١٣

و قوله: فَلا اقْتَحَم الْعَقَبَةَ يقول تعالى ذكره: فلم يركب العقبة، فيقطعها ويجوزها.

وذُكر أن العقبة: جبل في جهنم. ذكر من قال ذلك:

٢٨٨٤٣ـ حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى بن كثير، قال: حدثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قول اللّه : فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ قال: عَقَبة في جهنم.

٢٨٨٤٤ـ حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: حدثنا عبد اللّه بن إدريس، عن أبيه، عن عطية، عن ابن عمر، في قوله: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ جبل من جهنم.

حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلّية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: فَلا اقْتَحَمَ العَقَبَةَ قال: جهنم.

٢٨٨٤٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ إنها قحمة شديدة، فاقتحموها بطاعة اللّه .

٢٨٨٤٦ـ حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ قال: للنار عقبة دون الجسر.

٢٨٨٤٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا أبي، قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدّث عن يزيد بن أبي حبيب، عن شعيب بن زُرْعة، عن حنش، عن كعب، أنه قال: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ قال: هو سبعون درجة في جهنم.

وأفرد قوله: فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ بذكر (لا) مرّة واحدة، والعرب لا تكاد تفردها في كلام في مثل هذا الموضع، حتى يكرّروها مع كلام آخر، كما قال: فَلا صَدّقَ وَلا صَلّى وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. وإنما فعل ذلك كذلك في هذا الموضع، استغناء بدلالة آخر الكلام على معناه، من إعادتها مرّة أخرى، وذلك قوله إذ فسّر اقتحام العقبة، فقال: فَكّ رَقَبَةٍ أوْ إطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيما ذَا مَقْرَبَةٍ أوْ مِسْكِينا ذَا مَتْرَبَةٍ ثم كان من الذين آمنوا، ففسر ذلك بأشياء ثلاثة، فكان كأنه في أوّل الكلام، قال: فلا فَعَلَ ذا ولا ذا ولا ذا. وتأوّل ذلك ابن زيد، بمعنى: أفلا، ومن تأوّله كذلك، لم يكن به حاجة إلى أن يزعم أن في الكلام متروكا. ذكر الخبر بذلك عن ابن زيد:

٢٨٨٤٨ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وقرأ قول اللّه : فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ قال: أفلا سلك الطريق التي منها النجاة والخير، ثم قال: وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ؟.

و قوله: وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ؟ يقول تعالى ذكره: وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما العقبة؟.

ثم بين جل ثناؤه له، ما العقبة، وما النجاة منها، وما وجه اقتحامها؟ فقال: اقتحامها وقطعها فكّ رقبة من الرقّ، وأسر العبودة، كما:

٢٨٨٤٩ـ حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلّية، عن أبي رجاء، عن الحسن وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ فَكّ رَقَبَةٍ قال: ذُكر لنا أنه ليس مسلم يعتق رقبة مسلمة، إلا كانت فداءه من النار.

٢٨٨٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ فَكّ رَقَبَةٍ ذُكر لنا أن نبيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم سُئل عن الرقاب أيها أعظم أجرا؟ قال: (أكثرها ثمنا) .

٢٨٨٥١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قال: حدثنا سالم بن أبي الجعد، عن مَعْدان بن أبي طلحة، عن أبي نجيح، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (أيّمَا مُسْلِم أعْتَقَ رَجُلاً مُسْلما، فإنّ اللّه جاعِلُ وَفاءَ كُلّ عَظْيمٍ مِنْ عِظامِهِ، عَظْما مِنْ عِظامِ مُحَرّرهِ مِنَ النّارِ وأيّمَا امْرأةٍ مُسْلَمَةٍ أعْتَقَتْ امْرأةً مُسْلِمَةً، فإنّ اللّه جاعِلُ وَفاءَ كُلّ عَظْمٍ مِنْ عِظامِها، عَظْما مِنْ عِظامِ مُحَرّرِها مِنَ النّارِ) .

٢٨٨٥٢ـ قال: ثنا سعيد، عن قتادة ، عن قيس الجُذاميّ، عن عقبة بن عامر الجُهَنيّ، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (مَنْ أعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً، فَهِيَ فِدَاؤُهُ مِنَ النّارِ) .

حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ ثم أخبر عن اقتحامها فقال: فَكّ رَقَبَة أوْ أطْعَمَ.

واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض قرّاء مكة وعامة قرّاء البصرة، عن ابن أبي إسحاق، ومن الكوفيين: الكسائي: (فَكّ رَقَبَةٍ أوْ أطْعَمَ) . وكان أبو عمرو بن العلاء يحتجّ فيما بلغني فيه ب قوله: ثُمّ كانَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا كأن معناه: كان عنده، فلا فكّ رقبة، ولا أطعم، ثم كان من الذين آمنوا. وقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة والشأم فَكّ رَقَبَةٍ على الإضافة أوْ إطْعامٌ على وجه المصدر.

والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء، وتأويل مفهوم، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. فقراءته إذا قرىء على وجه الفعل تأويله: فلا اقتحم العقبة، لا فكّ رقبة، ولا أطعم، ثم كان من الذين آمنوا، وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ على التعجب والتعظيم. وهذه القراءة أحسن مخرجا في العربية، لأن الإطعام اسم،

و قوله: ثُمّ كانَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا فعل، والعرب تُؤْثِر ردّ الأسماء على الأسماء مثلها، والأفعال على الأفعال، ولو كان مجيء التّنزيل ثم إن كان من الذين آمنوا، كان أحسن، وأشبه بالإطعام والفكّ من ثم كان، ولذلك قلت: (فَكّ رَقَبَةٍ أوْ أطْعَمَ) أوجه في العربية من الاَخر، وإن كان للاَخر وجه معروف، ووجهه أنْ تضمر أن ثم تلقى، كما قال طرفة بن العبد:

ألا أيّهاذا الزّاجري أحْضُرَ الْوَغَىوأنْ أشْهَدَ اللّذّاتِ هَلْ أنتَ مُخْلِدي

بمعنى: ألا أيهاذا الزاجري أن أحضر الوغى. وفي قوله: (أن) أشهد الدلالة البنية على أنها معطوفة على أن أخرى مثلها، قد تقدّمت قبلها، فذلك وجه جوازه. وإذا وُجّه الكلام إلى هذا الوجه كان قوله: فَكّ رَقَبَةٍ أوْ إطْعامٌ تفسيرا ل قوله: وَما أدْرَاكَ ما الْعَقَبَةُ كأنه

قيل: وما أدراك ما العقبة؟ هي فكّ رقبة أوْ إطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ كما قال جلّ ثناؤه: وَما أدْرَاكَ ماهِيَهْ، ثم قال: نارٌ حامِيَةٌ مفسرا ل قوله: وأُمّهُ هاوِيَةٌ، ثم قال: وما أدراك ما الهاوية؟ هي نار حامية.

﴿ ١٣