الفصل كان أجلاً لما وعدنا هؤلاء القوم، يوم ينفخ في الصور. وقد بيّنت معنى الصور فيما مضى قبل، وذكرت اختلاف أهل التأويل فيه، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع، وهو قَرْن يُنْفَخ فيه عندنا، كما: ٢٧٨٦٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن سليمان التيميّ، عن أسلم، عن بشر بن شغاف، عن عبد اللّه بن عمرو، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال: (الصّور: قَرْن) . ٢٧٨٦١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصّورِ والصّور: الخَلْق. و قوله: فَتأْتُونَ أفْوَاجا يقول: فيجيئون زمرا زمرا، وجماعة جماعة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٦٢ـ حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: أفْوَاجا قال: زُمَرا زُمَرا. وإنما قيل: فَتأْتُونَ أفْوَاجا لأن كلّ أمة أرسل اللّه إليها رسولاً تأتي مع الذي أرسل إليها، كما قال: يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أُناسٍ بإمامِهِمْ. ١٩و قوله: وَفُتِحَتِ السّماءُ فَكانَتْ أبْوَابا يقول تعالى ذكره: وشققت السماء فصدّعت، فكانت طُرُقا، وكانت من قبل شِدادا لا فُطُور فيها ولا صدوع. و قيل: معنى ذلك: وفُتحت السماء فكانت قِطعا كقطع الخشب المشقّقة لأبواب الدور والمساكن. قالوا: ومعنى الكلام: وفُتحت السماء فكانت قِطعا كالأبواب، فلما أسقطت الكاف صارت الأبواب الخبر، كما يقال في الكلام: كان عبد اللّه أسدا، يعني : كالأسد. ٢٠و قوله: وَسُيّرَتِ الجِبالُ فَكانَتْ سَرَابا يقول: ونُسفت الجبال فاجْتُثت من أصولها، فصيرت هباء منبثا، لعين الناظر، كالسراب الذي يظنّ من يراه من بُعد ماء، وهو في الحقيقة هبَاء. ٢١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّ جَهَنّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً }. يعني تعالى ذكره ب قوله: إن جهنم كانت ذات رَصْد لأهلها، الذين كانوا يكذّبون في الدنيا بها، وبالمعاد إلى اللّه في الاَخرة، ولغيرهم من المصدّقين بها. ومعنى الكلام: إن جهنم كانت ذات ارتقاب، ترقب من يجتازها وترصُدهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٦٣ـ حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، عن عبد اللّه بن بكر بن عبد اللّه المازنيّ، قال: كان الحسن إذا تلا هذه الاَية: إنّ جَهَنّمَ كانَتْ مرْصَادا قال: ألا إنّ على الباب الرّصَد، فمن جاء بجواز جاز، ومن لم يجىء بجواز احتبس. ٢٧٨٦٤ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا إسماعيل بن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله إنّ جَهَنّمَ كانَتْ مِرْصَادا قال: لا يدخل الجنة أحد حتى يجتاز النار. ٢٧٨٦٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّ جَهَنّمَ كانَتْ مِرْصَادا يُعْلِمُنا أنه لا سبيل إلى الجنة حتى يَقطَع النار. ٢٧٨٦٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان إنّ جَهَنّمَ كانَتْ مِرْصَادا قال: عليها ثلاث قناطر. ٢٢و قوله: للطّاغِينَ مآبا يقول تعالى ذكره: إن جهنم للذين طَغَوا في الدنيا، فتجاوزوا حدود اللّه ، استكبارا على ربهم، كانت منزلاً ومرجعا يرجعون إليه، ومصيرا يصيرون إليه يسكنونه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٦٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة للطّاغِينَ مآبا: أي منزلاً ومأوًى. ٢٧٨٦٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران عن سفيان مآبا يقول: مرجعا ومنزلاً. ٢٣و قوله: لابِثِينَ فِيها أحْقابا يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الطاغين في الدنيا لابثون في جهنم، فماكثون فيها أحقابا. واختلفت القرّاء في قراءة قوله: لابِثِينَ، فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض قرّاء الكوفة: لابِثِينَ بالألف. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: (لَبِثِينَ) بغير ألف وأفصح القراءتين وأصحهما مخرجا في العربية، قراءة من قرأ ذلك بالألف وذلك أن العرب لا تكاد توقع الصفة إذا جاءت على فَعيل، فتعملها في شيء، وتنصبه بها، لا يكادون أن يقولوا: هذا رجل بَخِل بماله، ولا عَسِر علينا، ولا هو خَصِم لنا، لأن فَعِل لا يأتي صفة إلاّ مدحا أو ذما، فلا يعمل المدح والذمّ في غيره، وإذا أرادوا إعمال ذلك في الاسم أو غيره جعلوه فاعلاً، فقالوا: هو باخل بماله، وهو طامع فيما عندنا، فلذلك قلت: إن لابِثِينَ أصحّ مخرجا في العربية وأفصح، ولم أُحِلّ قراءة من قرأ: (لَبِثِينَ) وإن كان غيرُها أفصح، لأن العرب ربما أعملت المدح في الأسماء، وقد يُنشد بيت لبيد: أوْ مِسْحَلٌ عَمِلٌ عِضَادَةَ سَمْحَجٍبِسَرَاتِها نَدَبٌ لَهُ وكُلُومُ فأعمل (عَمِلٌ) في عِضادة، ولو كانت عاملاً كانت أفصح، ويُنشد أيضا: وبالفأسِ ضَرّابٌ رُؤُوسَ الكَرَانِفِ ومنه قول عباس بن مِرداس: أكَرّ وأحْمَى لِلْحَقِيقَةِ مِنْهُمُوأضْرَبَ مِنّا بالسّيُوفِ الْقَوَانِسا وأما الأحقاب فجمع حُقْب، والحِقَب: جمع حِقْبة، كما قال الشاعر: عِشْنا كَنَدْمانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةًمِنَ الدّهْرِ حتى قيلَ لَنْ نَتَصَدّعا فهذه جمعها حِقَب، ومن الأحقاب التي جمعها حُقُب قول اللّه : أوْ أمْضِيَ حُقُبا فهذا واحد الأحقاب. وقد اختلف أهل التأويل في مبلغ مدة الحُقُب، فقال بعضهم: مدة ثلاث مئة سنة. