١٨٤

أياما معدودات فمن . . . . .

{أَيَّامًا مَّعْدُوداتٍ } إن كان ما فرض صومه هنا هو رمضان ، فيكون قوله أياماً معدودات عني به رمضان ، وهو قول ابن أبي ليلى وجمهور المفسرين ، ووصفها بقوله : معدودات ، تسهيلاً على المكلف بأن هذه الأيام يحصرها العد ليست بالكثيرة التي تفوّت العد ، ولهذا وقع الاستعمال بالمعدود كناية على القلائل ، كقوله :{ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُوداتٍ }{ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً}

{وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ}

وإن كان ما فرض صومه هو ثلاثة أيام من كل شهر ،

وقيل : هذه الثلاثة ويوم عاشوراء ، كما كان ذلك مفروضاً على الذين من قبلنا ، فيكون قوله :{ أَيَّامًا مَّعْدُوداتٍ } عنى بها هذه الأيام ، وإلى هذا ذهب ابن عباس ، وعطاء .

قال ابن عباس ، وعطاء ، وقتادة : هي الأيام البيض ،

وقيل : وهي : الثاني عشر ، والثالث عشر ، والرابع عشر ،

وقيل : الثالث عشر ويومان بعده ، وروي في ذلك حديث . { إن البيض هي الثالث عشر ويومان بعده} فإن صح لم يمكن خلافه .

وروي المفسرون أنه كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر واجباً ، وصوم يوم عاشوراء ، فصاموا كذلك في سبعة عشر شهراً ، ثم نسخ بصوم رمضان .

قال ابن عباس : أول ما نسخ بعد الهجرة أمر القبلة ، والصوم ،

ويقال : نزل صوم شهر رمضان قبل بدر بشهر وأيام ،

وقيل : كان صوم تلك الأيام تطوعاً ، ثم فرض ، ثم نسخ .

قال أبو عبد اللّه محمد بن أبي الفضل المرسي في { ري الظمآن} : احتج من قال إنها غير رمضان بقوله صلى اللّه عليه وسلم { صوم رمضان نسخ كل صوم } ، فدل على أن صوماً آخر كان قبله ، ولأنه تعالى ذكر المريض والمسافر في هذه الآية ثم ذكر حكمهما في الآية الآتية بعده ، فإن كان هذا الصوم هو صوم رمضان لكان هذا تكريراً ، ولأن قوله تعالى : { فِدْيَةٌ } يدل على التخيير ، وصوم رمضان واجب على التعيين ، فكان غيره ، وأكثر المحققين على أن المراد بالأيام : شهر رمضان ، لأن قوله :{ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ } يحتمل يوماً ويومين وأكثر ، ثم بينه بقوله :{ شَهْرُ رَمَضَانَ } وإذا أمكن حمله على رمضان فلا وجه لحمله على غيره ، وإثبات النسخ ؛

وأما الخبر فيمكن أن يحمل على نسخ كل صوم وجب في الشرائع المتقدمة ، أو يكون ناسخاً لصيام وجب لهذه الامة ،

وأما ما ذكر من التكرار فيحتمل أن يكون لبيان إفطار المسافر والمريض في رمضان في الحكم ، بخلاف التخيير في المقيم ، فإنه يجب عليهما القضاء ، فلما نسخ عن المقيم الصحيح وألزم الصوم ، كان من الجائز أن نظن أن حكم الصوم ، لما انتقل إلى التخيير عن التضييق ، يعم الكل حتى يكون المريض والمسافر فيه بمنزلة المقيم من حيث تغير الحكم في الصوم ، لما بين أن حال المريض والمسافر في رخصة الإفطار ووجوب القضاء كحالهما أولاً ، فهذه فائدة الإعادة ، وهذا هو الجواب عن الثالث ، وهو قولهم : لأن قوله تعالى :{ فِدْيَةٌ } يدل على التخيير إلى آخره ، لأن صوم رمضان كان واجباً مخيراً ، ثم صار معيناً . وعلى كلا القولين لا بد من النسخ في الآية ، أما على الأول فظاهر ،

وأما على الثاني فلأن هذه الآية تقتضي أن يكون صوم رمضان واجباً مخيراً ، والآية التي بعد تدل على التضييق ، فكانت ناسخة لها ، والاتصال في التلاوة لا يوجب الاتصال في النزول . انتهى كلامه .

