تفسير الطبري : جامع البيان عن تأويل آي القرآنللإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبريإمام المفسرين المجتهد (ت ٣١٠ هـ ٩٢٣ م)_________________________________سورة الإخلاصسورة الإخلاص مكيّة وآياتها أربع بسم اللّه الرحمَن الرحيم ١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللّه أَحَدٌ}. ذُكر أن المشركين سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن نسب ربّ العزة، فأنزل اللّه هذا السورة جوابا لهم. وقال بعضهم: بل نزلت من أجل أن اليهود سألوه، فقالوا له: هذا اللّه خلق الخلق، فمن خلق اللّه ؟ فأُنزلت جوابا لهم. ذكر من قال: أُنزلت جوابا للمشركين الذين سألوه أن ينسُب لهم الربّ تبارك وتعالى. ٢٩٥٥٢ـ حدثنا أحمد بن منيع المَرْوزيّ ومحمود بن خِداش الطالَقَاني، قالا: حدثنا أبو سعيد الصنعاني، قال: حدثنا أبو جعفر الرازيّ، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب، قال: قال المشركون للنبيّ صلى اللّه عليه وسلم : انسُبْ لنا ربك، فأنزل اللّه : قُلْ هُوَ اللّه أحَدٌ اللّه الصّمَدُ. ٢٩٥٥٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرِمة، قال: إن المشركين قالوا: يا رسول اللّه أخبرنا عن ربك، صف لنا ربك ما هو، ومن أيّ شيء هو؟ فأنزل اللّه : قُلْ هُوَ اللّه أحَدٌ إلى آخر السورة. ٢٩٥٥٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قُلْ هُوَ اللّه أحَدٌ اللّه الصّمَدُ قال: قال ذلك قادة الأحزاب: انسُب لنا ربك، فأتاه جبريل بهذه. ٢٩٥٥٥ـ حدثني محمد بن عوف، قال: حدثنا شريح، قال: حدثنا إسماعيل بن مجالد، عن مجالد، عن الشعبيّ، عن جابر قال: قال المشركون: انسُب لنا ربك، فأنزل اللّه قُلْ هُوَ اللّه أحَدٌ. ذكر من قال: نزل ذلك من أجل مسألة اليهود: ٢٩٥٥٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن محمد، عن سعيد، قال: أتى رهط من اليهود النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقالوا: يا محمد هذا اللّه خلق الخلق، فمن خلقه؟ فغضب النبي صلى اللّه عليه وسلم حتى انتُقِعَ لونه ثم ساوَرَهم غضبا لربه، فجاءه جبريل عليه السلام فسكنّه، وقال: اخفض عليك جناحك يا محمد، وجاءه من اللّه جواب ما سألوه عنه. قال: يقول اللّه : قُلْ هُوَ اللّه أحَدٌ اللّه الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ ولَمْ يُولَدْ ولَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أحَدٌ فلما تلا عليهم النبي صلى اللّه عليه وسلم ، قالوا: صف لنا ربك كيف خَلْقُه، وكيف عضُدُه، وكيف ذراعُه، فغضب النبي صلى اللّه عليه وسلم أشدّ من غضبه الأوّل، وساوَرَهم غضبا، فأتاه جبريل فقال له مثل مقالته، وأتاه بجواب ما سألوه عنه: وَما قَدَرُوا اللّه حَقّ قَدْرِهِ والأرْضُ جَمِيعا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ والسّمَوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ. ٢٩٥٥٧ـ حدثنا ابن حُمَيد، قال: حدثنا مِهران، عن سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة ، قال: جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فقالوا: انسب لنا ربك، فنزلت: قُلْ هُوَ اللّه أحَدٌ حتى ختم السورة. فتأويل الكلام إذا كان الأمر على ما وصفنا: قل يا محمد لهؤلاء السائليك عن نسب ربك وصفته، ومن خلقه: الربّ الذي سألتموني عنه، هو اللّه الذي له عبادة كل شيء، لا تنبغي العبادة إلاّ له، ولا تصلح لشيء سواه. واختلف أهل العربية في الرافع أحَدٌ فقال بعضهم: الرافع له (اللّه ) ، و (هو) عمادا، بمنزلة الهاء في قوله: إنّهُ أنا اللّه الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وقال آخر منهم: بل (هو) مرفوع، وإن كان نكرة بالاستئناف، ك قوله: هذا بعلي شيخ، وقال: هو اللّه جواب لكلام قوم قالوا له: ما الذي تعبد؟ فقال: هو اللّه ، ثم قيل له: فما هو؟ قال: هو أحد. وقال آخرونأحَدٌ بمعنى: واحد، وأنكر أن يكون العماد مستأنفا به، حتى يكون قبله حرف من حروف الشكّ، كظنّ وأخواتها، وكان وذواتها، أو إنّ وما أشبهها، وهذا القول الثاني هو أشبه بمذاهب العربية. واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار أحَدٌ اللّه الصّمَدُ بتنوين (أحدٌ) ، سوى نصر بن عاصم، وعبد اللّه بن أبي إسحاق، فإنه رُوي عنهما ترك التنوين: (أحَدُ اللّه ) وكأن من قرأ ذلك كذلك، قال: نون الإعراب إذا استقبلتها الألف واللام أو ساكن من الحروف حُذفت أحيانا، كما قال الشاعر: كَيْفَ نَوْمي على الفرَاشِ ولمَاتَشْمَلِ الشّامَ غارَةٌ شَعْوَاءُ تُذْهِلُ الشّيْخَ عَن بَنِيهِ وتُبْدِيعَنْ خِدَامِ العَقِيلَةُ العَذْراءُ يريد: عن خِدامٍ العقيلةُ. والصواب في ذلك عندنا: التنوين، لمعنيين: أحدهما أفصح اللغتين، وأشهر الكلامين، وأجودهما عند العرب. والثاني: إجماع الحجة من قرّاء الأمصار على اختيار التنوين فيه، ففي ذلك مُكْتفًى عن الاستشهاد على صحته بغيره. وقد بيّنا معنى قوله (أحد) فيما مضى، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. |
﴿ ١ ﴾