٨٣وإذ أخذنا ميثاق . . . . . الولدان : الأب والأمّ ، وكل منهما يطلق عليه والد ، وظاهر الإطلاق الحقيقة . قال : وذي ولد لم يلده أبوان ويقال للأم : والد ووالدة ، وقيل : الوالد للأب وحده ، وثنياً تغليباً للمذكر . الإحسان : النفع بكل حسن . ذو : بمعنى صاحب ، وهو من الأسماء الستة التي ترفع ، وفيها الواو ، وتنصب وفيها الألف ، وتجرّ وفيها الياء . وأصلها عند سيبويه ، ذوي ، ووزنها عنده : فعل ، وعند الخليل : ذوّة ، من باب خوّة ، وقوّة ، ووزنها عنده فعل ، وهو لازم الإضافة ، وتنقاس إضافته إلى اسم جنس ، وفي إضافته إلى مضمر خلاف ، وقد يضاف إلى العلم وجوباً ، إذا اقترنا وضعاً ، كقولهم : ذو جدن ، وذو يزن ، وذو رعين ، وذو الكلاع ، وإن لم يقترنا وضعاً ، فقد يجوز ، كقولهم : في عمرو ، وقطري : ذو عمرو ، وذو قطري ، ويعنون به صاحب هذا الإسم . وإضافته إلى العلم في وجهته مسموع ، وكذلك : أنا ذوبكة ، واللّهم صلّ على محمد وعلى ذويه . ومما أضيف إلى العلم ، وأريد به معنى : ذي مال ، ومما أضيف إلى ضمير العلم ، وأضيف أيضاً إلى ضمير المخاطب ، قال الشاعر : وإنا لنرجو عاجلاً منك مثل ما رجونا قدماً من ذويك الأفاضل وقد أتت ذو في لغة طيّ موصولة ، ولها أحكام في النحو . القربى : مصدر كالرجعى ، والألف فيه للتأنيث ، وهي قرابة الرحم والصلب ، قال طرفة : وقربت بالقربى وجدك أنه متى يك أمرٌ للنكيثة أشهد وقال أيضاً : وظلم ذوي القربى أشدّ مضاضة على الحر من وقع الحسام المهند اليتامى : فعالى ، وهو جمع لا ينصرف ، لأن الألف فيه للتأنيث ، ومفردة : يتيم ، كنديم ، وهو جمع على غير قياس ، وكذا جمعه على أيتام . وقال الأصمعي : اليتم في بني آدم من قبل الأب ، وفي غيرهم من قبل الأم . وحكى الماوردي : إن اليتم في بني آدم يقال : من فقد الأم ، والأوّل هو المعروف ، وأصله الانفراد . فمعنى صبي يتيم : أي منفرد عن أبيه ، وسميت الدرّة التي لا مثيل لها : يتمة لانفرادها ، قاله ثعلب . وقيل : أصل اليتم : الغفلة ، وسمي الصبي يتيماً ، لأنه يتغافل عن بره . وقيل : أصل اليتم : الإبطاء ، ومنه أخذ اليتيم ، لأن البر يبطىء عنه ، قاله أبو عمرو . المساكين : جمع مسكين ، وهو مشتق من السكون ، فالميم زائدة ، كمحضير من الحضر . وقد روي : تمسكن فلان ، والأصح في اللغة تسكن ، أي صار مسكيناً ، وهو مرادف للفقير ، وهو الذي لا شيء له . وقيل : هو الذي له أدنى شيء . الحسن والحسن ، قيل : هما لغتان : كالبخل والبخل . والحسن : مصدر حسن ، كالقبح مصدر قبح ، مقابل حسن . القليل : اسم فاعل من قلّ ، كما أن كثيراً مقابله اسم فاعل من كثر . يقال ؛ قل يقل قلة وقلاو قلاً ، الإعراض : التولي ، وقيل : التولي بالجسم ، والإعراض بالقلب . والعرض : الناحية ، فيمكن أن يكون قولك : أعرض زيد عن عمرو ، أي صار في ناحية منه ، فتكون الهمزة فيه للصيرورة . الدم : معروف ، وهو محذوف اللام ، وهي ياء ، لقوله : جرى الدميان بالخير اليقين أو : واو ، لقولهم : دموان ، ووزنه فعل . وقيل : فعل ، وقد سمع مقصوراً ، قال : غفلت ثم أتت تطلبه فإذا هي بعظام ودما وقال : ولكن على أعقابنا يقطر الدما في رواية من رواه كذلك ، وقد سمع مشدّد الميم ، قال الشاعر : أهان دمّك فرغاً بعد عزته يا عمرو نعيك إصراراً على الحسد الديار : جمع دار ، وهو قياس في فعل الاسم ، إذا لم يكن مضاعفاً ، ولا معتل لام نحو : طلل ، وفنى . والياء في هذا الجمع منقلبة عن واو ، إذ أصله دوار ، وهو قياس ، أعني هذا الإبدال إذا كان جمعاً واحد معتل العين ، كثوب وحوض ودار ، بشرط أن يكون فعالاً صحيح اللام . فإن كان معتله ، لم يبدل نحو : واو ، وقالوا : في جمع طويل : طوالوطيال . أقرّ بالشيء : اعترف به . تظاهرون : تتعاونون ، كأنّ المتظاهرين يسند كل واحد منهم ظهره إلى صاحبه ، والظهر : المعين . الإثم : الذنب ، جمعه آثام . الأسرى : جمع أسير ، وفعلى مقيس في فعيل ، بمعنى : ممات ، أو موجع ، كقتيل وجريح . وأما الأسارى فقيل : جمع أسير ، وسمع الأسارى بفتح الهمزة ، وليست بالعالية . وقيل : أسارى جمع أسرى ، فيكون جمع الجمع ، قاله المفضل . وقال أبو عمرو بن العلاء : الأسرى : من في اليد ، والأسارى : من في الوثاق ، والأسير : هو المأخوذ على سبيل القهر والغلبة . الفداء : يكسر أوله فيمد ، كما قال النابغة : مهلاً فداء لك الأقوام كلهم وما أثمروا من مال ومن ولد ويقصر ، قال : فدا لك من رب طريفي وتالدي وإذا فتح أوّله قصر ، يقال : قم فدا لك أبي ، قاله الجوهري . ومعنى فدى فلان فلاناً : أي أعطى عوضه . المحرّم : اسم مفعول من حرم ، وهو راجع إلى معنى المنع . تقول : حرمه يحرمه ، إذا منعه . الجزاء : المقابلة ، ويطلق في الخير والشر . الخزي : الهوان . قال الجوهري : خزي ، بالكسر ، يخزى خزياً . وقال ابن السكيت : معنى خزي : وقع في بلية ، وأخزاه اللّه أيضاً ، وخزى الرجل في نفسه يخزى خزاية ، إذا استحيا ، وهو خزيان ، وقوم خزايا ، أو امرأة خزيا . الدنيا : تأنيث الأدنى ، ويرجع إلى الدنو ، ويرجع إلى الدنو ، بمعنى القرب . والألف فيه للتأنيث ، ولا تحذف منها الألف واللام إلا في شعر ، نحو قوله : في سعي دنيا طالما قد مدّت والدنيا تارة تستعمل صفة ، وتارة تستعمل استعمال الأسماء ، فإذا كانت صفة ، فالياء مبدلة من واو ، إذ هي مشتقة من الدنو ، وذلك نحو : العليا . ولذلك جرت صفة على الحياة في قوله : { إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء } ، فأما القصوى والحلوى فشاذ . وإذا استعملت استعمال الأسماء ، فكذلك . وقال أبو بكر بن السرّاج : في { المقصور والممدود} له الدنيا مؤنثة مقصورة ، تكتب بالألف هذه لغة نجد وتميم خاصة ، إلا أن أهل الحجاز وبني أسد يلحقونها ونظائرها بالمصادر ذوات الواو ، فيقولون : دنوى ، مثل : شروى ، وكذلك يفعلون بكل فعلى موضع لامها واو ، ويفتحون أولها ويقلبون الواو ياء ، لأنهم يستثقلون الضمة والواو . {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى إِسْرءيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّه} الآية ، هذه الآية مناسبة للآيات الواردة قبلها في ذكر توبيخ بني إسرائيل وتقريعهم ، وتبيين ما أخذ عليهم من ميثاق العبادة للّه ، وإفراده تعالى بالعبادة ، وما أمرهم به من مكارم الأخلاق ، من صلة الأرحام والإحسان إلى المساكين ، والمواظبة على ركني الإسلام البدني والمالي : ثم ذكر توليهم عن ذلك ، ونقضهم لذلك الميثاق ، على عادتهم السابقة وطريقتهم المألوفة لهم . وإذ : معطوف على الظروف السابقة قبل هذا . والميثاق : هو الذي أخذه تعالى عليهم ، وهم في صلب آبائهم كالذرّ ، قاله : مكي ، وضعف بأن الخطاب قد خصص ببني إسرائيل ، وميثاق الآية فيهم ، أو ميثاق أخذ عليهم وهم عقلاء في حياتهم على لسان موسى عليه السلام وغيره من أنبيائهم ، قاله ابن عطية . وقيل : هو ميثاق أخذ عليهم في التوراة ، بأن يعبدوه ، إلى آخر الآيات . وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي : لا يعبدون ، بالياء . وقرأ الباقون : بالتاء من فوق . وقرأ أبيّ وابن مسعود : لا يعبدوا ، على النهي . فأما لا يعبدون فذكروا في إعرابه وجوهاً . أحدها : أنه جملة منفية في موضع نصب على الحال من بني إسرائيل ، أي غير عابدين إلا اللّه أي موحدين اللّه ومفرديه بالعبادة ، وهو حال من المضاف إليه ، وهو لا يجوز على الصحيح . لا يقال إن المضاف إليه يمكن أن يكون معمولاً في المعنى لميثاق ، إذ يحتمل أن يكون مصدراً ، أو حكمه حكم المصدر . وإذا كان كذلك ، جاز أن يكون المجرور بعده فاعلاً في المعنى ، أو مفعولاً لأن الذي يقدر فيه العمل هو ما انحل إلى حرف مصدري والفعل ، وهنا ليس المعنى على أن ينحل ، لذلك فلا يجوز الحكم على موضعه برفع ولا نصب ، لأنك لو قدرت أخذنا أن نواثق بني إسرائيل ، أو أن يواثقنا بنو إسرائيل ، لم يصح ، بل لو فرضنا كونه مصدراً حقيقة : لم يجز فيه ذلك . ألا ترى أنك لو قلت : أخذت علم زيد ، لم ينحل لحرف مصدري والفعل : لا يقال : أخذت أن يعلم زيد . فإذا لم يتقدر المصدر بحرف مصدري والفعل ، ولا كان من ضربا زيداً ، لم يعمل على خلاف في هذا الأخير ، ولذلك منع ابن الطراوة في ترجمة سيبويه هذا . باب علم ما الكلم من العربية : أن يتقدر المصدّر بحرف مصدري والفعل ، وردّ ذلك على من أجازه . وممن أجازه أن تكون الجملة حالاً بالمبرد وقطرب ، قالوا : ويجوز أن يكون حالاً مقارنة ، وحالاً مقدرة . الوجه الثاني : أن تكون الجملة جواباً لقسم محذوف دل عليه قوله :{ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى إِسْرءيلَ } ،أي استحلفناهم واللّه لا يعبدون ، ونسب هذا الوجه إلى سيبويه ، وأجازه الكسائي والفراء والمبرد . الوجه الثالث : أن تكون أن محذوفة ، وتكون أن وما بعدها محمولاً على إضمار حرف جر ، التقدير : بأن لا تعبدوا إلا اللّه فحذف حرف الجر ، إذ حذفه مع أن ، وأن جائز مطرد ، إذ لم يلبس ، ثم حذف بعد ذلك ، أن ، فارتفع الفعل ، فصار لا تعبدون ، قاله الأخفش ، ونظيره من نثر العرب : مره بحفرها ، ومن نظمها قوله : ألا أيهذا الزّاجري احضر الوغى أصله : مره بأن يحفرها . وعن : أن أحضر الوغى ، فجرى فيه من العمل ما ذكرناه . وهذا النوع من إضمار أن في مثل هذا مختلف فيه ، فمن النحويين من منعه ، وعلى ذلك متأخرو أصحابنا . وذهب جماعة من النوحييو إلى أنه يجوز حذفها في مثل هذا الموضع . ثم اختلفوا فقيل : يجب رفع الفعل إذ ذاك ، وهذا مذهب أبي الحسن . ومنهم من قال بنفي العمل ، وهو مذهب المبرد والكوفيين . والصحيح : قصر ما ورد من ذلك على السماع ، وما كان هكذا فلا ينبغي أن تخرج الآية عليه ، لأن فيه حذف حرف مصدري ، وإبقاء صلته في غير المواضع المنقاس ذلك فيها . الوجه الرابع : أن يكون التقدير : أن لا تعبدوا ، فحذف أن وارتفع الفعل ، ويكون ذلك في موضع نصب على البدل من قوله : { مِيثَاقَ بَنِى إِسْرءيلَ} وفي هذا الوجه ما في الذي قبله من أن الصحيح عدم اقتياس ذلك ، أعني حذف أن ورفع الفعل ونصبه . الوجه الخامس : أن تكون محكية بحال محذوفة ، أي قائلين لا تعبدون إلا اللّه ، ويكون إذ ذاك لفظه لفظ الخبر ، ومعناه النهي ، أي قائلين لهم لا تعبدوا إلا اللّه ، قاله الفراء ، ويؤيده قراءة أبي وابن مسعود ، والعطف عليه قوله :{ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} الوجه السادس : أن يكون المحذوف القول ، أي وقلنا لهم :{ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّه } ، وهو نفي في معنى النهي أيضاً . قال الزمخشري : كما يقول تذهب إلى فلان ، تقول له كذا ، تريد الأمر ، وهو أبلغ من صريح الأمر والهي ، لأنه كان سورع إلى الامتثال والانتهاء ، فهو يخبر عنه . انتهى كلامه ، وهو حسن . الوجه السابع : أن يكون التقدير أن لا تعبدون ، وتكون أن مفسرة لمضمون الجملة ، لأن في قوله :{ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى إِسْرءيلَ } معنى القول ، فحذف أن المفسرة وأبقى المفسر . وفي جواز حذف أن المفسرة نظر . الوجه الثامن : أن تكون الجملة تفسيرية ، فلا موضع لها من الإعراب ، وذلك أنه لما ذكر أنه أخذ ميثاق بني إسرائيل ، كان في ذلك إيهام للميثاق ما هو ، فأتى بهذه الجملة مفسرة للميثاق ، فمن قرأ بالياء ، فلأن بني إسرائيل لفظ غيبة ، ومن قرأ بالتاء ، فهو التفات ، وحكمته الإقبال عليهم بالخطاب ، ليكون أدعى للقبول ، وأقرب للامتثال ، إذ فيه الإقبال من اللّه على المخاطب بالخطاب . ومع جعل الجملة مفسرة ، لا تخرج عن أن يكون نفي أريد به نهي ، إذ تبعد حقيقة الخبر فيه . إلا اللّه : استثناء مفرّغ ، لأن لا تعبدون لم يأخذ مفعوله ، وفيه التفات . إذ خرج من ضمير المتكلم إلى الاسم الغائب . ألا ترى أنه لو جرى على نسق واحد لكان نظم الكلام لا تعبدون إلا إيانا ؟ لكن في العدول إلى الاسم الظاهر من الفخامة ، والدلالة على سائر الصفات ، والتفرّد بالتسمية به ، ما ليس في المضمر ، ولأن ما جاء بعده من الأسماء ، إنما هي أسماء ظاهرة ، فناسب مجاورة الظاهر الظاهر . {وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً } ، المعنى : الأمر بالإحسان إلى الوالدين وبرهما وإكرامهما . وقد تضمنت آي من القرآن وأحاديث كثيرة ذلك ، حتى عد العقوق من الكبائر ، وناهيك احتفالاً بهما كون اللّه قرن ذلك بعبادته تعالى ، ومن غريب الحكايات : أن عمر رأى امرأة تطوف بأبيها على ظهرها ، وقد جاءت به على ظهرها من اليمن ، فقال لها : جزاك اللّه خيراً ، لقد وفيت بحقه ، فقالت : ما وفيته ولا أنصفته ، لأنه كان يحملني ويود حياتي ، وأنا أحمله وأود موته . واختلفوا فيما تتعلق به الباء في قوله : { وَبِالْوالِدَيْنِ } ، وفي انتصاب إحساناً على وجوه : أحدها : أن يكون معطوفاً على لا تعبدون ، أعني على المصدر المنسبك من الحرف المصدري والفعل ، إذ التقدير عند هذا القائل بإفراد اللّه بالعبادة وبالوالدين ، أي وببر الوالدين ، أو بإحسان إلى الوالدين ، ويكون انتصاب إحساناً على المصدر من ذلك المضاف المحذوف ، فالعامل فيه الميثاق ، لأنه به يتعلق الجار والمجرور ، وروائح الأفعال تعمل في الظروف والمجرورات . الوجه الثاني : أن يكون متعلقاً بإحساناً ، ويكون إحساناً مصدراً موضوعاً موضع فعل الأمر ، كأنه قال : وأحسنوا بالوالدين . قالوا : والباء ترادف إلى في هذا الفعل ، تقول : أحسنت به وإليه بمعنى واحد ، وقد تكون على هذا التقدير على حذف مضاف ، أي وأحسنوا ببر الوالدين ، المعنى : وأحسنوا إلى الوالدين ببرهما . وعلى هذين الوجهين يكون العامل في الجار والمجرور ملفوظاً به . قال ابن عطية : ويعترض هذا القول بأن المصدر قد تقدم عليه ما هو معمول له . انتهى كلامه . وهذا الاعتراض ، إنما يتم على مذهب أبي الحسن في منعه تقديم مفعول ، نحو : ضربا زيداً ، وليس بشيء ، لأنه لا يصح المنع إلا إذا كان المصدر موصولاً بأن ينحل لحرف مصدري والفعل ، أما إذا كان غير موصول ، فلا يمتنع تقديمه عليه . فجائز أن تقول : ضربا زيداً ، وزيداً ضرباً ، سواء كان العمل للفعل المحذوف العامل في المصدر ، أو للمصدر النائب عن الفعل ، لأن ذلك الفعل هو أمر ، والمصدر النائب عنه أيضاً معناه الأمر . فعلى اختلاف المذهبين في العامل يجوز التقديم . الوجه الثالث : أن يكون العامل محذوفاً ، ويقدر : وأحسنوا ، أو ويحسنون بالوالدين ، وينتصب إحساناً على أنه مصدر مؤكد لذلك الفعل المحذوف ، فتقديره : وأحسنوا ، مراعاة للمعنى ، لأن معنى لا تعبدون : لا تعبدوا ، أو تقديره ؛ ويحسنون ، مراعاة للفظ لا تعبدون ، وإن كان معناه الأمر . وبهذين قدر الزمخشري هذا المحذوف . الوجه الرابع : أن يكون العامل محذوفاً ، وتقديره : واستوصوا بالوالدين ، وينتصب إحساناً على أنه مفعول ، قاله المهدوي : الوجه الخامس : أن يكون العامل محذوفاً ، وتقديره : ووصيناهم بالوالدين ، وينتصب إحساناً على أنه مفعول من أجله ، أي ووصيناهم بالوالدين إحساناً منا ، أي لأجل إحساننا ، أي أن التوصية بهما سببها إحساننا ، إما لأن من شأننا الإحسان ، أو إحساناً منا للموصين ، إذ يترتب لهم على امتثال ذلك الثواب الجزيل والأجر العظيم ، أو إحساناً منا للموصى بهم . وقد جاء هذا الفعل مصرّحاً به في قوله تعالى :{ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} والمختار ، الوجه الثاني : لعدم الإضمار فيه ، ولاطراد مجيء المصدر في معنى فعل الأمر . {وَذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ } : معطوف على قوله : وبالوالدين . وكان تقديم الوالدين لأنهما