وانتصاب قوله :{ أَيَّامًا } على إضمار فعل يدل عليه ما قبله ، وتقديره : صوموا أياماً معدودات ، وجوزوا أن يكون منصوباً بقوله : الصيام ، وهو اختيار الزمخشري ، إذ لم يذكره غيره ، قال : وانتصاب أياماً بالصيام كقولك : نويت الخروج يوم الجمعة انتهى كلامه وهو خطأ ، لأن معمول المصدر من صلته ، وقد فصل بينهما بأجنبي وهو قوله :{ كَمَا كُتِبَ } فكما كتب ليس لمعمول المصدر ، وإنما هو معمول لغيره على أي تقدير قدرته من كونه نعتاً لمصدر محذوف ، أو في موضع الحال ، ولو فرعت على أنه صفة للصيام على تقدير : أن تعريف الصيام جنس ، فيوصف بالنكرة ، لم يجز أيضاً ، لأن المصدر إذا وصف قبل ذكر معموله لم يجز إعماله ، فإن قدَّرت الكاف نعتاً لمصدر من الصيام ، كما قد قال به بعضهم ، وضعَّفناه قبل ، فيكون التقدير : صوماً كما كتب ، جاز أن يعمل في أياماً الصيام ، لأنه إذ ذاك العامل في صوماً هو المصدر ، فلا يقع الفصل بينهما بما ليس لمعمول للمصدر ، وأجازوا أيضاً انتصاب أياماً على الظرف ، والعامل فيه كتب ، وأن يكون مفعولاً على السعة ثانياً

والعامل فيه كتب ، وإلى هذا ذهب الفراء ، والحوفي ، وكلا القولين خطأ .

أما النصب على الظرف فإنه محل للفعل ، والكتابة ليست واقعة في الأيام ، لكن متعلقها هو الواقع في الأيام ، فلو قال الإنسان لولده وكان ولد يوم الجمعة : سرني ولادتك يوم الجمعة ، لم يكن أن يكون يوم الجمعة معمولاً لسرني ، لأن ، السرور يستحيل أن يكون يوم الجمعة ، إذ ليس بمحل للسرور الذي أسنده إلى نفسه ،

وأما النصب على المفعول اتساعاً فإن ذلك مبني على جواز وقوعه ظرفاً لكتب ، وقد بينا أن ذلك خطأ .

والصوم : نفل وواجب ، والواجب معين الزمان ، وهو : صوم رمضان والنذر المعين ، وما هو في الذمة ، وهو : قضاء رمضان ، والنذر غير المعين ، وصوم الكفارة . وأجمعوا على اشتراط النية في الصوم ، واختلفوا في زمانها .

فمذهب أبي حنيفة : أن رمضان ، والنذر المعين ، والنفل يصح بنية من الليل ، وبنية إلى الزوال ، وقضاء رمضان ، وصوم الكفارة ، ولا يصح إلاَّ بنية من الليل خاصة .

ومذهب مالك على المشهور : أن الفرض والنفل لا يصح إلاَّ بنية من الليل .

ومذهب الشافعي : أنه لا يصح واجب إلاَّ بنية من الليل .

ومذهب مالك : أن نية واحدة تكفي عن شهر رمضان .

وروي عن زفر أنه إذا كان صحيحاً مقيماً فأمسك فهو صائم ، وإن لم ينو .