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٦٩ـ حدثنا عمران بن موسى القزاز، قال: حدثنا عبد الوارث بن سعيد، قال: حدثنا إسحاق بن سُويد، عن بشير بن كعب، في قوله: لابِثِينَ فِيها أحْقابا قال: بلغني أن الحُقُب ثلاث مئة سنة، كلّ سنة ثلاث مئة وستون يوما، كل يوم ألف سنة. وقال آخرون: بل مدة الحُقْب الواحد: ثمانون سنة. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٧٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، قال: ثني عمار الدّهْنيّ، عن سالم بن أبي الجعد، قال: قال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه لهلال الهجَرِيّ: ما تجدون الحُقُب في كتاب اللّه المنزل؟ قال: نجده ثمانين سنة كل سنة اثنا عشر شهرا، كل شهر ثلاثون يوما، كل يوم ألف سنة. ٢٧٨٧١ـ حدثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريك، عن عاصم بن أبي النّجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: أنه قال: الحُقُب: ثمانون سنة، والسنة: ستون وثلاث مئة يوم، واليوم: ألف سنة. ٢٧٨٧٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي سنان، عن ابن عباس ، قال: الحُقْب: ثمانون سنة. ٢٧٨٧٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا الأعمش، عن سعيد، بن جُبير، في قوله: لابِثِينَ فِيها أحْقابا قال: الحقب: ثمانون سنة، السنة: ثلاث مئة وستون يوما، اليوم: سنة أو ألف سنة (الطبري يشكّ) . ٢٧٨٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال اللّه : لابِثِينَ فِيها أحْقابا وهو ما لا انقطاع له، كلما مضى حُقُبٌ جاء حُقُب بعده. وذُكر لنا أن الحُقُبَ ثمانون سنة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: أحْقابا قال: بلغنا أن الحُقب ثمانون سنة من سِني الاَخرة. ٢٧٨٧٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس لابِثِينَ فِيها أحْقابا لا يعلم عدّة هذه الأحقاب إلاّ اللّه ، ولكن الحُقُبَ الواحد: ثمانون سنة، والسنة: ثلاث مئة وستون يوما، كلّ يوم من ذلك ألف سنة. وقال آخرون: الحُقُب الواحد: سبعون ألف سنة. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٧٦ـ حدثني ابن عبد الرحيم البرقي، قال: ثني عمرو بن أبي سلمة، عن زهير، عن سالم، قال: سمعت الحسن يُسْألُ عن قول اللّه : لابِثِينَ فِيها أحْقابا قال: أما الأحقاب فليس لها عدّة إلاّ الخلود في النار ولكن ذكروا أن الحُقُب الواحد سبعون ألف سنة، كلّ يوم من تلك الأيام السبعين ألفا، كألف سنة مما تَعُدّون. ٢٧٨٧٧ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد الاَمُلِيّ، قال: حدثنا أبو أُسامة، عن هشام، عن الحسن، في قوله: لابِثِينَ فِيها أحْقابا قال: أما الأحقاب، فلا يَدرِي أحد ما هي، وأما الحُقُب الواحد: فسبعون ألف سنة، كلّ يوم كألف سنة. ورُوي عن خالد بن معدان في هذه الاَية، أنها في أهل القِبلة. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٧٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عامر بن جشب، عن خالد بن معدان في قوله: لابِثِينَ فِيها أحْقابا، و قوله: إلا ما شاءَ رَبّكَ إنهما في أهل التوحيد من أهل القبلة. فإن قال قائل: فما أنت قائل في هذا الحديث؟ قيل: الذي قاله قتادة عن الربيع بن أنس في ذلك أصحّ. فإن قال: فما للكفار عند اللّه عذابٌ إلاّ أحقابا قيل: إن الربيع وقتادة قد قالا: إن هذه الأحقاب لا انقضاء لها ولا انقطاع. وقد يحتمل أن يكون معنى ذلك: لابثين فيها أحقابا، في هذا النوع من العذاب، هو أنهم: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدا وَلا شَرَابا إلاّ حَمِيما وغَسّاقا فإذا انقضت تلك الأحقاب، صار لهم من العذاب أنواع غير ذلك، كما قال جل ثناؤه في كتابه: وَإنّ للطّاغِينَ لَشَرّ مآبٍ جَهَنّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ المِهادُ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَميمٌ وغَسّاقٌ وآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أزْوَاجٌ وهذا القول عندي أشبه بمعنى الاَية. وقد رُوي عن مقاتل بن حيان في ذلك ما: ٢٧٨٧٩ـ حدثني محمد بن عبد الرحيم البرقيّ، قال: حدثنا عمرو بن أبي سَلَمة، قال: سألت أبا معاذ الخراسانيّ، عن قول اللّه : لابِثِينَ فِيها أحْقابا فأخبرنا عن مقاتل بن حيَان، قال: منسوخة، نسختها: فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إلاّ عَذَابا ولا معنى لهذا القول، لأن قوله: لابِثِينَ فِيها أحْقابا خبر، والأخبار لا يكون فيها نسخ، وإنما النسخ يكون في الأمر والنهي. ٢٤و قوله: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدا وَلا شَرَابا يقول: لا يَطْعَمون فيها بردا يُبَرّد حرّ السعير عنهم، إلاّ الغساق، ولا شرابا يَرْوِيهم من شدّة العطش الذي بهم، إلاّ الحميم. وقد زعم بعض أهل العلم بكلام العرب أن البرد في هذا الموضع النوم، وأن معنى الكلام: لا يذوقون فيها نوما ولا شرابا، واستشهد لقيله ذلك بقول الكنديّ: بَرَدَتْ مَرَاشِفُها عَليّ فَصَدّنيعَنْها وَعَنْ قُبُلاتِها البَرْدُ يعني بالبرد: النّعاس والنوم إن كان يُبرد غليلَ العَطَش، فقيل له من أجل ذلك البرد، فليس هو باسمه المعروف، وتأويل كتاب اللّه على الأغلب من معروف كلام العرب، دون غيره. