١٠

و قوله: فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى يقول تعالى ذكره: فسنهيئه في الدنيا للخَلّة العُسرى، وهو من قولهم: قد يسرت غنم فلان: إذا ولدت وتهيأت للولادة، وكما قال الشاعر:

هُمَا سَيّدَانا يَزْعُمانِ وإنّمَايَسُودَانِنا أنْ يَسّرَتْ غَنَماهُمَا

وقيل: فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى ولا تيسر في العُسرى للذي تقدّم في أوّل الكلام من قوله: فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وإذا جمع بين كلامين أحدهما ذكر الخير والاَخر ذكر الشرّ، جاز ذلك بالتيسير فيهما جميعا والعُسرى التي أخبر اللّه جل ثناؤه أنه ييسره لها: العمل بما يكرهه ولا يرضاه. وبنحو الذي قلنا في ذلك جاء الأثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم . ذكر الخبر بذلك:

٢٨٩٥٧ـ حدثني واصل بن عبد الأعلى وأبو كُرَيب، قالا: حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن سعد بن عُبيدة، عن أبي عبد الرحمن السّلميّ، عن عليّ، قال: كُنّا جلوسا عند النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فنكَتَ الأرض، ثم رفع رأسه فقال: (ما مِنْكمْ مِنْ أحَدٍ إلاّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ) . قلنا: يا رسول اللّه أفلا نتّكل؟ قال: (لا، اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ) ، ثم قرأ: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى.

حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا زائدة بن قُدامة، عن منصور، عن سعد بن عُبيدة عن أبي عبد الرحمن السّلَميّ، عن عليّ، قال: كنا في جنازة في البقيع، فأتانا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فجلس وجلسنا معه، ومعه عود يَنْكُت في الأرض، فرفع رأسه إلى السماء فقال: (ما مِنْكمْ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلاّ قَدْ كُتِبَ مَدْخَلُها) ، فقال القول: يا رسول اللّه ألا نتكل على كتابنا، فمن كان من أهل السعادة فإنه يعمل للسعادة، ومن كان من أهل الشقاء فإنه يعمل للشقاء، فقال: (بَلِ اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ فأمّا مَنْ كانَ مِنْ أهْلِ السّعادَةِ فإنّهُ يُيَسّرُ لِعَمَلِ السّعادَةِ وأمّا مَنْ كانَ مِنْ أهْلِ الشّقاء فإنّهُ يُيَسّرُ للشّقاءِ، ثم قرأ: فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى) .

حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلميّ، عن عليّ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم بنحوه.

حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن منصور والأعمش: أنهما سمعا سعد بن عُبيدة، عن أبي عبد الرحمن السّلَميّ، عن عليّ، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان في جنازة، فأخذ عودا فجعل ينكُت في الأرض، فقال: (ما مِنْ أحَدٍ إلاّ وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ أوْ مِنَ الجَنّةِ) ، فقالوا: يا رسول اللّه أفلا نتّكل؟ قال: (اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ للْيُسْرَى وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى) .

حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا مهران، عن سفيان، عن منصور والأعمش، عن سعد بن عُبيدة، عن أبي عبد الرحمن السّلَميّ، عن عليّ رضي اللّه عنه قال: كنا جلوسا مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فتناول شيئا من الأرض بيده، فقال: (ما مِنْكُمْ مِنْ أحَدٍ إلاّ وَقَدْ عُلِمَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنّةِ والنّارِ) قالوا: يا نبيّ اللّه ، أفلا نتكل؟ قال: (لا اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) ، ثم قرأ: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى... الاَيتين.

٢٨٩٥٨ـ قال: ثنا مهران، عن أبي سنان، عن عبد الملك بن سَمُرة بن أبي زائدة، عن النّزّال بن سَبْرَةَ، قال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (ما مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلاّ قَدْ كَتَبَ اللّه عَلَيْها ما هِيَ لاقِيَتُهُ) وأعرابي عند النبي صلى اللّه عليه وسلم مُرتاد، فقال الأعرابيّ: فما جاء بي أضرب من وادي كذا وكذا، إن كان قد فُرِغ من الأمر؟ فنكت النبي صلى اللّه عليه وسلم في الأرض، حتى ظنّ القوم أنه ودّ أنه لم يكن تكلم بشيء منه، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (كُلّ مُيَسّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، فَمَنْ يُرِدِ اللّه بِهِ خَيرا يَسّرَهُ لِسَبِيلِ الخَيرِ، وَمَنْ يُرِدْ بِهِ شَرّا يَسّرَهُ لِسَبِيلِ الشّرّ) ، فلقيت عمرو بن مُرّة، فعرضت عليه هذا الحديث، فقال: قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ، وزاد فيه: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى.

٢٨٩٥٩ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، قال: حدثنا حصين، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السّلَمي، قال: لما نزلت هذه الاَية: إنّا كُلّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ قال رجل: يا رسول اللّه ، ففيم العمل؟ أفي شيء نستأنفه، أو في شيء قد فُرغ منه؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ: سَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَسُنَيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى) .

حدثني عمرو بن عبد الملك الطائي، قال: حدثنا محمد بن عبيدة، قال: حدثنا الجراح، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن الحجاج بن أرطأة، عن أبي إسحاق الهمداني، عن سليمان الأعمش، رفع الحديث إلى عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، أنه قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذات يوم جالسا وبيده عود ينكُت به في الأرض، فرفع رأسه فقال: (ما مِنْكمْ مِنْ أحَدٍ وَلا مِنَ النّاس، إلاّ وَقَدْ عُلِمَ مَقْعَدُهُ مِنَ الجَنّةِ أوِ النّارِ) ، قلنا: يا رسول اللّه أفلا نتوكل؟ قال لهم: (اعْمَلُوا فَكُلّ مُيَسّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) ، ثم قال: (أما سَمِعْتُمُ اللّه فِي كِتابِهِ يَقُولُ: فأمّا مَنْ أعْطَى وَاتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى وأمّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وكَذّبَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُه لِلْعُسْرَى) .

٢٨٩٦٠ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِيّ، قال: حدثنا خالد بن عبد اللّه ، عن داود بن أبي هند، عن عكرِمة، عن ابن عباس فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى: للشرّ من اللّه .

٢٨٩٦١ـ حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني عمرو بن الحرث، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه أنه قال: يا رسول اللّه ، أنعمل لأمر قد فُرغ منه، أو لأمر نأتنفه؟ فقال صلى اللّه عليه وسلم : (كُلّ عامِلٍ مُيَسّرٌ لِعَمَلِهِ) .

٢٨٩٦٢ـ حدثني يونس، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن طلق بن حبيب، عن بشير بن كعب، قال: سأل غلامان شابان النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقالا: يا رسول اللّه ، أنعمل فيما جفّت به الأقلام، وجرَت به المقادير، أو في شيء يستأنف؟ فقال: (بَلْ فِيما جَفّتْ به الأقْلامُ، وَجَرَتْ بهِ المَقادِيرُ) قالا: ففيم العمل إذن؟ قال: (اعْمَلُوا، فَكُلّ عامِلٍ مُيَسّرٌ لعَمَلِهِ الّذِي خُلِقَ لَهُ) ، قالا: فالاَن نجدّ ونعمل.

﴿ ١٠