ومن صام رمضان بمطلق نية الصوم أو بنية واجب آخر ، فقال أبو حنيفة : ما تعين زمانه يصح بمطلق النية ، وقال مالك ، والشافعي : لا يصح إلاَّ بنية الفرض ، والمسافر إذا نوى واجباً آخر وقع عما نوى ، وقال أبو يوسف ، ومحمد : يقع عن رمضان ، فلو نوى هو أو المريض التطوع فعن أبي حنيفة : يقع عن الفرض ، وعنه أيضاً : يقع التطوع ، وإذا صام المسافر بنية قبل الزوال جاز ، قال زفر : لا يجوز النفل بنية بعد الزوال ، وقال الشافعي : يجوز ولو أوجب صوم وقت معين فصام عن التطوع ، فقال أبو يوسف : يقع على المنذور ، ولو صام عن واجب آخر في وقت الصوم الذي أوجبه وقع عن ما نوى ، ولو نوى التطوع وقضاء رمضان ، فقال أبو يوسف : يقع عن القضاء ، ومحمد قال : عن التطوع ، ولو نوى قضاء رمضان وكفارة الظهار كان على القضاء في قول أبي يوسف ، وقال محمد : يقع على النفل ، ولو نوى الصائم الفطر فصومه تام ، وقال الشافعي : يبطل صومه .

ودلائل هذه المسائل تذكر في كتب الفقه .

{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ظاهر اللفظ اعتبار مطلق المرض بحيث يصدق عليه الأسم ، وإلى ذلك ذهب ابن سيرين ، وعطاء ، والبخاري . وقال الجمهور : هو الذي يؤلم ، ويؤذي ، ويخاف تمادية ، وتزيده ؛ وسمع من لفظ مالك : أنه المرض الذي يشق على المرء ويبلغ به التلف إذا صام ، وقال مرة : شدة المرض والزيادة فيه ؛ وقال الحسن ، والنخعي : إذا لم يقدر من المرض على الصيام أفطر . وقال الشافعي : لا يفطر إلاَّ من دعته ضرورة المرض إليه ، ومتى احتمل الصوم مع المرض لم يفطر . وقال أبو حنيفة : إن خاف أن تزداد عينه وجعاً أو حمى شديدة أفطر .

وظاهر اللفظ اعتبار مطلق السفر زماناً وقصداً .

وقد اختلفوا في المسافة التي تبيح الفطر ، فقال ابن عمر ، وابن عباس ، والثوري وأبو حنيفة : ثلاثة أيام . وروى البخاري أن ابن عمر ، وابن عباس كانا يفطران ويقصران في أربعة برد ، وهي ستة عشر فرسخاً ، وقد روي عن ابن أبي حنيفة : يومان وأكثر ثلاث ، والمعتبر السير الوسط لا غير من الإسراع والإبطاء .

وقال مالك : مسافة الفطر مسافة القصر ، وهي يوم وليلة ، ثم رجع فقال : ثمانية وأربعون ميلاً ، وقال مرة : اثنان وأربعون ، ومرة ستة وأربعون ؛ وفي

المذهب : ثلاثون ميلاً ، وفي غير المذهب ثلاثة أميال .

وأجمعوا على أن سفر الطاعة من جهاد وحج وصلة رحم وطلب معاش ضروري مبيح .

فأما سفر التجارة والمباح ففيه خلاف ، و

قال ابن عطية : والقول بالإجازة أظهر ، وكذلك سفر المعاصي مختلف فيه أيضاً ، والقول بالمنع أرجح . أنتهى كلامه .

