١١٠وأقيموا الصلاة وآتوا . . . . . {وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة } : لما أمر بالعفو والصفح ، أمر بالمواظبة على عمودي الإسلام : العبادة البدنية ، والعبادة المالية ، إذ الصلاة فيها مناجاة اللّه تعالى والتلذذ بالوقوف بين يديه ، والزكاة فيها الإحسان إلى الخلق بالإيثار على النفس ، فأمروا بالوقوف بين يدي الحق وبالإحسان إلى الخلق . قال الطبري : إنما أمر اللّه هنا بالصلاة والزكاة ليحط ما تقدم من ميلهم إلى قول اليهود : راعنا ، لأن ذلك نهي عن نوعه ، ثم أمر المؤمنون بما يحطه . انتهى كلامه . وليس له ذلك الظهور . {وَمَا تُقَدّمُواْ لانْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللّه} : لما قدم الأمر بالصلاة والزكاة أتى بهذه الجملة الشرطية عامة لجميع أنواع الخير ، فيندرج فيها الصلاة والزكاة وغيرهما . والقول في إعراب ما ومن خير ، كالقول في إعراب : ما ننسخ من آية ، من أنهم قالوا : يجوز أن تكون ما مفعولة ، ومن خير : حال أو مصدر ، ومن خير : مفعول ، أو مفعولة ، ومن خير : تمييز أو مفعولة ، ومن خير ، تبعيضية متعلقة بمحذوف وهو الذي اخترناه . لأنفسكم : متعلق بتقدموا ، وهو على حذف مضاف ، أي لنجاة أنفسكم وحياتها ، قال تعالى :{ يَقُولُ يالَيْتَنِى لَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى} وقد فسر الخير هنا بالزكاة والصدقة ، والأظهر العموم تجدوه جواب الشرط ، والهاء عائدة على ما ، والخيور المتقدمة هي أفعال منقضية . ونفس ذلك المنقضي لا يوجد ، فإنما ذلك على حذف مضاف ، أي تجدوا ثوابه . فجعل وجوب ما ترتب على وجوداً له ، وتجدوه متعد إلى واحد ، لأنه بمعنى الإصابة . والعامل في قوله :{ عَندَ اللّه } ، إما نفس الفعل ، أو محذوف ، فيكون في معنى الحال من الضمير ، أي تجدوه مدّخراً ومعدًّا عند اللّه . والظرفية هنا المكاتبة ممتنعة ، وإنما هي مجاز بمعنى القبل ، كما تقول لك : عندي يد ، أي في قبلي ، أو بمعنى في علم اللّه نحو :{ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ } ،أي في علمه وقضائه ، أو بمعنى الاختصاص بالإضافة إلى اللّه تعالى تعظيماً كقوله :{ إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ} {إِنَّ اللّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } : المجيء بالإسم الظاهر يدل على استقلال الجمل ، فلذلك جاء إن اللّه ، ولم يجيء إنه ، مع إمكان ذلك في الكلام . وهذه جملة خبرية ظاهرة التناسب في ختم ما قبلها بها ، تتضمن الوعد والوعيد . وكنى بقوله : بصير عن علم المشاهد ، أي لا يخفى عليه عمل عامل ولا يضيعه ، ومن كان مبصراً لفعلك ، لم يخف عليه ، هل هو خير أو شر ، وأتى بلفظ بصير دون مبصر ، إما لأنه من بصر ، فهو يدل على التمكن والسجية في حق الإنسان ، أو لأنه فعل للمبالغة بمعنى مفعل ، الذي هو للتكثير . ويحتمل أن يكون فعيل بمعنى مفعل ، كالسميع بمعنى المسمع ، قال بعض الصوفية : على المريد إقامة المواصلات وإدامة التوسل بفنون القربات ، واثقاً بأن ما تقدمه من صدق المجاهدات ستزكو ثمرته في آخر الحالات ، وأنشدوا : سابق إلى الخير وبادر به فإنما خلفك ما تعلم وقدم الخير فكل امرىء على الذي قدمه يقدم |
﴿ ١١٠ ﴾