آكد في البر والإحسان ، وتقديم المجرور على العامل اعتناء بمتعلق الحرف ، وهما الوالدان ، واهتماماً بأمرهما . وجاء هذا الترتيب اعتناء بالأوكد . فبدأ بالولدين ، إذ لا يخفى تقدمهما على كل أحد في الإحسان إليهما ، ثم بذي القربى ، لأن صلة الأرحام مؤكدة أيضاً ، ولمشاركته الوالدين في القرابة ، ثم باليتامى ، لأنهم لا قدرة لهم تامة على الاكتساب ، وقد جاء : { أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة } وغير ذلك من الآثار ، ثم بالمساكين لما في الإحسان إليهم من الثواب . وتأخرت درجة المساكين ، لأنه يمكنه أن يتعهد نفسه بالاستخدام ، ويصلح معيشته ، بخلاف اليتامى ، فإنهم لصغرهم لا ينتفع بهم ، وهم محتاجون إلى من ينفعهم . وأول هذه التكاليف هو إفراد اللّه بالعبادة ، ثم الإحسان إلى الوالدين ، ثم إلى ذي القربى ، ثم إلى اليتامى ، ثم إلى المساكين . فهذه خمسة تكاليف تجمع عبادة اللّه ، والحض على الإحسان للوالدين ، والمواساة لذي القربى واليتامى والمساكين ، وأفرد ذا القربى ، لأنه أراد به الجنس ، ولأن إضافته إلى المصدر يندرج فيه كل ذي قرابة . {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا } : لما ذكر بعد عبادة اللّه الإحسان لمن ذكر ، وكان أكثر المطلوب فيه الفعل من الصلة والإطعام والافتقاد ، أعقب بالقول الحسن ، ليجمع المأخوذ عليه الميثاق امتثال أمر اللّه تعالى في الأفعال والأقوال ، ف قال تعالى :{ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} ولما كان القول سهل المرام ، إذ هو بدل لفظ لا مال ، كان متعلقه بالناس عموماً إذ لا ضرر على الإنسان في الإحسان إلى الناس بالقول الطيب . وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب : حسناً بفتح الحاء والسين . وقرأ عطاء بن أبي رباح وعيسى بن عمر : حسناً بضمهما . وقرأ أبي وطلحة بن مصرّف : حسنى ، على وزن فعل . وقرأ الجحدري : إحساناً . فأما قراءة الجمهور حسناً ، فظاهره أنه مصدر ، وأنه كان في الأصل قولاً حسناً ، أما على حذف مضاف ، أي ذا حسن ، وأما على الوصف بالمصدر لإفراط حسنه ، وقيل : يكون أيضاً صفة ، لا أن أصله مصدر ، بل يكون كالحلو والمرّ ، فيكون الحسن والحسن لغتين ، كالحزن والحزن ، والعرب والعرب . وقيل : انتصب على المصدر من المعنى ، لأن المعنى : وليحسن قولكم حسناً . وأما من قرأ : حسناً بفتحتين ، فهو صفة لمصدر محذوف ، أي وقولوا للناس قولاً حسناً . وأما من قرأ بضمتين ، فضمة السين إتباع لضمة الحاء . وأما من قرأ : حسنى ، ف قال ابن عطية : رده سيبويه ، لأن أفعل وفعلى لا يجيء إلا معرفة ، إلا أن يزال عنها معنى التفضيل ويبقى مصدراً ، كالعقبى ، فذلك جائز ، وهو وجه القراءة بها . انتهى كلامه . وفي كلامه ارتباك ، لأنه قال : لأن أفعل وفعلى لا يجيء إلا معرفة ، وليس على ما ذكر . أما أفعل فله استعمالات : أحدها : أن يكون بمن ظاهرة ، أو مقدرة ، أو مضافاً إلى نكرة ، فهذا لا يتعرف بحال ، بل يبقى نكرة . والاستعمال الثاني : أن يكون بالألف واللام ، فإذ ذاك يكون معرفة بهما . الثالث : أن يضاف إلى معرفة ، وفي التعريف بتلك الإضافة خلاف ، وذلك نحو : أفضل القوم . وأما فعلى فلها استعمالان : أحدهما : بالألف واللام ، ويكون معرفة بهما . والثاني : بالإضافة إلى معرفة نحو : فضلى النساء . وفي التعريف بهذه الإضافة الخلاف الذي في أفعل ، فقول ابن عطية : لأن أفعل وفعلى لا يجيء إلا معرفة ، ليس بصحيح . وقوله : إلا أن يزال عنها معنى التفضيل ، ويبقى مصدراً ، فيكون فعلى الذي هو مؤنث أفعل ، إذا أزلت منه معنى التفضيل يبقى مصدراً ، وليس كذلك ، بل لا ينقاس مجيء فعلى مصدراً إنما جاءت منه ألفاظ يسيرة . فلا يجوز أن يعتقد في فعلى ، التي مذكرها أفعل ، أنها تصير مصدراً إذا زال منها معنى التفضيل . ألا ترى أن كبرى وصغرى وجلى وفضلى ، وما أشبه ذلك ، لا ينقاس جعل شيء منها مصدراً بعد إزالة معنى التفضيل ؟ بل الذي ينقاس على رأس أنك إذا أزلت منها معنى التفضيل ، صارت بمعنى : كبيرة وصغيرة وجليلة وفاضلة . كما أنك إذا أزلت من مذكرها معنى التفضيل ، كان أكبر بمعنى كبير ، وأفضل بمعنى فاضل ، وأطول بمعنى طويل . ويحتمل أن يكون الضمير في عنها عائداً إلى حسنى ، لا إلى فعلى ، ويكون استثناء منقطعاً ، كأنه قال : إلا أن يزال عن حسنى ، وهي اللفظة التي قرأها أبي وطلحة معنى التفضيل ، ويبقى مصدراً ، ويكون معنى الكلام إلا إن كانت مصدراً ، كالعقبى . ومعنى قوله : وهو وجه القراءة بها ، أي والمصدر وجه القراءة بها . وتخريج هذه القراءة على وجهين : أحدهما : المصدر ، كالبشرى ، ويحتاج ذلك إلى نقل أن العرب تقول : حسن حسنى ، كما تقول : رجع رجعى ، وبشر بشرى ، إذ مجيء فعلى كما ذكرنا مصدر لاينقاس . والوجه الثاني : أن يكون صفة لموصوف محذوف ، أي وقولوا للناس كلمة حسنى ، أو مقالة حسنى . وفي الوصف بها وجهان : أحدهما : أن تكون باقية على أنها للتفضيل ، واستعمالها بغير ألف ولام ولا إضافة لمعرفة نادر ، وقد جاء ذلك في الشعر ، قال الشاعر : وإن دعوت إلى جلى ومكرمة يوماً كرام سراة الناس فادعينا فيمكن أن تكون هذه القراءة من هذا لأنها قراءة شاذة . والوجه الثاني : أن تكون ليست للتفضيل ، فيكون معنى حسنى : حسنة ، أي وقولوا للناس مقالة حسنة ، كما خرجوا يوسف أحسن إخوته في معنى : حسن إخوته . وأما من قرأ : إحساناً فيكون نعتاً لمصدر محذوف ، أي قولاً إحساناً ، وإحساناً مصدر من أحسن الذي همزته للصيرورة ، أي قولا ذا حسن ، كما تقول : أعشبت الأرض إعشاباً ، أي صارت ذات عشب . واختلف المفسرون في معنى قوله : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا } ، فقال ابن عباس : قولوا لهم لا إله إلا اللّه ، ومروهم بها . وقال ابن جريج : قولوا لهم حسناً في الإعلام بما في كتابكم من صفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقال أبو العالية : قولوا لهم القول الطيب ، وجاوبوهم بأحسن ما تحبون أن تجاوبوا به . وقال سفيان الثوري : مروهم بالمعروف ، وانهوهم عن المنكر . وقال ابن عباس أيضاً صدقاً في أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم. واختلفوا في المخاطب بقوله : وقولوا للناس حسناً ، من هو ؟ . فالظاهر أنه من جملة الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل : أن لا تعبدوا إلا اللّه ، وأن تقولوا للناس حسناً . وعلى قراءة من قرأ : لا يعبدون بالياء ، يكون التفاتاً ، إذ خرج من الغيبة إلى الخطاب . وقيل : المخاطب الأمة ، والأول أقرب لتكون القصة واحدة مشتملة على مكارم الأخلاق ، ولتناسب الخطاب الذي بعد ذلك من قوله :{ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ } ، إلى آخر الآيات فإنه ، لا يمكن أن يكون في بني إسرائيل . وظاهر الآية يدل على أن الإحسان للوالدين ، ومن عطف عليه ، والقول الحسن للناس ، كان واجباً على بني إسرائيل في دينهم ، لأن أخذ الميثاق يدل على الوجوب ، وكذا ظاهر الأمر ، وكأنه ذمهم على التولي عن ذلك . وروي عن قتادة أن قوله :{ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا } منسوخ بآية السيف ، وهذا لا يتأتى إلا إذا قلنا إن المخاطب بها هذه الأمة ، ومن الناس من خصص هذا العموم بالمؤمنين ، أو بالدعاء إلى اللّه تعالى بما في الأمر بالمعروف ، فيكون تخصيصاً بحسب المخاطب ، أو بحسب الخطاب . وزعم أبو جعفر محمد بن عليّ الباقر أن هذا العموم باق على ظاهره ، وأنه لا حاجة إلى التخصيص . قيل : وهذا هو الأقوى . والدليل عليه ، أن هارون وموسى ، على نبينا وعليهما الصلاة والسلام ، أمرا بالرفق مع فرعون ، وكذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، قيل له :{ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ } ، وقال تعالى :{ وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّه } ،{ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِراماً } ،{ وَأَعْرِض عَنِ الْجَاهِلِينَ} ومن قال : لا يكون القول الحسن مع الكفار والفساق ، استدل بأنا أمرنا بلعنهم وذمهم ومحاربتهم ، وبقوله تعالى :{ لاَّ يُحِبُّ اللّه الْجَهْرَ بِالسُّوء مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى } : إن كان هذا الخطاب للمؤمنين ، فيكون من تلوين الخطاب . وقد تقدم الكلام على تفسير هاتين الجملتين . وإن كان هذا الخطاب لبني إسرائيل ، وهو الظاهر ، لأن ما قبله وما بعده يدل عليه ، فالصلاة هي التي أمروا بها في التوراة ، وهم إلى الآن مستمرون عليها . وروي عن ابن عباس : أن زكاة أموالهم كانت قرباناً تهبط إليهم نار فتحملها ، فكان ذلك تقبله ، وما لا تفعل النار ذلك به ، كان غير متقبل . وقيل : الصلاة هي هذه المفروضة علينا ، والخطاب لمن يحضره رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من أبناء اليهود ، ويحتمل ذلك وجهين : أحدهما : أن يكون أمرهم بالصلاة والزكاة أمراً بالإسلام . والثاني : على قول من يقول : إن الكفار مخاطبون بفروع الإيمان والزكاة هي هذه المفروضة ، وقيل : الصلاة والزكاة هنا الطاعة للّه وحده . ومعنى هذا القول أنه كنى عن الطاعة للّه تعالى بالصلاة والزكاة اللتين هما أعظم أركان الإسلام . {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } : ظاهره أنه خطاب لبني إسرائيل الذين أخذ اللّه عليهم الميثاق . وقيل : هو خطاب لمعاصري رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من بني إسرائيل ، أسند إليهم تولي أسلافهم ، إذ هم كلهم بتلك السبيل ، قال نحوه ابن عباس وغيره . والمعنى : ثم توليتم عما أخذ عليكم من الميثاق ، والمعنيُّ بالقليل القليل في عدد الأشخاص . فقيل : هذا القليل هو عبد اللّه بن سلام وأصحابه . وقيل : من آمن قديماً من أسلافهم ، وحديثاً كعبد اللّه بن سلام وغيره . قال ابن عطية : ويحتمل أن تكون القلة في الإيمان ، أي لم يبق حين عصوا وكفر آخرهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم إلا إيمان قليل ، إذ لا ينفعهم ، والأول أقوى . انتهى كلامه ، وهو احتمال بعيد من اللفظ ، إذ الذي يتبادر إليه الفهم إنما هو استثناء أشخاص قليلين من الفاعل الذي هو الضمير في توليتم ، ونصب : قليلاً ، على الاستثناء ، وهو الأفصح ، لأن قبله موجب . وروي عن أبي عمرو أنه قرأ : إلا قليل ، بالرفع . وقرأ بذلك أيضاً قوم ، قال ابن عطية : وهذا على بدل قليل من الضمير في توليتم ، وجاز ذلك ، يعني البدل ، مع أن الكلام لم يتقدم فيه نفي ، لأن توليتم معناه النفي ، كأنه قال : لم يفوا بالميثاق إلا قليل ، انتهى كلامه . والذي ذكر النحويون أن البدل من الموجب لا يجوز ، لو قلت : قام القوم إلا زيد ، بالرفع على البدل ، لم يجز ، قالوا : لأن البدل يحلّ محلّ المبدل منه ، فلو قلت : قام إلا زيد ، لم يجز لأن إلا لا تدخل في الموجب . وأما ما اعتلّ به من تسويغ ذلك ، لأن معنى توليتم النفي ، كأنه قيل : لم يفوا إلا قليل ، فليس بشيء ، لأن كل موجب ، إذا أخذت في نفي نقيضه أو ضدّه ، كان كذلك ، فليجز : قام القوم إلا زيد ، لأنه يؤوّل بقولك : لم تجلسوا إلا زيد . ومع ذلك لم تعتبر العرب هذا التأويل ، فتبني عليه كلامها ، وإنما أجاز النحويون : قام القوم إلا زيد بالرفع ، على الصفة . وقد عقد سيبويه في ذلك باباً في كتابه فقال : هذا باب ما يكون فيه إلا وما بعده وصفاً بمنزلة غير ومثل . وذكر من أمثلة هذا الباب : لو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا ، { وَلَوْ كَانَ فِيهِمَا الِهَةٌ إِلاَّ اللّه لَفَسَدَتَا} وقليل بها الأصوات إلا بغامها وسوى بين هذا ، وبين قراءة من قرأ :{ لاَّ يَسْتَوِى الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِى الضَّرَرِ } ، برفع غير ، وجوّز في نحو : ما قام القوم إلا زيد ، بالرفع البدل والصفة ، وخرّج على ذلك قول عمرو بن معدى كرب : وكلّ أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان قال : كأنه قال : وكل أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه ، كما قال الشماخ وكل خليل غيرها ضم نفسه لوصل خليل صارم أو معارز ومما أنشده النحويون : لدم ضائع نأت أقربوه عنه إلا الصبا وإلا الجنوب وأنشدوا أيضاً : وبالصريمة منهم منزل خلق عاف تغير إلا النؤى والوتد قال الأستاذ أبو الحسن بن عصفور : ويخالف الوصف بإلا الوصف بغيره ، من حيث أنها يوصف بها النكرة والمعرفة والظاهر والمضمر . وقال أيضاً : وإنما يعني النحويون بالوصف بإلا : عطف البيان . وقال غيره : لا يوصف بإلا إلا إذا كان الموصوف نكرة أو معرفة بلام الجنس . وقال المبرد : لا يوصف بإلا إلا إذا كان الوصف في موضع يصلح فيه البدل ، وتحرير ذلك نتكلم عليه في علم النحو ، وإنما نبهنا على أن ما ذهب إليه ابن عطية في تخريج هذه القراءة ، لم يذهب إليه نحوي . ومن تخليط بعض المعربين أنه أجاز رفعه بفعل محذوف ، كأنه قال : امتنع قليل أن يكون توكيداً للمضمر المرفوع المستثنى منه . ولولا أن هذين القولين مسطران في الكتب ما ذكرتهما . وأجاز بعضهم أن يكون رفعه على الابتداء والخبر محذوف ، كأنه قال : إلا قليل منكم لم يتول ، كما قالوا : ما مررت بأحد إلا رجل من بني تميم خير منه . وهذه أعاريب من لم يمعن في النحو . وأنتم معرضون : جملة حالية ، قالوا : مؤكدة . وهذا قول من جعل التولي هو الإعراض بعينه ، ومن خالف بينهما تكون الحال مبينة ، وكذلك تكون مبينة إذا اختلف متعلق التولي والإعراض ، كما قال بعضهم ؛ إن معناه : ثم توليتم عن عهد ميثاقكم وأنتم معرضون عن هذا النبي صلى اللّه عليه وسلم. وجاءت الجملة الحالية اسمية مصدرة بأنتم ، لأنها آكد . وكان الخبر اسماً ، لأنه أدل على الثبوت ، فكأنه قيل : وأنتم عادتكم الإعراض عن الحق والتولية عنه . وفي المواجهة بأنتم تقبيح لفعلهم وكونهم ارتكبوا ذلك الفعل القبيح الذي من شأنه أن لا يقع ، كقولك : يحسن إليك زيد وأنت مسيء إليه ، فكان المعنى : أن من واثقه اللّه وأخذ عليه العهد في أشياء بها انتظام دينه ودنياه ، جدير أن يثبت على العهد ، وأن لا ينقضه ، ولا يعرض عنه . وقيل : التولي والإعراض مأخوذ من سلوك الطريق ، ومن ترك سلوك الطريق فله حالتان : إحداهما : أن يرجع عوده على بدئه ، وذلك هو التولي ، والثانية : أن يأخذ في عرض الطريق ، وذلك هو الإعراض . وعلى هذا التفسير في التولي والإعراض لا يكون في الآية دليل على الاختلاف ، إلا إن قصد أن ناساً تولوا وناساً أعرضوا ، وجمع ذلك لهم ، أو يتولون في وقت ، ويعرضون في وقت . وقال القشيري : التعبد بهذه الخصال حاصل لنا في شرعنا ، وأولها التوحيد ، وهو إفراد اللّه بالعبادة والطاعة ، ثم ردّك إلى مراعاة حق مثلك ، إظهاراً أن من لا يصلح لصحبة شخص مثله ، كيف يقوم بحق معبود ليس كمثله شيء ؟ فإذا كانت التربية المتضمنة حقوق الوالدين توجب عظيم هذا الحق ، فما حق تربية سيدك لك ؟ كيف تؤدي شكره ؟ ثم ذكر عموم رحمته لذي القربى ، واليتامى والمساكين ، وأن يقول للناس حسناً . وحقيقة العبودية الصدق مع الحق ، والرفق مع الخلق . انتهى ، وبعضه مختصر . وقال بعض أهل الإشارات : الأسباب المتقرّب بها إلى اللّه تعالى : اعتقاد وقول وعمل ونية . فنبه بقوله {لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّه } ، على مقام التوحيد ، واعتقاد ما يجب له على عباده من الطاعات والخضوع منفرداً بذلك ، ومالية محضة وهي : الزكاة ، وبدنية محضة وهي : الصلاة ، وبدنية ومالية وهو : برّ الوالدين والإحسان إلى اليتيم والمسكين . |
﴿ ٨٣ ﴾