واتفقوا على أن المسافر في رمضان لا يجوز له أن يبيت الفطر ، قالوا : ولا خلاف أنه لا يجوز لمؤمل السفر أن يفطر قبل أن يخرج ، فان أفطر فقال أشهب : لا يلزمه شيء سافر ، أو لم يسافر . وقال سحنون : عليه الكفارة سافر ، أو لم يسافر ، وقال عيسى ، عن ابن القاسم : لا يلزمه إلاَّ قضاء يومه ، وروي عن أنس أنه أفطر وقد أراد السفر ، ولبس ثياب السفر ، ورجل دابته ، فأكل ثم ركب . وقال الحسن يفطر إن شاء في بيته يوم يريد أن يخرج ، وقال أحمد : إذا برز عن البيوت ، وقال إسحاق : لا بل حتى يضع رجله في الرحل .

ومن أصبح صحيحاً ثم اعتل أفطر بقية يومه ، ولو أصبح في الحضر ثم سافر فله أن يفطر ، وهو قول ابن عمر ، والشعبي ، وأحمد ، وإسحاق ،

وقيل : لا يفطر يومه ذلك ، وإن نهض في سفره وهو قول الزهري ، ويحيى الأنصاري ، ومالك ، والأوزاعي ، وابن حنيفة ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي .

واختلفوا إن أفطر ، فكل هؤلاء قال : يقضي ولا يكفر . وقال ابن كنانة : يقضي ويكفر ، وحكاه الباجي عن الشافعي ، وقال به ابن العربي واختاره ، وقال أبو عمر بن عبد البر : ليس بشيء ، لأن اللّه أباح له الفطر في الكتاب والسنة ، ومن أوجب الكفارة فقد أوجب ما لم يوجبه اللّه .

وظاهر قوله : {أَوْ عَلَى سَفَرٍ } إباحة الفطر للمسافر ، ولو كان بيت نية الصوم في السفر فله أن يفطر وإن لم يكن له عذر ، ولا كفارة عليه ، قاله الثوري ، وأبو حنيفة ، والأوزاعي ، والشافعي وسائر فقهاء الكوفة .

وقال مالك : عليه القضاء والكفارة ، وروي عنه أيضاً أنه : لا كفارة عليه ، وهو قول أكثر أصحابه .

وموضع أو على السفر ، نصب لأنه معطوف على خبر : كان ، ومعنى : أو هنا التنويع ، وعدل عن اسم الفاعل وهو : أو مسافر إلى ، أو على سفر ، إشعاراً بالاستيلاء على السفر لما فيه من الاختيار للمسافر ، بخلاف المرض ، فإنه يأخذ الإنسان من غير اختيار ، فهو قهري ، بخلاف السفر ؛ فكان السفر مركوب الإنسان يستعلى عليه ، ولذلك يقال : فلان على طريق ، وراكب طريق إشعاراً بالاختيار ، وأن الإنسان مستولٍ على السفر مختارٌ لركوب الطريق فيه .

{فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } قراءة الجمهور برفع عدة على أنه مبتدأ محذوف الخبر ، وقدر : قبل ، أي : فعليه عدة وبعد أي : أمثل له ، أو خبر مبتداء محذوف ، أي : فالواجب ، أو : فالحكم عدة .

وقرىء : فعدة ، بالنصب على إضمار فعل ، أي : فليصم عدة ، وعدة هنا بمعنى معدود ، كالرعي والطحن ، وهو على حذف مضاف ، أي : فصوم عدة ما أفطر ، وبين الشرط وجوابه محذوف به يصح الكلام ، التقدير : فافطر فعدة ، ونظير في الحذف :{ أَنِ اضْرِب بّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ } أي : فضرب فانفلق . ونكر { عِدَّةَ } ولم يقل : فعدتها ، أي : فعدة الأيام التي أفطرت اجتزاءً ، إذ المعلوم أنه لا يجب عليه عدة غير ما أفطر فيه مما صامه ، والعدة المعدود ، فكان التنكير أخصر { وَمِنْ أَيَّامٍ } في موضع الصفة لقوله فعدة ، وأخر : صفة لأيام ، وصفة الجمع الذي لا يعقل تارة يعامل معاملة الواحدة المؤنثة وتارة يعامل معاملة جمع الواحدة المؤنثة . فمن

