٧٥

أفتطمعون أن يؤمنوا . . . . .

الطمع : تعلق النفس بإدراك مطلوب ، تعالقاً قوياً ، وهو أشدّ من الرجاء ، لأنه لا يحدث إلا عن قوة رغبة وشدّة إرادة ، وإذا اشتدّ صار طمعاً ، وإذا ضعف كان رغبة ورجاء . يقال : طمع يطمع طمعاً وطماعة وطماعية مخففاً ، كطواعية ، قال الشاعر :

طماعية أن يغفر الذنب غافره

واسم الفاعل : طمع وطامع ، ويعدّي بالهمزة ،

ويقال : طامعه مطامعه ،

ويقال : طمع بضم الميم ، كثر طعمه ، وضدّ الطمع : اليأس ، قال كثير : لا خير في الحب وقفاً لا يحركه

عوارض اليأس أو يرتاجه الطمع

ويقال : امرأة مطماع ، أي تطمع ولا تمكن ، وقد توسع في الطمع فسمى به رزق الجند ، يقال : أمر لهم الأمير بإطماعهم ، أي أرزاقهم ، وهو من وضع المصدر موضع المفعول . الكلام : هو القول الدال على نسبة إسنادية مقصودة لذاتها ، ويطلق أيضاً على الكلمة ، ويعبر به أيضاً عن الخط والإشارة ، وما يفهم من حال الشيء . وهل يطلق على المعاني القائمة بالذهن التي يعبر عنها بالكلام ؟ في ذلك خلاف ، وتقاليبه الست موضوعة ، وترجع إلى معنى القوة والشدة ، وهي : كلم ، كمل ، لكم ، لمك ، ملك ، مكل . التحريف : إمالة الشيء من حال إلى حال ، والحرف : الحد المائل . التحديث : الإخبار عن حادث ، ويقال منه يحدث ، وأصله من الحدوث ، وأصل فعله أن يتعدى إلى واحد بنفسه ، وإلى آخر بعن ، وإلى ثالث بالباء ، فيقال : حدثت زيداً عن بكر بكذا ، ثم إنه قد يضمن معنى أعلم المنقولة من علم المتعدية إلى اثنين ، فيتعدى إلى ثلاثة ، وهي من إلحاق غير سيبويه بأعلم ، ولم يذكر سيبويه مما يتعدى إلى ثلاثة غير : أعلم ، وأرى

ونبأ ،

وأما حدّث فقد أنشدوا بيت الحارث بن حلزة : أو منعتم ما تسألون فمن

حدثتموه له علينا العلاء

وجعلوا حدث فيه متعدية إلى ثلاثة ، ويحتمل أن يكون التقدير : حدثتموا عنه . والجملة بعده حال . كما خرج سيبويه قوله : ونبئت عبد اللّه ، أي عن عبد اللّه ، مع احتمال أن يكون ضمن نبئت معنى : أعلمت ، لكن رجح عنده حذف حرف الجر على التضمين . وإذا احتمل أن يخرج بيت الحارث على أن يكون مما حذف منه الحرف ، لم يكن فيه دليل على إثبات تعدى حدث إلى ثلاثة بنفسه ، فينبغي أن لا يذهب إلى ذلك ، إلا أن يثبت من لسان العرب . الفتح : القضاء بلغة اليمن ،  { وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} والأذكار : فتح على الإمام ، والظفر :{ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ} قال الكلبي : وبمعنى القصص . قال الكسائي : وبمعنى التبيين . قال الأخفش : وبمعنى المن . وأصل الفتح : خرق الشيء ، والسد ضده . المحاجة : من الاحتجاج ، وهو القصد للغلبة ، حاجه : قصد أن يغلب . والحجة : الكلام المستقيم ، مأخوذ من محجة الطريق .

