١٦٠إلا الذين تابوا . . . . . {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ } : هذا استثناء متصل ، ومعنى تابوا عن الكفر إلى الإسلام ، أو عن الكتمان ءلى الإظهار .{ وَأَصْلَحُواْ } ما أفسدوا من قلوبهم بمخالطة الكفر لها ، أو ما أفسدوا من أحوالهم مع اللّه ، أو أصلحوا قومهم بالإِرشاد إلى الإِسلام بعد الإضلال .{ وَبَيَّنُواْ } : أي الحق الذي كتموه ، أو صدق توبتهم بكسر الخمر وإراقتها ، أو ما في التوراة والإِنجيل من صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم ،أو اعترفوا بتلبيسهم وزورهم ، أو ما أحدثوا من توبتهم ، ليمحوا سيئة الكفر عنهم ويعرفوا بضد ما كانوا يعرفون به ، ويقتدي بهم غيرهم من المفسدين .{ فَأُوْلَئِكَ } : إشارة إلى من جمع هذه الأوصاف من التوبة والإصلاح والتبيين .{ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ } : أي أعطف عليهم ، ومن تاب اللّه عليه لا تلحقه لعنة .{ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } : تقدم الكلام في هاتين الصفتين ، وختم بهما ترغيباً في التوبة وإشعاراً بأن هاتين الصفتين هما له ، فمن رجع إليه عطف عليه ورحمه . وذكروا في هذه الآية من الأحكام جملة ، منها أن كتمان العلم حرام ، يعنون علم الشريعة لقوله :{ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ } ، وبشرط أن يكون المعلم لا يخشى على نفسه ، وأن يكون تعيناً لذلك . فإن لم يكن من أمور الشرائع ، فلا تحرج في كتمها . روي عن عبد اللّه أنه قال : ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة . وروي عنه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : { حدث الناس بما يفهمون} . أتحبون أن يكذب اللّه ورسوله ؟ قلوا : والمنصوص عليه من الشرائع والمستنبط منه في الحكم سواء ، وإن خشي على نفسه فلا يحرج عليه ، كما فعل أبو هريرة ، وإن لم يتعين عليه فكذلك ، ما لم يسأل فيتعين عليه ، ومنها : تحريم الأجرة على تعليم العلم ، وقد أجازه بعض العلماء . ومنها : أن الكافر لا يجوز تعليمه القرآن حتى يسلم ، ولا تعليم الخصم حجة على خصمه ليقطع بها ماله ، ولا السلطان تأويلاً يتطرّف به إلى مكاره الرعية ، ولا تعليم الرخص إذا علم أنها تجعل طريقاً إلى ارتكاب المحظورات وترك الواجبات . ومنها : وجوب قبول خبر الواحد ، لأنه لا يجب عليه البيان إلا وقد وجب عليهم قبول قوله ، لأن قوله من البينات والهدى يعم المنصوص والمستنبط وجواز لعن من مات كافراً ، وقال بعض السلف : لا فائدة في لعن من مات أو جنّ من الكفار ، وجمهور العلماء على جواز لعن الكفار جملة من غير تعيين . وقال بعضهم بوجوبها ، وأما الكافر المعين فجمهور العلماء على أنه لا يجوز لعنه . وقد لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قوماً بأعيانهم . وقال ابن العربي : الصحيح عندي جواز لعنه . وذكر ابن العربي الاتفاق على أنه لا يجوز لعن العاصي والمتجاهر بالكبائر من المسلمين . وذكر بعض العلماء فيه خلافاً ، وبعضهم تفصيلاً . فأجازه قبل إقامة الحدّ عليه . ومنها : أن التوبة المعتبرة شرعاً أن يظهر التائب خلاف ما كان عليه في الأول ، فإن كان مرتداً ، فالبرجوع إلى الإسلام وإظهار شرائعه ، أو عاصياً ، فبالرجوع إلى العمل الصالح ومجانبة أهل الفساد . وأما التوبة باللسان فقط ، أو عن ذنب واحد ، فليس ذلك بتوبة . وقد تقدم الكلام في التوبة مشبعاً . |
﴿ ١٦٠ ﴾