الأول :{ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً } ومن

الثاني :{ إِلا أَيَّامًا مَّعْدُوداتٍ } فمعدودات : جمع لمعدودة . وأنت لا تقول : يوم معدودة ، إنما تقول : معدود ، لأنه مذكر ، لكن جاز ذلك في جمعه ، وعدل عن أن يوصف الأيام بوصف الواحدة المؤنث ، فكان ، يكون : من أيام أخرى ، وإن كان جائزاً فصيحاً كالوصف بأخر لأنه كان يلبس أن يكون صفة لقوله { فَعِدَّةٌ } ، فلا يدرى أهو وصف لعدة ، أم لأيام ، وذلك لخفاء الإعراب لكونه مقصوراً ، بخلاف :{ ءاخَرَ } فإنه نص في أنه صفة لأيام لاختلاف إعرابه مع إعراب فعدة ، أفلا ينصرف للعلة التي ذكرت في النحو ، وهي جمع أخرى مقابلة أخر ؟ وأخر

مقابل أخر بين ؟ لا جمع أخرى لمعنى أخرة ، مقابلة الأخر المقابل للأول ، فإن أخر تأنيث أخرى لمعنى أخرة مصروفة . وقد اختلفا حكماً ومدلولاً . أما اختلاف الحكم فلأن تلك غير مصروفة ،

وأما اختلاف المدلول : فلأن مدلول أخرى ، التي جمعها أخر التي لا تتصرف ، مدلول : غير ومدلول أخرى التي جمعها ينصرف مدلول : متأخرة ، وهي قابلة الأولى .

قال تعالى : { قَالَتْ أُولَاهُمْ لاِخْرَاهُمْ } فهي بمعنى : الأخرة ، كما

قال تعالى :{ وَإِنَّ لَنَا لَلاْخِرَةَ وَالاْولَى } وأخر الذي مؤنثة : أخرى مفردة آخر التي لا تنصرف بمعنى : غير ، لا يجوز أن يكون ما اتصل به إلاَّ مِن جنس ما قبله ، تقول : مررت بك وبرجل آخر ، ولا يجوز : اشتريت هذا الفرس وحماراً آخر ، لأن الحمار ليس من جنس الفرس ، فأما قوله : صلى على عزة الرحمن وابنتها

ليلى ، وصلى على جاراتها الآخر

فإنه جعل : ابنتها جارة لها ، ولولا ذلك لم يجز ، وقد أمعنا الكلام على مسألة أخرى في كتابتا } التكميل} .

قالوا : واتفقت الصحابة ومن بعدهم من التابعين وفقهاء الأمصار على جواز الصوم للمسافر ، وأنه لا قضاء عليه إذا صام ، لأنهم ، كما ذكرنا ، قدروا حذفاً في الآية ، والأصل : أن لا حذف ، فيكون الظاهر أن اللّه تعالى أوجب على المريض والمسافر عدة من أيام أخر ، فلو صاما لم يجزهما ، ويجب عليهما صوم عدة ما كانا فيه من الأيام الواجب صومها على غيرهما .

قالوا : وروي عن أبي هريرة أنه قال : من صام في السفر فعليه القضاء وتابعه عليه شواذ من الناس ، ونقل ذلك ابن عطية عن عمر ، وابنه عبد اللّه ،