أسر الشيء : أخفاه ، وأعلنه : أظهره . الأميّ : الذي لا يقرأ في كتاب ولا يكتب ، نسب إلى الأم لأنه ليس من شغل النساء أن يكتبن أو يقرأن في كتاب ، أو لأنه بحال ولدته أمه لم ينتقل عنها ، أو نسب إلى الأمة ، وهي القامة والخلقة ، أو إلى الأمة ، إذ هي ساذجة قبل أن تعرف المعارف . الأماني : جمع أمنية ، وهي أفعولة ، أصله : أمنوية ، اجتمت ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، وهي من منى ، إذا قدّر ، لأن المتمني يقدر في نفسه ويحزر ما يتمناه ، أو من تمنى : أي كذب . قال أعرابي لابن دأب في شيء حدث به : أهذا شيء رويته أم تمنيته . أي اختلقته . وقال عثمان : ما تمنيت ولا تغنيت منذ أسلمت ، أو من تمني إذا تلا ،

قال تعالى :{ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِى أُمْنِيَّتِهِ } ،أي إذا تلا

وقرأ ، وقال الشاعر : تمنى كتاب اللّه أول ليله

وآخره لاقى حمام المقادر

والتلاوة والكذب راجعان لمعنى التقدير ، فالتقدير أصله ، قال الشاعر : ولا تقولن لشيء سوف أفعله

حتى تبين ما يمنى لك الماني

أي يقدر ، وجمعها بتشديد الياء لأنه أفاعيل . وإذا جمع على أفاعل خففت الياء ، والأصل التشديد ، لأن الياء الأولى في الجمع هي الواو التي كانت في المفرد التي انقلبت فيه ياء ، ألا ترى أن جمع أملود أماليد ؟ ويل : الويل مصدر لا فعل له من لفظه ، وما ذكر من قولهم . وأل مصنوع ، ولم يجيء من هذه المادة التي فاؤها واو وعينها ياء إلا : ويل ، وويح ، وويس ، وويب ، ولا يثني ولا يجمع .

ويقال : ويله ، ويجمع على ويلات . قال :

فقالت لك الويلات إنك مرجلي

وإذا أضيف ويل ، فالأحسن فيه النصب ،

قال تعالى :{ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى اللّه كَذِباً} وزعم بعض

أنه إذا أضيف لا يجوز فيه إلا النصب ، وإذا أفردته اختير الرفع ، قال : { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ } ، ويجوز النصب ، قال :

فويلاً لتيم من سرابيلها الخضر

والويل : معناه الفضيحة والحسرة ، وقال الخليل : الويل : شدة الشر ، وقال المفضل وابن عرفة : الويل : الحزن ، يقال : تويل الرجل : دعا بالويل ، وإنما يقال ذلك عند الحزم والمكروه . وقال غيره : الويل : الهلكة ، وكل من وقع في هلكة دعا بالويل ، وقال الأصمعي : هي كلمة تفجع ، وقد يكون ترحماً ، ومنه :

ويل أمه مسعر حرب

الأيدي : جمع يد ، ويد مما حذف منه اللام ، ووزنه فعل ، وقد صرح بالأصل . قالوا : يدي ، وقد أبدلوا من الياء الأولى همزة ، قالوا : قطع اللّه أدية ، وأبدلوا منها أيضاً جيماً ، قالوا : لا أفعل ذلك جد الدهر ، يريدون يد الدهر ، وهي حقيقة في الجارحة ، مجاز في غيرها .

وأما الأيادي فجمع الجمع ، وأكثر استعمال الأيادي في النعم ، والأصل : الأيدي ، استثقلنا الضمة على الياء فحذفت ، فسكنت الياء ، وقبلها قسمة ، فانقلبت واواً ، فصار الأيد . وكما قيل في ميقن موقن ، ثم إنه لا يوجد في لسانهم واو ساكنة قبلها ضمة في اسم ، وإذا أدى القياس إلى ذلك ، قلبت تلك الواو ياء وتلك الضمة قبلها كسرة ، فصار الأيدي . وقد تقدم الكلام على اليد عند الكلام على قوله :{ لّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا} الكسب : أصله اجتلاب النفع ، وقد جاء في اجتلاب الضر ، ومنه : بلى من كسب سيئة ، والفعل منه يجيء متعدياً إلى واحد ، تقول : كسبت مالاً ، وإلى اثنين تقول : كسبت زيداً مالاً . وقال ابن الأعرابي ؛ يقال : كسب هو نفسه وأكسب غيره ، وأنشد :