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٨٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْدا وَلا شَرَابا إلاّ حَمِيما وَغَسّاقا فاستثنى من الشراب الحميم، ومن البَرْد: الغَسّاق. و قوله: إلاّ حَمِيما وغَسّاقا يقول تعالى ذكره: لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلاّ حميما قد أغلي حتى انتهى حرّه، فهو كالمُهْل يَشْوِي الوجوه، ولا برد إلاّ غَسّاقا. واختلف أهل التأويل في معنى الغَسّاق، فقال بعضهم: هو ما سال من صديد أهل جهنم. ذكر من قال ذلك: ٢٥٢٧٨٨١ـ حدثنا أبو كريب ومحمد بن المثنى، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية بن سعد، في قوله: إلاّ حَمِيما وَغَسّاقا قال: هو الذي يَسيل من جلودهم. ٢٧٨٨٢ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، قال: حدثنا أبو عمرو، قال: زعم عكرِمة أنه حدثهم في قوله: وَغَسّاقا قال: ما يخرج من أبصارهم من القيح والدم. ٢٧٨٨٣ـ حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: حدثنا عبد الرحمن قال: حدثنا سفيان، عن منصور عن إبراهيم وأبي رَزِين إلاّ حَمِيما وَغَسّاقا قالا: غُسالة أهل النار لفظ ابن بشار وأما ابن المثنى فقال في حديثه: ما يسيل من صديدهم. وحدثنا ابن بشار مرّة أخرى عن عبد الرحمن، فقال كما قال ابن المثنى. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رَزين وَغَسّاقا قال: ما يَسِيل من صديدهم. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور وأبي رَزِين، عن إبراهيم مثله. ٢٧٨٨٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: غَسّاقا كنا نحدّث أن الغَسّاق: ما يسيل من بين جلده ولحمه. ٢٧٨٨٥ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا الضحاك بن مخلد، عن سفيان، أنه قال: بلغني أنه ما يسيل من دموعهم. ٢٧٨٨٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم وَغَسّاقا قال: ما يسيل من صديدهم من البرد، قال سفيان وقال غيره: الدموع. ٢٧٨٨٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إلاّ حَمِيما وغَسّاقا قال: الحميم: دموع أعينهم في النار، يجتمع في خنادق النار فيُسْقَونه، والغساق: الصديد الذي يخرج من جلودهم، مما تصهرهم النار في حياض يجتمع فيها فيسقونه. ٢٧٨٨٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم إلاّ حَمِيما وَغَسّاقا قال: الغساق: ما يقطر من جلودهم، وما يسيل من نتنهم. وقال آخرون: الغساق: الزمهرير. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٨٩ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس إلاّ حَمِيما وَغَسّاقا يقول: الزمهرير. ٢٧٨٩٠ـ حدثنا أبو كريب وأبو السائب وابن المثنى، قالوا: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثا، عن مجاهد، في قوله: إلاّ حَمِيما وَغَسّاقا قال: الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من برده. قال: ثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد إلاّ حَمِيما وَغَسّاقا قال: الذي لا يستطيعونه من برده. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد: الغساق: الذي لا يستطاع من برده. ٢٧٨٩١ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع قال: الغساق: الزمهرير. ٢٧٨٩٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: الغساق: الزمهرير. وقال آخرون: هو المُنْتِن، وهو بالطّخارية. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٩٣ـ حُدثت عن المسيب بن شريك، عن صالح بن حيان، عن عبد اللّه بن بُرَيدة، قال: الغساق: بالطّخارية: هو المنتن. والغساق عندي: هو الفعال، من قولهم: غَسَقت عين فلان: إذا سالت دموعها، وغَسَق الجرح: إذا سال صديده، ومنه قول اللّه : وَمِنْ شَرّ غاسِقٍ إذَا وَقَبَ يعني بالغاسق: الليل إذا لَبِس الأشياء وغطاها وإنما أريد بذلك هجومه على الأشياء، هجوم السيل السائل فإذا كان الغسّاق هو ما وصفت من الشيء السائل، فالواجب أن يقال: الذي وعد اللّه هؤلاء القوم، وأخبر أنهم يذوقونه في الاَخرة من الشراب، هو السائل من الزمهرير في جهنم، الجامع مع شدّة برده النتن، كما: ٢٧٨٩٤ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا يعمر بن بشر، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: حدثنا رشدين بن سعد، قال: حدثنا عمرو بن الحرث، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخُدْرِيّ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قال: (لَوْ أن دَلْوا مِنْ غَسّاقٍ يُهْرَاقُ إلى الدّنْيا، لأَنْتَنَ أهْلَ الدّنْيا) . ٢٧٨٩٥ـ حُدثت عن محمد بن حرب، قال: حدثنا ابن لَهِيعة، عن أبي قبيل، عن أبي مالك، عن عبد اللّه بن عمرو، أنه قال: (أتدرون أيّ شيء الغسّاق؟ قالوا: اللّه أعلم، قال: هو القيح الغليظ، لو أن قطرة منه تهراق بالمغرب، لأنتن أهل المشرق، ولو تهراق بالمشرق، لأنتن أهل المغرب) . فإن قال قائل: فإنك قد قلت: إن الغَسّاق: هو الزمهرير، والزمهرير: هو غاية البرد، فكيف يكون الزمهرير سائلاً؟ قيل: إن البرد الذي لا يُستطاع ولا يُطاق، يكون في صفة السائل من أجساد القوم من القيح والصديد. ٢٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {جَزَآءً وِفَاقاً}. يقول تعالى ذكره: هذا العقاب الذي عُوقِب به هؤلاء الكفار في الاَخرة، فعلَه بهم ربهم جزاء، يعني : ثوابا لهم على أفعالهم وأقوالهم الرديئة التي كانوا يعملونها في الدنيا، وهو مصدر من قول القائل: وافق هذا العقاب هذا العلم وِفاقا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٨٩٦ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: جَزَاءً وِفاقا يقول: وافق أعمالهم. ٢٧٨٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: جَزَاءً وِفاقا وافق الجزاء أعمال القوم أعمال السوء. ٢٧٨٩٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع جَزَاءً وِفاقا قال: بحسب أعمالهم. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، قال: حدثنا حكام، عن أبي جعفر، عن الربيع، في قوله: جَزَاءً وِفاقا قال: ثواب وافَق أعمالهم. ٢٧٨٩٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: جَزَاءً وِفاقا قال: عملوا شرّا، فجزوا شرّا، وعملوا حسنا، فجزوا حسنا، ثم قرأ قول اللّه : ثُمّ كانَ عاقِبَةَ الّذِينَ أساءُوا السّوأى. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: جَزَاءً وِفاقا قال: جزاء وافق أعمال القوم. ٢٧٩٠٠ـ حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد جَزَاءً وِفاقا قال: وافق الجزاء العمل. ٢٧و قوله: إنّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِسابا يقول تعالى ذكره: إن هؤلاء الكفار كانوا في الدنيا لا يخافون محاسبة اللّه إياهم في الاَخرة على نعمه عليهم، وإحسانه إليهم، وسوء شكرهم له على ذلك. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٠١ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لا يَرْجُونَ حِسابا قال: لا يبالون فيصدّقون بالغيب. ٢٧٩٠٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: إنّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِسابا أي لا يخافون حسابا. ٢٧٩٠٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: إنّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِسابا قال: لا يؤمنون بالبعث ولا بالحساب، وكيف يرجو الحساب من لا يُوقن أنه يحيا، ولا يوقن بالبعث وقرأ قول اللّه : بَلْ قالُوا مِثْلَ ما قالَ الأوّلُونَ قالُوا أئِذَا مِتْنا وكُنّا تُرَابا... إلى قوله أساطِيرُ الأوّلِينَ، وقرأ: هَلْ نَدُلّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبّئُكُمْ إذَا مُزّقْتُمْ كُلّ مُمَزّق... إلى قوله جَدِيدٍ فقال بعضهم لبعض: ماله أفْترَى عَلى اللّه كَذِبا أمْ بِه جِنّةٌ الرجل مجنون حين يخبرنا بهذا. ٢٨و قوله: وكَذّبُوا بآياتِنا كِذّابا يقول تعالى ذكره: وكذّب هؤلاء الكفار بحُجَجِنا وأدلتنا تكذيبا. و قيل: كِذّابا، ولم يقل تكذيبا، تصديرا على فعله. وكان بعض نحويّي البصرة يقول: قيل ذلك لأن فعل منه على أربعة، فأراد أن يجعله مثل باب أفعلت، ومصدر أفعلت إفعالاً، فقال: كذّابا، فجعله على عدد مصدره، قال: وعلى هذا القياس تقول: قاتل قتالاً، قال: وهو من كلام العرب. وقال بعض نحويّي الكوفة: هذه لغة يمانية فصيحة، يقولون: كذّبت به كذّابا، وخَرّقت القميص خِرّاقا، وكلّ فَعّلْت، فمصدرها فِعّال بلغتهم مشدّدة. قال: وقال لي أعرابي مرّة على المروة يستفتيني: ألحلق أحبّ إليك أم القِصّار؟ قال: وأنشدني بعض بني كلاب: لَقَدْ طالَ ما ثَبّطَتْنِي عَنْ صَحَابَتِيوَعَنْ حِوَجٍ قِضّاؤُها مِنْ شَفائِيَا وأجمعت القرّاء على تشديد الذال من الكِذّاب في هذا الموضع. وكان الكسائي خاصة يخفّف الثانية، وذلك في قوله: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوا وَلا كِذّابا ويقول: وهو من قولهم: كاذبته كِذّابا ومكاذبة، ويشدّد هذه، ويقول قوله كَذّبوا يقيد الكِذّاب بالمصدر. ٢٩و قوله: وكُلّ شَيْءٍ أحْصَيْناه كِتابا يقول تعالى ذكره: وكلّ شيء أحصيناه فكتبناه كتابا، كتبنا عدده ومبلغه وقدره، فلا يغرُب عنا علم شيء منه ونصب كتابا، لأن في قوله: أحْصَيْناهُ مصدر أثبتناه وكتبناه، كأنه قيل: وكلّ شيء كتبناه كتابا. ٣٠و قوله: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إلاّ عَذَابا يقول جلّ ثناؤه: يقال هؤلاء الكفار في جهنم إذا شربوا الحميم والغَسّاق: ذوقوا أيها القوم من عذاب اللّه الذي كنتم به في الدنيا تكذّبون، فلن نزيدكم إلاّ عذابا على العذاب الذي أنتم فيه لا تخفيفا منه، ولا ترفّها. وقد: ٢٧٩٠٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن سعيد، عن قتادة ، عن أبي أيوب الأزديّ، عن عبد اللّه بن عمرو، قال: لم تنزل على أهل النار آية أشدّ من هذه: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إلاّ عَذَابا قال: فهم في مزيد من العذاب أبدا. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَذُوقُوا فلَنْ نَزِيدَكُمْ إلاّ عَذَابا: ذُكر لنا أن عبد اللّه بن عمرو كان يقول: ما نزلت على أهل النار آية أشدّ منها فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُم إلاّ عَذابا فهم في مزيد من اللّه أبدا. ٣١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّ لِلْمُتّقِينَ مَفَازاً }. يقول: إن للمتقين مَنجًى من النار إلى الجنة، ومخلصا منهم لهم إليها، وظفرا بما طلبوا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٠٥ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد إنّ لِلْمُتّقِينَ مَفازا قال: فازوا بأن نَجَوا من النار. ٢٧٩٠٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة إنّ لِلْمُتقِينَ مَفازا: إي واللّه مفازا من النار إلى الجنة، ومن عذاب اللّه إلى رحمته. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: إنّ لِلْمُتّقِينَ مَفازا قال: مفازا من النار إلى الجنة. ٢٧٩٠٧ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: إنّ لِلْمُتّقِينَ مَفازا يقول: مُنْتَزها. ٣٢و قوله: حَدَائِقَ والحدائق: ترجمة وبيان عن المفاز، وجاز أن يترجم بها عنه، لأن المفاز مصدر من قول القائل: فاز فلان بهذا الشيء: إذا طلبه فظفر به، فكأنه قيل: إن للمتقين ظفرا بما طلبوا من حدائق وأعناب والحدائق: جمع حديقة، وهي البساتين من النخل والأعناب والأشجار المُحَوّط عليها الحيطان المحدقة بها، لإحداق الحيطان بها تسمى الحديقة، فإن لم تكن الحيطان بها محدقة، لم يُقُل لها حديقة، وإحداقها بها: اشتمالها عليها. و قوله: وأعْنابا يعني : وكرومٍ أعناب، واستغنى بذكر الأعناب عن ذكر الكروم. ٣٣و قوله: وكَوَاعِبَ أتْرَابا يقول: ونواهد في سنّ واحدة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٠٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ عن ابن عباس ، قوله: وكَوَاعِبَ يقول: ونواهد. و قوله: أتْرَابا يقول: مُسْتَوِيات. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله وكَوَاعِبَ أتْرَابا يعني : النساء المستويات. ٢٧٩٠٩ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: وكَوَاعِبَ أتْرَابا قال: نواهد أترابا، يقول: لسنَ واحدة. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، ثم وصف ما في الجنة قال: حَدَائقَ وأعْنابا وكَوَاعِبَ أتْرَابا يعني بذلك النساء، أترابا: لسنَ واحدة. ٢٧٩١٠ـ حدثني عباس بن محمد، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جرَيج، قال: الكواعب: النواهد. ٢٧٩١١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: وكَوَاعِبَ أتْرَابا قال: الكواعب: التي قد نهدت وكَعّب ثديها، وقال: أترابا: مستويات، فلانة تربة فلانة، قال: الأتراب: اللّدات. ٢٧٩١٢ـ حدثنا نصر بن عليّ، قال: حدثنا يحيى بن سليمان، عن ابن جريج، عن مجاهد وكَوَاعِبَ أتْرَابا لِدَات. ٣٤و قوله: وكأْسا دِهاقا يقول: وكأسا ملأى متتابعة على شاربيها بكثرة وامتلاء وأصله من الدّهْق: وهو متابعة الضغط على الإنسان بشدّة وعنف، وكذلك الكأس الدهاق: متابعتها على شاربيها بكثرة وامتلاء. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩١٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا مروان، قال: حدثنا أبو يزيد يحيى بن ميسرة، عن مسلم بن نَسْطاس، قال: قال ابن عباس لغلامه: اسقني دِهاقا، قال: فجاء بها الغلام ملأى، فقال ابن عباس : هذا الدّهاق. حدثني محمد بن عبيد المحاربي، قال: حدثنا موسى بن عمير، عن أبي صالح، عن ابن عباس ، قوله: كأْسا دِهاقا قال: ملأى. ٢٧٩١٤ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أخبرني سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت ابن عباس يُسئل عن كأُسا دِهاقا قال: داركا، قال يونس، قال ابن وهب: الذي يَتْبع بعضهُ بعضا. حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وكأُسا دِهاقا يقول: ممتلئا. ٢٧٩١٥ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، قال: حدثنا حميد الطويل، عن ثابت البُنَانيّ، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، في قوله: كأُسا دِهاقا قال: دمادم. ٢٧٩١٦ـ قال: ثنا ابن علية، قال: حدثنا أبو رجاء، عن الحسن، في قوله: وكأْسا دِهاقا قال: مَلأى. حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن يونس، عن الحسن وكأْسا دِهاقا قال: المَلأَى. ٢٧٩١٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد وكأْسا دِهاقا قال: مَلأَى. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا أبي عديّ، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن مجاهد، مثله. ٢٧٩١٨ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية، عن سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة ، في قوله: وكأْسا دِهاقا قال: مُتْرَعةَ مْلأَى. حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وكأْسا دِهاقا قال: الدهاق: المَلأَى المُتْرَعة. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، في قوله: كأْسا دِهاقا قال: الدهاق: الممتلئة. ٢٧٩١٩ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كأْسا دِهاقا قال: الدّهاق المملوءة. وقال آخرون: الدّهاق: الصافية. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٢٠ـ حدثنا محمد بن يحيى الأزديّ وعباس بن محمد، قالا: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، قال: حدثنا عمر بن عطاء، عن عكرِمة، في قوله: وكأْسا دِهاقا قال: صافية. وقال آخرون: بل هي المتتابعة. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٢١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، قال: قال سعيد بن جُبير في قوله: وكأْسا دِهاقا دهاقا: المتتابعة. ٢٧٩٢٢ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وكأْسا دِهاقا قال: المتتابع. ٢٧٩٢٣ـ حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: حدثنا جرير، عن حصين، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، في قوله: وكأْسا دِهاقا قال: الملأَى المتتابعة. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله: وكأْسا دِهاقا قال: المتتابعة. ٣٥و قوله: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوا وَلا كِذّابا يقول تعالى ذكره: لا يسمعون في الجنة لغوا، يعني باطلاً من القول، ولا كذّابا، يقول: ولا مكاذبة، أي لا يكذب بعضهم بعضا. وقرأت القرّاء في الأمصار بتشديد الذال على ما بيّنت في قوله: وكَذّبُوا بآياتِنا كِذّابا سوى الكسائي فإنه خفّفها لما وصفت قبل، والتشديد أحبّ إليّ من التخفيف، وبالتشديد القراءة، ولا أرى قراءة ذلك بالتخفيف لإجماع الحجة من القرّاء على خلافه ومن التخفيف قول الأعشى: فَصَدَقْتُها وكَذَبْتُهاوالمَرْءُ يَنْفَعُهُ كِذَابُهْ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٢٤ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة لَغْوا وَلا كَذّابا قال: باطلاً وإثما. ٢٧٩٢٥ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوا وَلا كِذّابا قال: وهي كذلك ليس فيها لغوٌ ولا كذّابٌ. ٣٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {جَزَآءً مّن رّبّكَ عَطَآءً حِسَاباً}. يعني بقوله جلّ ثناؤه: جَزَاءً مِنْ رَبكَ عَطاءً أعطى اللّه هؤلاء المتقين ما وصف في هذه الاَيات ثوابا من ربك بأعمالهم، على طاعتهم إياه في الدنيا. و قوله: عَطاءً يقول: تفضلاً من اللّه عليهم بذلك الجزاء، وذلك أنه جزاهم بالواحد عشرا في بعض، وفي بعض بالواحد سبع مِئَة، فهذه الزيادة وإن كانت جزاء فعطاء من اللّه . و قوله: حِسابا يقول: محاسبة لهم بأعمالهم للّه في الدنيا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٢٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: جَزَاءً مِنْ رَبّكَ عَطاءً حسِابا قال: عطاء منه حسابا لما عملوا. ٢٧٩٢٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة جَزَاءً مِنْ رَبّكَ عَطاءً حِسابا: أي عطاء كثيرا، فجزاهم بالعمل اليسير، الخير الجسيم، الذي لا انقطاع له. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن مَعْمر، عن قتادة ، في قوله: عَطاءً حِسابا قال: عطاء كثيرا وقال مجاهد: عطاء من اللّه حسابا بأعمالهم. ٢٧٩٢٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول في قول اللّه : جَزَاءً مِنْ رَبّكَ عَطاءً حسابا فقرأ: إنّ لِلْمُتّقِينَ مَفازا حَدَائِقَ وأعْنابا وكَوَاعِبَ أتْرَابا... إلى عَطاءً حسابا قال: فهذه جزاء بأعمالهم عطاء الذي أعطاهم، عملوا له واحدة، فجزاهم عشرا، وقرأ قول اللّه : مَنْ جاءَ بالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثالِهَا، وقرأ قول اللّه : مَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّه كَمَثَلِ حَبّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبّةٍ وَاللّه يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ قال: يزيد من يشاء، كان هذا كله عطاء، ولم يكن أعمالاً يحسبه لهم، فجزاهم به حتى كأنهم عملوا له، قال: ولم يعملوا إنما عملوا عشرا، فأعطاهم مئة، وعملوا مئة، فأعطاهم ألفا، هذا كله عطاء، والعمل الأوّل، ثم حَسَب ذلك حتى كأنهم عملوا، فجزاهم كما جزاهم بالذي عملوا. ٣٧و قوله: رَبّ السّمَواتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما الرّحْمَنِ يقول جلّ ثناؤه: جزاء من ربك ربّ السموات السبع والأرض وما بينهما من الخلق. واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة: (رَبّ السّمَوَاتِ والأرْضِ وَما بَيْنَهُما الرّحْمَنُ) بالرفع في كليهما. وقرأ ذلك بعضُ أهل البصرة وبعضُ الكوفيين: رَبّ خفضا (والرّحْمَنُ) رفعا ولكلّ ذلك عندنا وجه صحيح، فبأيّ ذلك قرأ القارىء فمصيب، غير أن الخفض في الربّ، لقربه من قوله جَزَاءً مِنْ رَبّكَ: أعجب إليّ، وأما الرّحْمَنُ بالرفع، فإنه أحسن، لبعده من ذلك. و قوله: الرّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطابا يقول تعالى ذكره: الرحمن لا يقدر أحد من خلقه خطابه يوم القيامة، إلا من أذن له منهم، وقال صوابا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٢٩ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خطابا قال: كلاما. ٢٧٩٣٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: لا يَمْلِكُونَ مِنْه خِطابا: أي كلاما. ٢٧٩٣١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطابا قال: لا يملكون أن يخاطبوا اللّه ، والمخاطِب: المخاصم الذي يخاصم صاحبه. ٣٨و قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ اختلف أهل العلم في معنى الروح في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو مَلك من أعظم الملائكة خَلْقا. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٣٢ـ حدثني محمد بن خلف العَسْقَلانيّ، قال: حدثنا روّاد بن الجرّاح، عن أبي حمزة، عن الشعبيّ، عن علقمة، عن ابن مسعود، قال: الرّوح ملك في السماء الرابعة، هو أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة، يسبح اللّه كلّ يوم اثني عشر ألف تسبيحة، يخلق اللّه من كلّ تسبيحة مَلَكا من الملائكة، يجيء يوم القيامة صفّا وحده. ٢٧٩٣٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ والمَلائِكَةُ قال: هو ملك أعظم الملائكة خَلْقا. وقال آخرون: هو جبريل عليه السلام. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٣٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي سنان، عن ثابت، عن الضحاك يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ قال جبريل عليه السلام. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن الضحاك يَوْمَ يَقُومُ الرّوح قال: الروح: جبريل عليه السلام. ٢٧٩٣٥ـ حدثنا محمد بن خَلَف العَسْقَلانيّ، قال: حدثنا روّاد بن الجرّاح، عن أبي حمزة عن الشعبيّ يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ قال: الروح جبريل عليه السلام. وقال آخرون: خَلْق من خلق اللّه في صورة بني آدم. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٣٦ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال الرّوحُ خَلْقٌ على صورة بني آدم، يأكلون ويشربون. ٢٧٩٣٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن مسلم، عن مجاهد، قال الرّوح: خلق لهم أيد وأرجل وأراه قال: ورؤوس يأكلون الطعام، ليسوا ملائكة. ٢٧٩٣٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح، قال: يشبهون الناس، وليسوا بالناس. حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن سليمان، عن مجاهد، قال الرّوحُ: خَلْق كخلق آدم. ٢٧٩٣٩ـ حدثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، في قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفّا قال: الروح خلق من خلق اللّه يُضْعِفون على الملائكة أضعافا، لهم أيد وأرجل. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا معتمر بن سليمان، عن إسماعيل، عن أبي صالح مولى أم هانىء يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ قال: الروح: خلق كالناس، وليسوا بالناس. وقال آخرون: هم بنو آدم. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة يَوْمَ يَقُومُ الرّوح قال: هم بنو آدم، وهو قول الحسن. ٢٧٩٤١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن، في قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ: قال: الروح بنو آدم. وقال قتادة : هذا مما كان يكتمه ابن عباس . وقال آخرون: قيل: ذلك أرواح بني آدم. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٤٢ـ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ، قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفّا لا يَتَكَلّمُونَ قال: يعني حين تقوم أرواح الناس مع الملائكة، فيما بين النفختين، قبل أن تردّ الأرواح إلى الأجساد. وقال آخرون: هو القرآن. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٤٣ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، كان أبي يقول: الروح: القرآن، وقرأ وكَذَلِكَ أَوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحا مِنْ أمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي ما الْكِتابُ وَلا الإيمَانُ. والصواب من القول أن يقال: إن اللّه تعالى ذكره أخبر أنّ خَلْقه لا يملكون منه خطابا، يوم يقوم الرّوح، والرّوح: خَلْق من خلقه. وجائز أن يكون بعض هذه الأشياء التي ذكرت، واللّه أعلم أيّ ذلك هو؟ ولا خبر بشيء من ذلك أنه المعنيّ به دون غيره، يجب التسليم له، ولا حجة تدلّ عليه، وغير ضائر الجهل به. و قيل: إنه يقول: سِمَاطان. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٤٤ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، قال: أخبرنا منصور بن عبد الرحمن، عن الشعبيّ، في قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالمَلائِكَةُ صَفّا لا يَتَكَلّمُونَ إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ قال: هما سِماطان لربّ العالمين، يوم القيامة: سِماط من الروح، وسِماط من الملائكة. و قوله: لا يَتَكَلّمُونَ إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ قيل: إنهم يُؤْذَن لهم في الكلام، حين يُؤْمَر بأهل النار إلى النار، وبأهل الجنة إلى الجنة. ٢٧٩٤٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: حدثنا أبو عمرو، الذي يقصّ في طيء عن عكرمة، وقرأ هذه الاَية: إلا مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ وَقالَ صَوَابا قال: يمرّ بأناس من أهل النار على ملائكة، فيقولون: أين تذهبون بهؤلاء؟ فيقال: إلى النار، فيقولون: بما كَسَبت أيديهم، وما ظلمهم اللّه ، ويمرّ بأناس من أهل الجنة على ملائكة، فيقال: أين تذهبون بهؤلاء؟ فيقولون: إلى الجنة، فيقولون: برحمة اللّه دخلتم الجنة، قال: فيُؤذَن لهم في الكلام، أو نحو ذلك. وقال آخرون: إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحمنُ بالتوحيد وَقالَ صَوَابا في الدنيا، فوحّد اللّه . ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٤٦ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ وَقالَ صَوَابا يقول: إلا من أذن له الربّ بشهادة أن لا إله إلا اللّه ، وهي منتهى الصواب. ٢٧٩٤٧ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وَقالَ صَوَابا قال حقا في الدنيا، وعمل به. ٢٧٩٤٨ـ حدثنا عمرو بن عليّ، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا إسماعيل، عن أبي صالح في قوله: إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ، وَقالَ صَوَابا قال: لا إله إلا اللّه . قال أبو حفص: فحدثت به يحيى بن سعيد، فقال: أنا كتبته عن عبد الرحمن بن مهديّ، عن أبي معاوية. ٢٧٩٤٩ـ حدثني سعد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: حدثنا حفص