وعن ابن عباس : أن الفطر في السفر عزيمة ونقل غيره عن عبد الرحمن بن عوف : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر ، وقال به قوم من أهل الظاهر ، وفرق أبو محمد بن حزم بين المريض والمسافر فقال ، فيما لخصناه في كتابنا المسمى بالأنور الأجلى في اختصار المحلي ما نصبه : ويجب على من سافر ولو عاصياً ميلاً فصاعداً الفطر إذا فارق البيوت في غير رمضان ، وليفطر المريض ويقضي بعد ، ويكره صومه ويجزى ، وحجج هذه الأقوال في كتب الفقه . وثبت بالخبر المستفيض أن النبي صلى اللّه عليه وسلم صام في السفر ، وروي ذلك عنه أبو الدرداء ، وسلمة بن المحنق ، وأبو سعيد ، وجابر ، وأنس ، وابن عباس عنه إباحة الصوم والفطر في السفر ، بقوله لحمزة بن عمر ، والأسلمي وقد قال : أصوم في السفر ؟ قال : { إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر } وعلى قول الجمهور : أن محذوفاً ، وتقديره : فأفطر ، وأنه يجوز للمسافر أن يفطر وأن يصوم .

واختلفوا في الأفضل ، فذهب أبو حنيفة ، وأصحابه ، ومالك ، والشافعي في بعض ما روي عنهما : إلى أن الصوم أفضل ، وبه قال من الصحابة : عثمان بن أبي العاص الثقفي ، وأنس بن مالك .

قال ابن عطية : وذهب أنس بن مالك إلى الصوم ، وقال : إنما نزلت الرخصة ونحن جياع نروح إلى جوع ، وذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق إلى أن الفطر أفضل ، وبه قال من الصحابة ابن عمر ، وابن عباس . ومن التابعين : ابن المسيب ، والشعبي ، وعمر بن عبد العزيز ، ومجاهد ، وقتادة .

قال ابن عطية : وقال مجاهد وعمر بن عبد العزيز وغيرهما : أيسرهما أفضلهما .

وكره ابن حنبل الصوم في السفر ، ولو صام في السفر ثم أفطر من غير عذر فعليه القضاء فقط ، قاله الأوزاعي ، وأبو حنيفة ، وزاد الليث ، والكفارة

وعن مالك القولان .

ولو أفطر مسافر ثم قدم من يومه ، أو حائض ثم طهرت في بعض النهار ، فقال جابر بن يزيد ، والشافعي ، ومالك فيما رواه ابن القاسم : يأكلان ولا يمسكان .

وقال أبو حنيفة ، والأوزاعي والحسن بن صالح ، وعبد اللّه بن الحسن : يمسكان بقية يومها . عن ما يمسك عنه الصائم .

وقال ابن شبرمة في المسافر : يمسك ويقضي ، وفي الحائض : إن طهرت تأكل . .

والظاهر من قوله : فعدة ، أنه يلزمه عدة ما أفطر فيه ، فلو كان الشهر الذي أفطر فيه تسعة وعشرين يوماً ، قضى تسعة وعشرين يوماً ، وبه قال جمهور العلماء ، وذهب الحسن بن صالح إلى أنه يقضي شهراً بشهر من غير مراعاة عدد الإيام . وروي عن مالك أنه يقضي بالأهلة ، وروي عن الثوري أنه يقضي شهراً تسعة وعشرين يوماً وإن كان رمضان ثلاثين ، وهو خلاف الظاهر ، وخلاف ما أجمعوا عليه من أنه : إذا كان ما أفطر فيه بعض رمضان ، فإنه يجب القضاء بالعدد ، فكذلك يجب أن يكون قضاء جميعه باعتبار العدد .

وظاهر قوله تعالى : { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } أنه لا يلزم التتابع ، وبه قال جمهور العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار وروي عن علي ومجاهد وعروة : أنه لا يفرق ، وفي قراءة أبيّ : فعدة من أيام أخر متتابعات ، وظاهر الآية : أنه لا يتعين الزمان ، بل تستحب المبادرة إلى القضاء . وقال داود : يجب عليه القضاء ثاني شوّال ، فلو لم يصمه ثم مات أثِمَ ، وهو محجوج بظاهر الآية ، وبما ثبت في الصحيح عن عائشة قالت : كان يكون عليّ الصوم من رمضان فلا أستطيع أن أقضيه ، إلاَّ في شعبان لشغل من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ،أو برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وظاهر الآية أنه : من أخر القضاء حتى دخل رمضان آخر ، أنه لا يجب عليه إلاَّ القضاء فقط عن الأول ، ويصوم الثاني . وبه قال الحسن ، والنخعي ، وأبو حنيفة ، وداود ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، يجب عليه الفدية مع القضاء .