فأكسبني مالاً وأكسبته حمداً

المسّ : الإصابة ، والمسّ : الجمع بين الشيئين على نهاية القرب ، واللمس : مثله لكن مع الإحساس ، وقد يجيء المسّ مع الإحساس . وحقيقة المس واللمس باليد . ونقل من الإحساس إلى المعاني مثل :{ أَنّى مَسَّنِىَ الشَّيْطَانُ }{ يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسّ } ، ومنه سمي الجنون مساً ،

وقيل : المسّ واللمس والجسّ متقارب ، إلا أن الجسّ عام في المحسوسات ، والمسّ فيما يخفى ويدق ، كنبض العروق ، والمسّ واللمس بظاهر البشرة ، والمسّ كناية عن النكاح وعن الجنون . المعدود : اسم مفعول من عدّ ، بمعنى حسب ، والعدد هو الحساب . الإخلاف : عدم الإيفاء بالشيء الموعود . بلى : حرف جواب لا يقع إلا بعد نفي في اللفظ أو المعنى ، ومعناها : ردّه ، سواء كان مقروناً به أداة الإستفهام ، أو لم يكن ، وقد وقع جواباً للاستفهام في مثل : هل يستطيع زيد مقاومتي ؟ إذا كان منكراً لمقاومة زيد له ، لما كان معناه النفي ، ومما وقعت فيه جواباً للاستفهام قول الحجاف بن حكيم : بل سوف نبكيهم بكل مهند

ونبكي نميراً بالرماح الخواطر

وقعت جواباً للذي قال له ، وهو الأخطل :

ألا فاسأل الحجاف هل هو ثائر

بقتلي أصيبت من نمير بن عامر

وبلى عندنا ثلاثي الوضع ، وليس أصله بل ، فزيدت عليها الألف خلافاً للكوفيين . السيئة : فيعلة من ساء يسوء مساءة ، إذا حزن ، وهي تأنيث السيىء ، وقد تقدّم الكلام على هذا الوزن عند الكلام على قوله : {أَوْ كَصَيّبٍ } ، فأغنى عن إعادته .

{أفتطمعون أن يؤمنوا لكم } : ذكروا في سبب نزول هذه الآية أقاويل :

أحدها : أنها نزلت في الأنصار ، وكانوا حلفاء لليهود ، وبينهم جوار ورضاعة ، وكانوا يودون لو أسلموا .

وقيل : كان النبي صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنون يودون إسلام من بحضرتهم من أبناء اليهود ، لأنهم كانوا أهل كتاب وشريعة ، وكانوا يغضبون لهم ويلطفون بهم طمعاً في إسلامهم .

وقيل : نزلت فيمن بحضرة النبي صلى اللّه عليه وسلم من أبناء السبعين الذين كانوا مع موسى عليه السلام في الطور ، فسمعوا كلام اللّه ، فلم يمتثلوا أمره ، وحرّفوا القول في أخبارهم لقومهم ، وقالوا : سمعناه يقول إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا ، وإن شئتم فلا تفعلوا .

وقيل : نزلت في علماء اليهود الذين يحرفون التوراة ، فيجعلون الحلال حراماً ، والحرام حلالاً ، اتباعاً لأهوائهم .

وقيل : إن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : { لا يدخل علينا قصبة المدينة إلا مؤمن} . قال كعب بن الأشرف ووهب بن يهوذا وأشباههما : اذهبوا وتجسسوا أخبار من آمن ، وقولوا لهم آمنا ، واكفروا إذا رجعتم ، فنزلت .

وقيل : نزلت في قوم من اليهود قالوا لبعض المؤمنين : نحن نؤمن أنه نبي ، لكن ليس إلينا ، وإنما هو إليكم خاصة ، فلما خلوا ، قال بعضهم : أتقرون بنبوّته وقد كنا قبل نستفتح به ؟ فهذا هو الذي فتح اللّه عليهم من علمه .

