١٧٨{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ١) القصاص ٢) الدّيات (أنا) أبو عبد اللّه الحافظ، نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى (رحمه اللّه) - فى قول اللّه عز وجل: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ} . قال: لا يَقْتُلْ غيرَ قاتلهِ؛ وهذا يُشْبِه ما قيل (واللّه أعلم): قال اللّه عزوجل: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى} ؛ فالقصاصُ إنما يكون: ممن فَعَلَ ما فيه القصاصُ؛ لا: ممن لا يفعلُه.فأَحْكَمَ اللّه (عز وجل) فَرْض القصاص: فى كتابه؛ وأبَانَتْ السنةُ: لِمَن هو؟ وعلى مَنْ هو؟. (أنا) أبو عبد اللّه، أنا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى، قال: مِن العِلْم العامِّ الذى لا اختلافَ فيه بين أحد لَقِيتُه: فَحَدَّثَنِيهِ، وبلَغَنى عنه -: من علماء العرب. -: أنها كانت قبلَ نزول الوحىِ على رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): تَبَايَنُ فى الفَضْل، ويكونُ بينها ما يكونُ بين الجيران: من قتلِ العَمْدِ والخطإِ.وكان بعضُها: يَعرِفُ لبعضٍ الفَضْلَ فى الدِّيَاتِ، حتى تكونُ ديةُ الرجل الشريفِ: أضعافَ ديةِ الرجل دونَه.فأخذ بذلك بعضُ مَنْ بيْن أظْهُرِهَا -من غيرها -: بأقْصَدَ مما كانت تأخذ به؛ فكانت ديةُ النَّضِيرِىِّ: ضِعفَ ديةِ القُرَظىِّ.وكان الشريفُ من العرب: إذا قُتِل يُجَاوَزُ قاتِلُه، إلى مَن لم يَقتلْه: من أشراف القبيلة التى قتله أحدُها وربما لم يَرْضَوْا: إلا بعَدَدٍ يَقتُلونهم. فقَتَل بعضُ غَنِىٍّ شَأْسَ بن زُهَيْرٍ العَبْسِىَّ: فَجَمَعَ عليهم أبوه زُهيرُ بن جَذِيمَةَ؛ فقالوا له - أو بعضُ مَن نُدِبَ عنهم -: سَلْ فى قتل شأس؛ ف قال: إحدى ثلاثٍ لا يُرضِينِى غيرُها؛ فقالوا: ما هى؟ ف قال: تُحْيُونَ لى شَأساً، أو تَمْلأُون رِدائى من نجوم السماء، أو تَدْفَعون لى غَنِيّاً بأسْرها: فأقتلُها، ثم لا أَرى: أنى أخذتُ منه عِوَضاً.وقُتِل كُلَيْبُ وائلٍ: فاقتتلوا دهراً طويلاً، واعتَزَلَهُمْ بعضُهم فأصابوا ابناً له - يقال له: بُجَيْرٌ. -: فأتاهم، ف قال: قد عرَفتم عُزْلتى، فبُجَيْرٌ بكُلَيْبٍ - وهو أعَزُّ العرب - وكُفُّوا عن الحرب. فقالوا: بُجَيْرٌ بِشِسْعِ نَعْلِ كُلَيْبٍ. فقاتَلَهم: وكان مُعْتَزِلا. قال: قال: إنه نَزَلَ فى ذلك وغيرِه -: مما كانوا يحكمون به فى الجاهلية. - هذا الحكمُ الذي أحكيه كلَّه بعد هذا؛ وحَكم اللّه بالعدل: فسَوَّى فى الحكم بين عباده: الشريفِ منهم، والوضيع: {أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللّه حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.ف قال: إن الإسلامَ نَزَل: وبعضُ العرب يَطلُبُ بعضاً بدماءٍ وجِرَاحٍ؛ فنزل فيهم: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ} الآية: .. قال: وكان بَدْءُ ذلك فى حَيَّيْنِ -: من العرب -: اقتتلوا قبل الإسلام بقليل؛ وكان لأحخد الحيَّيْنِ فضلٌ عَلَى الآخَر: فأقسموا باللّه: لَيَقْتُلُنَّ بالأنثى الذكرَ، وبالعبد منهم الحرَّ. فلما نزلت هذه الآيةُ: رَضُوا وسَلمُوا. قال الشافعى: وما أشْبَهَ ما قالوا من هذا، بما قالوا -: لأن اللّه (عز وجل) إنما ألزَم كلَّ مذنب ذنبَه، ولم يَجْعلْ جُرْمَ أحد على غيره: ف قال: {ٱلْحُرُّ بِالْحُرِّ}: إذا كان (واللّه أعلم) قاتلا له؛ {وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ}: إذا كان قاتلا له؛ {وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ}: إذا كانت قاتلةً لها. لا: أنْ يُقْتَلَ بأحد -: ممن لم يَقتلْه. -: لفضل المقتولِ على القاتلِ. وقد جاء عن النبى (صلى اللّه عليه وسلم): أعدي الناس على اللّه (عز وجل): مَنْ قَتل غيرَ قاتِله.