سورة التّوبة

١-٤

{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللّه وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ... }

١) الجهاد (على من يجب)

٢) الجهاد (المهادنة)

٣) الجهاد (الصلح والمعاهدات)

وبهذا الإسناد،

قال الشافعى: فَرَض اللّه (عز وجل): قتالَ غيرِ أهلِ الكتابِ حتى يُسلِموا، وأهلِ الكتابِ حتى يُعْطُوا الجِزْيَة

قال: {لاَ يُكَلِّفُ ٱللّه نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} . فبِذَا فُرِض على المسلمين ما أطاقُوه؛ فإذا عَجَزُوا عنه: فإنما كُلِّفُوا منه ما أطاقُوه؛ فلا بأسَ: أنْ يَكُفُّوا عن قتالِ الفَرِيقَيْنِ: من المشركينَ؛ وأنْ يُهَادِنُوهُم.

ثم ساق الكلامَ، إلى أن

قال: فهادَنَهُم رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) (يعنى: أهلَ مكةَ، بالحُدَيْبِيَةِ) فكانتْ الهُدْنةُ بيْنه وبيْنهم عَشْرَ سِنِينَ؛ ونَزَل عليه - فى سفرِه - فى أمرِهم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللّه} .

قال الشافعى: قال ابن شهاب: فما كان فى الإسلام فَتْحٌ أعْظمَ منه.. وذَكَر: دُخولَ الناسِ فى الإسلامِ: حينَ أمِنُوا.

وذَكَر الشافعى - فى مُهَادَنَةِ مَن يَقْوَى على قتاله -: أنه ليس له مُهادَنَتُهم على النَّظَرِ: على غيرِ جِزْيةٍ؛ أكثرَ من أربعةِ أشهرٍ. لقوله عز وجل: {بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللّه وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} .

قال الشافعى: لمَّا قَوِىَ أهلُ الإسلامِ: أنزَل اللّه (تعالى) على النبى (صلى اللّه عليه وسلم) مَرْجِعَه من تَبُوكَ: {بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللّه وَرَسُولِهِ}..

ثم ساق الكلامَ. إلى أن

قال: فقيل: كان الذين عاهدُوا النبىَّ (صلى اللّه عليه وسلم): قوماً مُوَادِعِينَ، إلى غيرِ مُدَّةٍ معلومةٍ. فجَعلَها اللّه (عز وجل): أربعةَ أشهرٍ؛ ثم جَعلَها رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) كذلك. وأمَرَ اللّه نبيَّه (صلى اللّه عليه وسلم) فى قوم -: عاهدَهم إلى مدةٍ، قبلَ نزولِ الآية. -: أنْ يُتِمَّ إليهم عهدَهم، إلى مُدَّتِهم: ما استقاموا له؛ ومَن خاف منه خِيانةً -: منهم - نَبَذَ إليه. فلم يَجُزْ: أنْ يُسْتَأنَفَ مدَّةٌ، بعدَ نزولِ الآيةِ -: وبالمسلمينَ قُوَّةٌ . - إلى أكثرَ من أربعةِ أشهرٍ.

* * *

واحتَجَّ: بأنَّ رسولَ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) صالَح قُرَيْشاً بالْحُدَيْبِيَةِ: على أنْ يَرُدَّ مَن جاء منهم؛ فأنزَل اللّه (تبارك وتعالى) فى امرأةٍ جاءتْه منهم: مُسلشمَةً؛ (سمَّاها فى موضع آخَرَ: أمَّ كُلْثُومٍ بنتَ عُقْبَةَ بنِ أبى مُعَيْطٍ.): {إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ}؛ إلى: {فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ} الآيةَ: إلى قوله: {وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ} . ففَرَضَ اللّه (عز وجل) عليهم: أن لا يَرُدُّوا النساءَ؛ وقد أعْطَوْهم: رَدَّ مَنْ جاء منهم؛ وهنَّ منهم فَحَبَسَهُنَّ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): بأمْرِ اللّه عز وجل..

قال: عاهَدَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم) قوما: من المشركينَ؛ فأنزل اللّه (عز وجل) عليه: {بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللّه وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ} ..

قال الشافعى - فى صُلْح أهلِ الْحُدَيْبِيَةِ، ومَن صالَحَ: من المشرَكين. -: كان صُلْحُه لهم طاعةً للّه؛ إمَّا: عن أمْرِ اللّه: بما صَنَع؛ نصّاً؛ وإما أنْ يكونَ اللّه (عز وجل) جَعَل له: أنْ يَعْقِدَ لِمَنْ رأَى: بما رأَى؛ ثم أنزَل قضاءَه عليه: فصارُوا إلى قضاءِ اللّه جل ثناؤه؛ ونَسَخَ رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم فِعلَه، بفعلِه: بأمْرِ اللّه. وَكلٌّ كان: طاعةً للّه؛ فى وقْتِه.. وبسَطَ الكلامَ فيه.

وبهذا الإسناد،

قال الشافعى (رحمه اللّه): وكان بَيِّناً فى الآيةِ: مَنْعُ المؤمناتِ المهاجِراتِ، من أنْ يُرْدَدْنَ إلى دارِ الكفرِ؛ وقَطْعُ العِصْمةِ -:بالإسلامِ. - بيْنَهُنَّ، وبيْنَ أزواجِهِنَّ. ودَلَّتْ السنةُ: على أنَّ قَطْعَ العِصمةِ: إذا انْقَضَتْ عِدَدُهُنَّ، ولم يُسْلِمْ أزواجُهُنَّ: من المشركين. وكان بَيِّناً فى الآية: أن يُرَدَّ على الأزواج نفقاتُهُم؛ ومعقولٌ فيها: أنَّ نفقاتِهِم التى تُرَدُّ: نفقاتُ اللاَّتى مَلَكُوا عَقْدَهُنَّ؛ وهى: المهورُ؛ إذا كانوا قد أعطَوْهُنَّ إيَّاها. وبَيِّنٌ: أنَّ الأزواجَ: الذين يُعْطَوْنَ النفقاتِ -: لأنهم الممنُوعُون من نسائهم. - وأنَّ نساءَهم: المأذونُ للمسلمين أنْ يَنْكِحُوهُنَّ: إذا آتَوْهُنَّ أُجُورَهُنَّ. لأنه لا إشْكالَ عليهم: فى أنْ يَنكِحُوا غيرَ ذواتِ الأزواجِ؛ إنما كان الإشْكالُ: فى نكاحِ ذواتِ الأزواجِ؛ حتى قطَعَ اللّه عِصْمَةَ الأزواجِ: بإسلامِ النساءِ؛ وبَيّنَ رسولُ اللّه (صلى اللّه عليه وسلم): أن ذلك: بمُضِىِّ العِدّةِ قبلَ إسلامِ الأزواجِ.فلا يُؤدِّى أحدٌ نفقةً فى امرأةٍ فاتَتْ، إلا ذواتِ الأزواجِ.

﴿ ١