وقيل : نزلت في قوم من اليهود كانوا يسمعون الوحي ، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه .

وهذه الأقاويل كلها لا تخرج عن أن الحديث في اليهود الذين كانوا في زمان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، لأنهم الذين يصح فيهم الطمع أن يؤمنوا ، لأن الطمع إنما يصح في المستقبل ، والضمير في { أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ } لليهود . والمعنى : استبعد إيمان اليهود ، إذ قد تقدّم لأسلافهم أفاعيل ، وجزى أبناؤهم عليها . فبعيد صدور الإيمان من هؤلاء ، فإن قيل : كيف يلزم من إقدام بعضهم على التحريف حصول اليأس من إيمان الباقين ؟ قيل : قال القفال : يحتمل أن يكون المعنى : كيف يؤمن هؤلاء وهم إنما يأخذون دينهم ويتعلمونه من قوم يحرفون عناداً ؟ فإنما يعلمونهم ما حرفوه وغيروه عن وجهه ، والمقلدون يقبلون ذلك منهم ، فلا يلتفتون إلى الحق .

وقيل : إياسهم من إيمان فرقة بأعيانهم .

والهمزة في أفتطعمون للاستفهام ، وفيها معنى التقرير ، كأنه قال : قد طمعتم في إيمان هؤلاء وحالهم ما ذكر .

وقيل : فيه ضرب من النكير على الرغبة في إيمان من شواهد امتناعه قائمة . واستبعد إيمانهم ، لأنهم كفروا بموسى ، مع ما شاهدوا من الخوارق على يديه ، ولأنهم ما اعترفوا بالحق ، مع علمهم ، ولأنهم لا يصلحون للنظر والاستدلال . والخطاب في أفتطعمون ، للنبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة . خاطبه بلفظ الجمع تعظيماً له ، قاله ابن عباس ومقاتل ، أو للمؤمنين ، قاله أبو العالية وقتادة ، أو للأنصار ، قاله النقاش ، أو لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم والمؤمنين ، أو لجماعة من المؤمنين ، أو لجماعة من الأنصار . والفاء بعد الهمزة أصلها التقديم عليها ، والتقدير : أفتطعمون ، فالفاء للعطف ، لكنه اعتنى بهمزة الاستفهام ، فقدمت عليها . والزمخشري يزعم أن بين الهمزة والفاء فعل محذوف ، ويقر الفاء على حالها ، حتى تعطف الجملة بعدها على الجملة المحذوفة قبلها ، وهو خلاف مذهب سيبويه ، ومحجوج بمواضع لا يمكن تقدير فعل فيها ، نحو قوله :{أَوْ مِن يُنَشَّأُ فِى الْحِلْيَةِ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } ،{ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ} أن يؤمنوا معمول لتطعمون على إسقاط حرف الجر ، التقدير :

في أن يؤمنوا ، فهو في موضع نصب ، على مذهب سيبويه ، وفي موضع جر ، على مذهب الخليل والكسائي . ولكم : متعلق بيؤمنوا ، على أن اللام بمعنى الباء ، وهو ضعيف ، ولام السبب أي أن يؤمنوا لأجل دعوتكم لهم .

{وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللّه } ، الفريق : قيل : الأحبار الذين حرفوا التوراة في صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم ، قاله مجاهد والسدّي .

وقيل : جماعة من اليهود كانوا يسمعون الوحي ، إذا نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيحرفونه ، قصد أن يدخلوا في الدين ما ليس فيه ، ويحصل التضاد في أحكامه .

وقيل : كل من حرف حكماً ، أو غيره ، كفعلهم في آية الرجم ونحوها .