وما وصفتُ -: من أنْ لم أعلمْ مخالفاً: فى أنْ يُقتلَ الرجلُ بالمرأة. - دليلُ: أنْ لو كانت هذه الآيةُ غيرَ خاصة - كما قال مَن وصفتُ قولَه: من أهل التفسير. -: لم يُقتَلْ ذكرٌ بأنثى.. (أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، نا أبو العباس، نا الربيع، أنا الشافعى، قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِي ٱلْقَتْلَى}.فكان ظاهرُ الآية (واللّه أعلم): أن القصاصَ إنما كُتب على البالغينَ المكتوبِ عليهم القصاصُ -: لأنهم المخاطَبون بالفرائض. -: إذا قتلوا المؤمنين. بابتداء الآية، وقولِه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} ؛ لأنه جَعَل الأُخُوَّةَ بين المؤمنين، ف قال: {إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ؛ وقَطَع ذلك بين المؤمنين والكافرين. قال: ودَلَّتْ سنةُ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): على مثل ظاهر الآية.. قال الشافعى: قال اللّه (جل ثناؤه) فى أهل التوراة: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ} . قال: ولا يجوز (واللّه أعلم) فى حكم اللّه (تبارك وتعالى) بيْن أهل التوراة -: أن كان حكما بَيِّناً. - إلا: ما جاز فى قوله:{وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ} .ولا يجوز فيها إلا: أن يكون: كلُّ نفس مُحرَّمةِ القتل: فعلى مَنْ قَتَلها القَوَدُ. فيلزمُ من هذا: أن يُقتَلَ المؤمنُ: بالكافر المعاهَدِ، والمسْتَأمَنِ؛ والمرأةِ والصبىِّ: من أهل الحربِ؛ والرجلُ: بعبده وعبدِ غيره: مسلماً كان، أو كافراً؛ والرجلُ: بولده إذا قتله.أو: يكونَ قولُ اللّه عزوجل: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً}: ممن دمُه مكافىءٌ دمَ قتلَه؛ وكلُّ نفس: كانت تُقَادُ بنفس: بدلالة كتاب اللّه، أو سنةٍ، أو إجماعٍ. كما كان قولُ اللّه عزوجل: {وَٱلأُنثَىٰ بِٱلأُنْثَىٰ}: إذا كانت قاتلةً خاصةً؛ لا: أن ذَكَراً لا يُقْتَلُ بأنثى.وهذا أولى معانيه به (واللّه أعلم): لأن عليه دلائلَ، منها: قولُ رسول اللّه (صلى اللّه عليه وسلم):لا يُقتَلُ مؤمنٌ بكافر؛ والإجماعُ: على أن لا يُقتلَ المرءُ بابنه: إذا قتله؛ والإجماعُ: على أن لا يُقتلَ الرجلُ: بعبده، ولا بمُسْتَأْمَنٍ: من أهل دار الحرب؛ ولا بامرأةٍ: من أهل دار الحرب؛ ولا صبىٍّ. قال: وكذلك: ولا يُقتلُ الرجلُ الحرُّ: بالعبد، بحال.. * * * (أنا) أبو عبد اللّه الحافظُ، وأبو زكريا بنُ أبى إسحاقَ؛ قالا: نا أبو العباس، أنا الربيع، أنا الشافعى: أنا مُعاذُ بن موسى، عن بُكَيْرِ ابن معروف، عن مُقاتِل بن حَيَّانَ؛ قال معاذٌ: قال مُقاتلٌ: أخذتُ هذا التفسيرَ عن نفرٍ - حفظ معاذ منهم: مُجاهدا، والحسنَ، والضَّحَاكَ ابنَ مُزَاحِمٍ. - فى قوله عز وجل {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}؛ إلى آخر الآية: . قال: كان كُتِب على أهل التوراة: مَن قَتل نفساً بغير نفس، حَقَّ: أن يُقَاد بها؛ ولا يُعفَى عَنهُ، ولا يُقبلُ منه الديةُ. وفُرِض على أهل الإنجيل: أن يُعفَى عنه، ولا يُقتلَ. ورُخِّص لأمة محمد (صلى اللّه عليه وسلم): إن شاء قَتَل، وإن شاء أخَذ الدِّيةَ، وإن شاء عَفى. فذلك: قولُه عز وجل: {ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}؛ يقول: الدِّيَةُ تخفيفٌ من اللّه: إذ جَعَل الديةَ، ولا يُقتلُ. ثم قال: {فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ يقول: فمن قَتَل بعد أخذِ الدِّيَةِ: فله عذابٌ أليمٌ. |
﴿ ١٧٨ ﴾