٨وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَهُ يقول: ومن كان عمل في الدنيا وزن ذرّة من شرّ يرى جزاءه هنالك، و قيل: ومَنْ يعمل، والخبر عنها في الاَخرة، لفهم السامع معنى ذلك، لما قد تقدّم من الدليل قبلُ، على أن معناه: فمن عمل ذلك دلالة قوله: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أشْتاتا لِيُرَوْا أعمالَهُمْ على ذلك. ولكن لما كان مفهوما معنى الكلام عند السامعين. وكان في قوله: يَعْمَلْ حثّ لأهل الدنيا على العمل بطاعة اللّه ، والزجر عن معاصيه، مع الذي ذكرت من دلالة الكلام قبل ذلك، على أن ذلك مراد به الخبر عن ماضي فعله، وما لهم على ذلك، أخرج الخبر على وجه الخبر عن مستقبل الفعل. وبنحو الذي قلنا من أن جميعهم يرون أعمالهم، قال: أهل التأويل ذكر من قال ذلك: ٢٩١٥٨ـ حدثني عليّ، قال: حدثنا بو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ، في قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ قال: ليس مؤمن ولا كافر عمِل خيرا ولا شرّا في الدنيا، إلا أتاه اللّه إياه. فأما المؤمن فيريه حسناته وسيئاته، فيغفر اللّه له سيئاته. وأما الكافر فيردّ حسناته، ويعذّبه بسيئاته. وقيل في ذلك غير هذا القول، فقال بعضهم: أما المؤمن، فيعجل له عقوبة سيئاته في الدنيا، ويؤخّر له ثواب حسناته، والكافر يعجّل له ثواب حسناته، ويؤخر له عقوبة سيئاته. ذكر من قال ذلك: ٢٩١٥٩ـ حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ، قال: حدثنا محمد بن بشر، قال: حدثنيه محمد بن مسلم الطائفيّ، عن عمرو بن قتادة ، قال: سمعت محمد بن كعب القُرَظِيّ، وهو يفسّر هذه الاَية: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ قال: من يعمل مثقال ذرّة من خير مِنْ كافر يَرَ ثوابه في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده، حتى يخرج من الدنيا، وليس له عنده خير وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَهُ مِنْ مؤمن ير عقوبته في الدنيا في نفسه وأهله وماله وولده، حتى يخرج من الدنيا وليس عنده شيء. حدثني محمود بن خِداش، قال: حدثنا محمد بن يزيد الواسطي، قال: حدثنا محمد بن مسلم الطائفيّ، عن عمرو بن دينار، قال: سألت محمد بن كعب القُرَظِيّ، عن هذه الاَية: فَمَنْ يَعْمَلْ مثْقالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَهُ قال: من يعمل مثقال ذرّة من خير من كافر، ير ثوابها في نفسه وأهله وماله، حتى يخرج من الدنيا وليس له خير ومن يعمل مثقال ذرّة من شرّ من مؤمن، ير عقوبتها في نفسه وأهله وماله، حتى يخرج وليس له شرّ. ٢٩١٦٠ـ حدثني أبو الخطاب الحَسّاني، قال: حدثنا الهيثم بن الربيع، قال: حدثنا سماك بن عطية، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، قال: كان أبو بكر رضي اللّه عنه يأكل مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فنزلت هذه الاَية: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ وَمَنْ يَعمْلْ مثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَهُ فرفع أبو بكر يده من الطعام، وقال: يا رسول اللّه إني أُجزَى بما عملت من مثقال ذرّة من شرّ؟ فقال: (يا أبا بَكْرٍ، ما رأيْتَ فِي الدنْيا مِمّا تَكْرَهُ فَمَثاقِيلُ ذَرّ الشّرّ، وَيَدّخِرُ لَكَ اللّه مَثاقِيلَ الخَيْرِ حتى تَوَفّاهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) . ٢٩١٦١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبوب، قال: وجدنا في كتاب أبي قِلابة، عن أبي إدريس: أن أبا بكر كان يأكل مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأنزلت هذه الاَية: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَهُ فرفع أبو بكر يده من الطعام، وقال: إني لراءٍ ما عملت، قال: لا أعلمه إلا قال: ما عملت من خير وشرّ، فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم : (إنّ ما تَرَى مِمّا تَكْرَهُ فَهُوَ مَثاقِيلُ ذرّ شَرَ كَيِيرٍ، وَيَدّخِرُ اللّه لكَ مَثاقِيلَ ذَرّ الخَيْرِ حتى تُعْطاهُ يَومْ الْقِيامَةِ) وتصديق ذلك في كتاب اللّه : وَما أصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ. حدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن عُلَية، قال: حدثنا أيوب، قال: قرأت في كتاب أبي قلابة قال: نزلت فَمَنْ يَعْمَل مثْقالَ ذَرّةٍ خَيْرا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَهُ وأبو بكر يأكل مع النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فأمسك وقال: يا رسول اللّه ، إني لراءٍ ما عملتُ من خير وشرّ؟ فقال: (أرأيْتَ ما رأيْتَ مِمّا تَكْرَهُ، فَهُوَ مِنْ مَثاقِيلِ ذَرّ الشّرّ، وَيَدّخِرُ مَثاقِيلَ ذَرّ الخَيْرِ، حتى تُعْطَوْهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) قال أبو إدريس: فأرَى مصداقها في كتاب اللّه ، قال: وَما أصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ. ٢٩١٦٢ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن عُلَية، عن داود، عن الشعبيّ، قال: قالت عائشة: يا رسول اللّه ، إن عبد اللّه بن جُدْعان كان يصل الرحم، ويفعل ويفعل، هل ذاك نافعه؟ قال: (لا، إنه لم يقل يوما: رَبّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي يَوْمَ الدّينِ) . حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا حفص، عن داود، عن الشعبيّ، عن مسروق، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول اللّه ، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم، ويُطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: (لا يَنْفَعُهُ، إنّهُ لم يَقُلْ يَوْما: رَبّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ) . حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن عامر الشعبيّ، أن عائشة أمّ المؤمنين قالت: يا رسول اللّه ، إن عبد اللّه بن جُدْعان، كان يصل الرحم، ويَقْرِي الضيف، ويفُكّ العاني، فهل ذلك نافعه شيئا؟ قال: (لا، إنّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْما: رَبّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدّينِ) . ٢٩١٦٣ـ حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن عامر، عن علقمة، أن سلمة بن يزيد الجُعفيّ، قال: يا رسول اللّه ، إن أمنّا هلَكت في الجاهلية، كانت تصِل الرحم، وتَقْرِي الضيف، وتفعل وتفعل، فهل ذلك نافعها شيئا؟ قال: (لا) . حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا الحجاج بن المنهال، قال: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: حدثنا داود، عن الشعبيّ، عن علقمة بن قيس، عن سلمة بن يزيد الجعفي، قال: ذهبت أنا وأخي إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقلت: يا رسول اللّه ، إن أمنّا كانت في الجاهلية تقري الضيف، وتصل الرحم، هل ينفعها عملها ذلك شيئا؟ قال: (لا) . حدثني محمد بن إبراهيم بن صَدْران وابن عبد الأعلى، قالا: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: حدثنا داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، عن علقمة، عن سلمة بن يزيد، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم ، بنحوه. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ، عن محمد بن كعب، أنه قال: أما المؤمن فيرى حسناته في الاَخرة، وأما الكافر فيرى حسناته في الدنيا. ٢٩١٦٤ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا أبو نعامة، قال: حدثنا عبد العزيز بن بشير الضبي جدّه سلمان بن عامر أن سلمان بن عامر جاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فقال: إن أبي كان يصل الرحم، ويفي بالذمة، ويُكرم الضيف، قال: (ماتَ قَبْلَ الإسْلامِ) ؟ قال: نعم، قال: (لَنْ يَنْفَعَهُ ذَلكَ) ، فوّلى، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (عَليّ بالشّيْخِ) ، فجاء، فَقالَ رسُول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (إنّها لَنْ تَنْفَعُهُ، وَلَكِنّها تَكُونُ فِي عَقِبِهِ، فَلنْ تَخْزَوْا أبَدا، وَلَنْ تَذِلّوا أبَدا، وَلَنْ تَفْتَقِرُوا أبَدا) . ٢٩١٦٥ـ حدثنا ابن المثنى وابن بشار، قالا: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا عمران، عن قتادة ، عن أنس، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ اللّه لا يَظْلِمُ المُؤْمِنَ حَسَنَةً يُثابُ عَلَيْها الرّزْقَ فِي الدّنْيا، ويُجْزَى بِها في الاَخِرَةِ وأمّا الكافِرُ فَيُعْطِيهِ بِها فِي الدّنْيا، فإذَا كانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ، لَم تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ) . ٢٩١٦٦ـ حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، قال: حدثنا ليث، قال: ثني المعلّي، عن محمد بن كعب القْرَظيّ، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ما أحْسَنَ مِنْ مُحْسِنٍ مُؤْمِنٍ أوْ كافِرٍ إلاّ وَقَعَ ثَوَابُهُ عَلى اللّه في عاجِلِ دُنْياهُ، أوْ آجِلِ آخِرَتِهِ) . ٢٩١٦٧ـ حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني يحيى بن عبد اللّه ، عن أبي عبد الرحمن الحُبُليّ، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنه قال: أنزلت: إذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا وأبو بكر الصدّيق قاعد، فبكى حين أُنزلت، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (ما يُبْكِيكَ يا أبا بَكْرٍ؟) قال: يُبكيني هذه السورة، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : (لَوْلا أنّكُمْ تُخْطِئونَ وَتُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ اللّه لَكُمْ، لَخَلَقَ اللّه أُمةً يُخْطِئُونَ وَيُذْنِبُونَ فَيْغْفِرُ لَهُمْ) . فهذه الأخبار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم تُنبىء عن أن المؤمن إنما يَرَى عقوبة سيّئاته في الدنيا، وثواب حسناته في الاَخرة، وأن الكافر يرى ثواب حسناته في الدنيا، وعقوبة سيئاته في الاَخرة، وأن الكافر لا ينفعه في الاَخرة ما سلف له من إحسان في الدنيا مع كُفره. ٢٩١٦٨ـ حدثنا أبو كُرَيب، قال: حدثنا ابن عليّ، عن الأعمش، عن إبراهيم التيميّ، قال: أدركت سبعين من أصحاب عبد اللّه ، أصغرهم الحارث بن سُوَيد، فسمعته يقرأ: إذَا زُلْزِلَت الأرْضُ زِلْزَالَهَا حتى بلغ إلى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرّةٍ شَرّا يَرَه قال: إن هذا إحصاء شديد. و قيل: إن الذّرّةَ دُودة حمراء ليس لها وزن. ذكر من قال ذلك: ٢٩١٦٩ـ حدثني إسحاق بن وهب العلاف ومحمد بن سنان القزّاز، قالا: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا شبيب بن بشر، عن عكرِمة، عن ابن عباس ، في قوله: مِثْقالَ ذَرّةٍ قال ابن سنان في حديثه: مثقال ذرّة حمراء. وقال ابن وهب في حديثه: نملة حمراء. قال إسحاق، قال يزيد بن هارون: وزعموا أن هذه الدودة الحمراء ليس لها وزن. |
﴿ ٨ ﴾