وقيل : هم السبعون الذين سمعوا مع موسى عليه السلام كلام اللّه ، ثم بدلوا بعد ذلك ، وقد أنكر أن يكونوا سمعوا كلام اللّه تعالى . قال ابن الجوزي : أنكر ذلك أهل العلم ، منهم : الترمذي ، صاحب النوادر ، وقال : إنما خص موسى عليه السلام بالكلام وحده . وكلام اللّه الذي حرفوه ، قيل : هو التوراة ، حرفوها بتبديل ألفاظ من تلقائهم ، وهو قول الجمهور .

وقيل : بالتأويل ، مع بقاء لفظ التوراة ، قاله ابن عباس .

وقيل : هو كلام اللّه الذي سمعوه على الطور .

وقيل : ما كانوا يسمعونه من الوحي المنزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وقرأ الأعمش : كلم اللّه ، جمع كلمة ، وقد يراد بالكلمة : الكلام ، فتكون القراءتان بمعنى واحد . وقد يراد المفردات ، فيحرفون المفردات ، فتتغير المركبات ، وإسنادها بتغير المفردات .{ ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ } : التحريف الذي وقع ، قيل : في صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، فإنهم وصفوه بغير الوصف الذي هو عليه ، حتى لا تقوم عليهم به الحجة .

وقيل : في صفته ، وفي آية الرجم .{ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ } أي من بعد ما ضبطوه وفهموه ، ولم تشتبه عليهم صحته . وما مصدرية ، أي من بعد عقلهم إياه ، والضمير في عقلوه عائد على كلام اللّه .

وقيل : ما موصولة ، والضمير عائد عليها ، وهو بعيد .

{وَهُمْ يَعْلَمُونَ } : ومتعلق العلم محذوف ، أي أنهم قد حرفوه ، أو ما في تحريفه من العقاب ، أو أنه الحق ، أو أنهم مبطلون كاذبون . والواو في قوله :{ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ } ،

وفي قوله :{ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ، واو الحال . ويحتمل أن يكون العامل في الحال قوله :{ أفتطعمون } ؟ ويحتمل أن يكون :{ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ} فعلى الأول يكون المعنى : أفيكون منكم طمع في إيمان اليهود ؟ وأسلافهم من عادتهم تحريف كلام اللّه ، وهم سالكو سننهم ومتبعوهم في تضليلهم ، فيكون الحال قيداً في الطمع المستبعد ، أي يستبعد الطمع في إيمان هؤلاء وصفتهم هذه . وعلى الثاني يكون المعنى استبعاد الطمع في أن يقع من هؤلاء إيمان ، وقد كان أسلافهم على ما نص من تحريف كلام اللّه تعالى . فعلى هذا يكون الحال قيداً في أيمانهم . وعلى كلا التقديرين ، فكل منهما ، أعني من : أفتطعمون ، ومن يؤمنوا ، مقيد بهذه الحال من حيث المعنى . وإنما الذي ذكرناه تقتضيه صناعة الإعراب . وبيان التقييد من حيث المعنى أنك إذا

قلت : أتطمع أن يتبعك زيد ؟ وهو متبع طريقة أبيه ، فاستبعاد الطمع مقيد بهذه الحال ، ومتعلق الطمع ، الذي هو الاتباع المفروض وقوعه ، مقيد بهذه الحال . فمحصوله أن وجود هذه الحال لا يجامع الاتباع ، ولا يناسب الطمع ، بل إنما كان يناسب الطمع ويتوقع الاتباع ، مع انتفاء هذه الحال .

وأما العامل في قوله :{ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ، فقوله :{ ثُمَّ يُحَرّفُونَهُ } ،أي يقع التحريف منهم بعد تعقله وتفهمه ، عالمين في تحريفه من شديد العقاب ، ومع ذلك فهم يقدمون على ذلك ، ويجترئون عليه . والإنكار على العالم أشدّ من الإنكار على الجاهل ، لأن عند العالم دواعي الطاعة ، لما علم من ثوابها ، وتواني المعصية لما علم من عقابها . وذهب بعضهم إلى أن العامل في قوله :{ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ، قوله :{ عَقَلُوهُ } ، والظاهر القول الأول ، وهو قوله :{ يُحَرّفُونَهُ}

﴿ ٧٥