١١و قوله: كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها يقول: كذّبت ثمود بطغيانها، يعني : بعذابها الذي وعدهموه صالح عليه السلام، فكان ذلك العذاب طاغيا طغى عليهم، كما قال جلّ ثناؤه: فأمّا ثَمُودُ فأُهْلِكُوا بالطّاغيَة. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، وإن كان فيه اختلاف بين أهل التأويل. ذكر من قال القول الذي قلنا في ذلك: ٢٨٩١٤ـ حدثني سعيد بن عمرو السّكونيّ، قال: حدثنا الوليد بن سَلَمة الفِلَسْطِينيّ، قال: ثني يزيد بن سمرة المَذحِجيّ عن عطاء الخُراسانيّ، عن ابن عباس ، في قول اللّه : كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها قال: اسم العذاب الذي جاءها، الطّغْوَى، فقال: كذّبت ثمود بعذابها. ٢٨٩١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة كَذّبَتْ ثَمُودُ بطَغْوَاها: أي بالطغيان. وقال آخرون: كذّبت ثمود بمعصيتهم اللّه . ذكر من قال ذلك: ٢٨٩١٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحرث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال: معصيتها. ٢٨٩١٧ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال: بطغيانهم وبمعصيتهم. وقال آخرون: بل معنى ذلك بأجمعها. ذكر من قال ذلك: ٢٨٩٧٩حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن أيوب وابن لَهِيعة، عن عُمارة بن غزية، عن محمدبن رفاعة القُرَظِيّ، عن محمد بن كعب، أنه قال: كَذّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاها قال: بأجمعها. حدثني ابن عبد الرحيم الَبْرِقيّ، قال: حدثنا ابن أبي مَرْيم، قال: أخبرني يحيى بن أيوب، قال: ثني عُمارة بن غزية، عن محمد بن رفاعة القُرَظِيّ، عن محمد بن كعب، مثله. وقيل طَغْوَاها بمعنى: طغيانهم، وهما مصدران، للتوفيق بين رؤوس الاَي، إذ كانت الّطْغَوى أشبه بسائر رؤوس الاَيات في هذه السورة، وذلك نظير قوله: وآخِرُ دَعْوَاهُمْ بمعنى: وآخر دعائهم. و قوله: إذِ انْبَعَثَ أشْقاها يقول: إذ ثار أشقى ثمود، وهو قُدَار بن سالف، كما: ٢٨٩١٨ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا الطّفاويّ، عن هشام، عن أبيه، عن عبد اللّه بن زَمَعة، قال: خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فذكر في خطبته الناقة، والذي عَقَرها، فقال: (إذِ انْبَعَثَ أشْقاها: انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَزِيزٌ عارِمٌ، مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أبي زَمَعَة) . ٢٨٩١٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، في قوله: إذِ انْبَعَثَ أشْقاها يعني أُحَيْمِرَ ثَمود. و قوله: فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّه يعني بذلك جَلّ ثناؤه: صالحا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال لثمود صَالحٌ: ناقَةَ اللّه وَسُقْياها احذَروا ناقة اللّه وسُقياها، وإنما حذّرهم سُقيَا الناقة، لأنه كان تقدّم إليهم عن أمر اللّه ، أن للناقة شِرَب يوم، ولهم شِرْب يومٍ آخر، غير يوم الناقة، على ما قد بيّنت فيما مضى قبل، وكما: ٢٨٩٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّه ناقَةَ اللّه وسُقْياها قَسْم اللّه الذي قسم لها من هذا الماء. و قوله: فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها يقول: فكذّبوا صالحا في خبره الذي أخبرهم به، من أن اللّه الذي جعل شِرْبَ الناقة يوما، ولهم شربُ يوم معلوم، وأن اللّه يحِلّ بهم نقمته، إن هم عقروها، كما وصفهم جل ثناؤه فقال: كَذّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقَارِعَةِ، وقد يحتمل أن يكون التكذيب بالعقْر. وإذا كان ذلك كذلك، جاز تقديم التكذيب قبل العقر، والعقر قبل التكذيب، وذلك أن كلّ فعل وقع عن سبب حسن ابتداؤه قبل السبب وبعده، كقول القائل: أعطيت فأحسنت، وأحسنت فأعطيت، لأن الإعطاء: هو الإحسان، ومن الإحسان الإعطاء، وكذلك لو كان العَقْر هو سبب التكذيب، جاز تقديم أيّ ذلك شاء المتكلم. وقد زعم بعضهم أن قوله: فَكَذّبُوهُ كلمة مكتفية بنفسها، وأن قوله: فَعَقَرُوها جواب ل قوله: إذِ انْبَعَث أشْقاها كأنه قيل: إذ انبعث أشقاها فعقرها، فقال: وكيف؟ قيل فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها وقد كان القوم قبل قتل الناقة مُسَلّمين، لها شرب يوم، ولهم شرب يوم آخر. قيل: جاء الخبر أنهم بعد تسليمهم ذلك، أجمعوا على منعها الشربَ، ورضُوا بقتلها، وعن رضا جميعهم قَتَلها قاتِلُها، وعَقَرها مَنْ عقرها ولذلك نُسب التكذيب والعقر إلى جميعهم، فقال جلّ ثناؤه: فَكَذّبُوهُ فَعَقَرُوها. و قوله: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها يقول تعالى ذكره: فدمّر عليهم ربهم بذنبهم ذلك، وكفّرهم به، وتكذيبهم رسوله صالحا، وعَقْرهم ناقته فَسَوّاها يقول: فَسوّى الدمدمة عليهم جميعهم، فلم يُفْلِت منهم أحد، كما: ٢٨٩٢١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة ، قوله: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها ذُكر لنا أن أحيمرَ ثمود أبى أن يعقِرَها، حتى بايعه صغيرُهم وكبيرُهم، وذَكَرُهم وأنثاهم، فلما اشترك القومُ في عَقْرها دمدم اللّه عليهم بذنبهم فسوّاها. ٢٨٩٢٢ـ حدثني بشر بن آدم، قال: حدثنا قُتيبة، قال: حدثنا أبو هلال، قال: سمعت الحسن يقول: لما عقروا الناقةَ طلبوا فَصِيلَها، فصار في قارة الجبل، فقطع اللّه قلوبَهم. و قوله: وَلا يَخافُ عقْباها اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: لا يخاف تبعة دَمْدمته عليهم. ذكر من قال ذلك: ٢٨٩٢٣ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، قوله: وَلا يَخافُ عُقْباها قال: لا يخاف اللّه من أحد تَبِعَةً. ٢٨٩٢٤ـ حدثني إبراهيم بن المستمرّ، قال: حدثنا عثمان بن عمرو، قال: حدثنا عمر بن مرثد، عن الحسن، في قوله: وَلا يَخاف عُقْباها قال: ذاك ربنا تبارك وتعالى، لا يخاف تبعةً مما صنع بهم. حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا وكيع، عن عمرو بن منبه، هكذا هو في كتابي، سمعت الحسن قرأ: وَلا يَخافُ عُقْباها قال: ذلك الربّ صنع ذلك بهم، ولم يخف تبعةً. حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله: وَلا يَخاف عُقْباها قال: لا يخاف تبعتهم. ٢٨٩٢٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة وَلا يَخافُ عُقْباها يقول: لا يخاف أن يُتْبَعَ بشيء مما صَنعَ بهم. ٢٨٩٢٦ـ حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: وَلا يَخافُ عُقْباها قال محمد بن عمرو في حديثه، قال: اللّه لا يَخافُ عُقْباها. وقال الحرث في حديثه: اللّه لا يخاف عقباها. ٢٨٩٢٧ـ حدثني محمد بن سنان، قال: حدثنا يعقوب، قال: حدثنا رزين بن إبراهيم، عن أبي سليمان، قال: سمعت بكر بن عبد اللّه المُزَنيّ يقول في قوله: وَلا يَخافُ عُقْباها قال: لا يخاف اللّه التبعةَ. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولم يخف الذي عقرها عقباها: أي عُقبى فَعْلَتِهِ التي فعل. ذكر من قال ذلك: ٢٨٩٢٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا جابر بن نوح، قال: حدثنا أبو رَوْق، قال: حدثنا الضحاك وَلا يَخافُ عُقْباها قال: لم يَخَفِ الذي عقرها عقباها. ٢٨٩٢٩ـ حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مِهْران، عن سفيان، عن السّدّيّ: وَلا يَخافُ عُقْباها قال: لم يخف الذي عقرها عقباها. حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مِهْران، عن سفيان، عن السديّ وَلا يَخافُ عُقْباها قال: الذي لا يخاف الذي صنع، عُقْبَى ما صنع. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والشام: (فَلا يَخافُ عُقْباها) بالفاء، وكذلك ذلك في مصاحفهم، وقرأته عامة قرّاء العراق في المِصْرين بالواو وَلا يَخاف عُقْباها وكذلك هو في مصاحفهم. والصواب من القول في ذلك: أنهما قراءتان معروفتان، غير مختلفي المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. واختلفت القرّاء في إمالة ما كان من ذوات الواو في هذه السورة وغيرها، ك قوله: وَالقَمَرِ إذَا تَلاها وَما طَحاها ونحو ذلك، فكان يفتح ذلك كلّه عامةُ قرّاء الكوفة، ويُميلون ما كان من ذوات الياء، غير عاصم والكسائي، فإن عاصما كان يفتح جميعَ ذلك، ما كان منه من ذوات الواو وذوات الياء، لا يُضْجِعُ منه شيئا. وكان الكسائي يكسر ذلك كلّه. وكان أبو عمرو ينظر إلى اتساق رؤوس الاَي، فإن كانت متسقة على شيء واحد، أمال جميعَها. وأما عامة قرّاء المدينة، فإنهم لا يميلون شيئا من ذلك الإمالة الشديدة، ولا يفتحونه الفتحَ الشديد، ولكن بين ذلك وأفصح ذلك وأحسنه: أن ينظر إلى ابتداء السورة، فإن كانت رؤوسها بالياء، أُجْريَ جميعُها بالإمالة غير الفاحشة، وإن كانت رؤوسها بالواو، فتحت وجرى جميعها بالفتح غير الفاحش، وإذا انفرد نوع من ذلك في موضع، أميل ذوات الياء الإمالة المعتدلة، وفتح ذوات الواو الفتح المتوسّط، وإن أُميلت هذه، وفُتحت هذه لم يكن لحنا، غير أن الفصيح من الكلام هو الذي وصفنا صفته. |
﴿ ١١ ﴾