٥

و قوله: فَجَعَلَهُ غُثاءً أحْوَى يقول تعالى ذكره: فجعل ذلك المرعَى غُثاء، وهو ما جفّ من النبات ويبس، فطارت به الريح وإنما عُنِي به هاهنا أنه جعله هشيما يابسا متغيرا إلى الحُوّة، وهي السواد، من بعد البياض أو الخُضرة، من شدّة اليبس. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:

٢٨٥٧٩ـ حدثني علي، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: غُثاءً أحْوَى يقول: هَشيما متغيرا.

٢٨٥٨٠ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: غُثاءً أحْوَى قال: غُثاء السيل أحوى، قال: أسود.

٢٨٥٨١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: غُثاءً أحْوَى قال: يعود يبسا بعد خُضرة.

٢٨٥٨٢ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: فَجَعَلَهُ غُثاءً أحْوَى قال: كان بقلاً ونباتا أخضر، ثم هاج فيبُس، فصار غُثاء أحوى، تذهب به الرياح والسيول.

وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يرى أن ذلك من المؤخّر الذي معناه التقديم، وأن معنى الكلام: والذي أخرج المرعى أحوى: أي أخضر إلى السواد، فجعله غثاء بعد ذلك، ويعتلّ لقوله ذلك بقول ذي الرّمة:

حَوّاءُ قَرْحاءُ أشْراطِيّةُ وكَفَتْفِيها الذّهابُ وحَفّتْها البَرَاعِيمُ

وهذا القول وإن كان غير مدفوع أن يكون ما اشتدّت خضرته من النبات، قد تسميه العرب أسود، غير صواب عندي بخلافه تأويل أهل التأويل في أن الحرف إنما يحتال لمعناه المخرج بالتقديم والتأخير إذا لم يكن له وجه مفهوم إلاّ بتقديمه عن موضعه، أو تأخيره، فإما وله في موضعه وجه صحيح فلا وجه لطلب الاحتيال لمعناه بالتقديم والتأخير.

﴿ ٥