بن عمر العَدَنيّ، قال: حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرِمة في قوله: إلاّ مَنْ أذِنَ لَهُ الرّحْمَنُ وَقالَ صَوَابا قال: لا إله إلا اللّه . والصواب من القول في ذلك: أن يقال: إن اللّه تعالى ذكره أخبر عن خلقه أنهم لا يتكلمون يوم يقوم الروح والملائكة صفا، إلا من أذن له منهم في الكلام الرحمن، وقال صوابا، فالواجب أن يقال كما أخبر إذ لم يخبرنا في كتابه، ولا على لسان رسوله، أنه عَنَى بذلك نوعا من أنواع الصواب، والظاهر محتمل جميعه. ٣٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقّ فَمَن شَآءَ اتّخَذَ إِلَىَ رَبّهِ مَآباً }. يقول تعالى ذكره: ذلكَ اليَوْمُ يعني : يوم القيامة، وهو يوم يقوم الروح والملائكة صفا الْحَقّ: يقول: إنه حقّ كائن، لا شكّ فيه. و قوله: فَمَنْ شاءَ اتّخَذَ إلى رَبّهِ مآبا يقول: فمن شاء من عباده اتخذ بالتصديق بهذا اليوم الحقّ، والاستعداد له، والعمل بما فيه النجاة له من أهواله مآبا، يعني : مرجعا وهو مَفْعَل، من قولهم: آب فلان من سفره، كما قال عُبَيد: وكُلّ ذِي غَيْبَةٍ يَؤُبُوغائِبُ المَوْت لا يَؤُبُ وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَمَنْ شاءَ اتّخَذَ إلى رَبّهِ مآبا قال: اتخذوا إلى اللّه مآبا بطاعته، وما يقرّبهم إليه. ٢٧٩٥١ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة إلى رَبّهِ مآبا قال: سبيلاً. ٢٧٩٥٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان مآبا يقول: مرجعا منزلاً. ٤٠و قوله: إنّا أنْذَرْناكُمْ عَذَابا قَرِيبا يقول: إنا حذْرناكم أيها الناس عذابا قد دنا منكم وقرُب، وذلك يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ المؤمن ما قَدّمَتْ يَدَاهُ من خير اكتسبه في الدنيا، أو شرك سَلَفَ، فيرجو ثواب اللّه على صالح أعماله، ويخاف عقابه على سيئها. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٥٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن مبارك، عن الحسن يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدّمَتْ يَدَاهُ قال: المرء المؤمن يحذَر الصغيرة، ويخاف الكبيرة. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن محمد بن جَحّادة، عن الحسن يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدّمَتْ يَدَاهُ قال: المرء المؤمن. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفيان، عن محمد بن جحادة، عن الحسن، في قوله: يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدّمَتْ يَدَاهُ قال: المرء المؤمن. و قوله: وَيَقُولُ الكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا يقول تعالى ذكره: ويقول الكافر يومئذٍ تمنيا لما يلقى من عذاب اللّه الذي أعدّه لأصحابه الكافرين به: يا ليتني كنت ترابا، كالبهائم التي جُعِلت تُرابا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: ٢٧٩٥٤ـ حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر وابن أبي عديّ، قالا: حدثنا عوف، عن أبي المغيرة، عن عبد اللّه بن عمرو، قال: إذا كان يوم القيامة، مدّ الأديم، وحشر الدوابّ والبهائم والوحش، ثم يحصل القصاص بين الدوابّ، يقتصّ للشاة الجَمّاء من الشاة القَرْناء نَطْحَتها، فإذا فُرِغ من القِصاص بين الدوابّ، قال لها: كوني ترابا، قال: فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا. ٢٧٩٥٥ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر قال: وحدثني جعفر بن بُرْقان، عن يزيد بن الأصمّ، عن أبي هريرة، قال: إن اللّه يحشرُ الخلق كلهم، كل دابة وطائر وإنسان، يقول للبهائم والطير كونوا ترابا، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا. ٢٧٩٥٦ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا المحاربيّ عبدُ الرحمن بن محمد، عن إسماعيل بن رافع المدَنيّ، عن يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القُرَظِيّ، عن رجل من الأنصار، عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (يَقْضِي اللّه بَينَ خَلْقِهِ الجِنّ والإنْسِ والبَهائِمِ، وإنّهُ لَيَقِيدُ يَوْمَئِذٍ الجَمّاءِ مِنَ القَرْناءِ، حتى إذَا لَمْ يَبْقَ تَبِعَةٌ عِنْدَ وَاحِدَةٍ لأُخْرَى، قالَ اللّه : كُونُوا تُرَابا، فَعِنْدَ ذلكَ يَقُولُ الكافِرُ: يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا) . ٢٧٩٥٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: يَوْمَ يَنْظُرُ المَرْءُ ما قَدّمَتْ يَداهُ وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا وهو الهالك المُفْرِط العاجز، وما يمنعه أن يقول ذلك وقد راج عليه عَوْراتُ عمله، وقد استقبل الرحمن وهو عليه غضبان، فتمنى الموت يومئذٍ، ولم يكن في الدنيا شيء أكره عنده من الموت. ٢٧٩٥٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن أبي الزّناد عبد اللّه بن ذَكْوان، قال: إذا قُضِي بين الناس، وأمر بأهل النار إلى النار قيل لمؤمني الجنّ ولسائر الأمم سوى ولد آدم: عُودُوا ترابا، فإذا نظر الكفار إليهم قد عادوا ترابا، قال الكافر: يا ليتني كنت ترابا. ٢٧٩٥٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، في قوله: وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابا: قال: إذا قيل للبهائم: كونوا ترابا، قال الكافر: يا ليتني كنت ترابا. |
﴿ ٠ ﴾