وقال يحيى بن أكتم القاضي روى وجوب الإطعام عن ستة من الصحابة ، ولم أجد لهم من الصحابة مخالفاً . وروي عن ابن عمر أنه : لا قضاء عليه إذا فرّط في رمضان الأوّل ، ويطعم عن كل يوم منه مدّا من بر ، ويصوم رمضان الثاني .

ومن أخر قضاء رمضان حتى مات فقال مالك ، والثوري ، والشافعي : لا يصوم أحد عن أحد لا في رمضان ولا في غيره . وقال الليث ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيدة ، وأهل الظاهر : يصام عنه ، وخصصوة بالنذر . وقال أحمد ، وإسحاق : يطعم عنه في قضاء رمضان .

{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } قرأ الجمهور : يطيقونه مضارع أطاق ،

وقرأ حميد يطوقونه من أطوق ، كقولهم أطول في أطال ، وهو الأصل . وصحة حرف العلة في هذا النحو شاذة من الواو ومن الياء ، والمسموع منه : أجود ، وأعول ، وأطول . وأغيمت السماء ، وأخيلت ، وأغيلت المرأة وأطيب ، وقد جاء الإعلال في جميعها وهو القياس ، والتصحيح كما ذكرنا شاذ عند النحويين ، إلاَّ أبا زيد الأنصاري فانه يرى التصحيح في ذلك مقيساً إعتباراً بهذه الإلفاظ النزرة المسموع فيها الإعتلال والنقل على القياس .

وقرأ عبد اللّه بن عباس في المشهور عنه : يطوّقونه ، مبنياً للمفعول من طوّق على وزن قطع .

وقرأت عائشة ، ومجاهد ، وطاووس ، وعمرو بن دينار : يطوّقونه من أطوّق ، وأصله تطوّق على وزن تفعل ، ثم أدغموا التاء في الطاء ، فأجتلبوا في الماضي والأمر همزة الوصل . قال بعض الناس : هو تفسير لا قراءة ، خلافاً لمن أثبتها قراءة ، والذي قاله الناس خلاف مقالة هذا القائل ، وأوردها قرأة .

وقرأت فرقة ، منهم عكرمة : يطيقونه ، وهي مروية عن مجاهد ،

وابن عباس ، وقرىء أيضاً هكذا لكن بضم ياء المضارع على البناء للمفعول ، ورد بعضهم هذه القراءة ، وقال : هي باطلة لأنه مأخوذ من الطوق . قالوا : ولازمة فيه ، ولا مدخل للياء في هذا المثال .

و

قال ابن عطية : تشديد الياء في هذه اللفظة ضعيف انتهى . وإنما ضعف هذا ، أو امتنع عند هؤلاء ، لأنهم بنوا على أن الفعل على وزن تفعل ، فأشكل ذلك عليهم ، وليس كما ذهبوا إليه ، بل هو على وزن : تفعيل من الطوق ، كقولهم : تدير المكان وما بها دّيار ، فأصله : تطيوقون ، اجتمعت ياء واو ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فأبدلت الواو ياء وأدغمت فيها الياء ، فقيل : تطيق يتطيق ، فهذا توجيه هذه القراءة وهو توجيه نحوي واضح .

{فهذه ست قراءات} يرجع معناها إلى الاستطاعة والقدرة ، فالمبني منها للفاعل ظاهر ، والمبني منها للمفعول معناه : يجعل مطيقاً لذلك ، ويحتمل قراءة تشديد الواو والياء أن يكون لمعنى التكليف ، أي : يتكلفونه أو يكلفونه ، ومجازه أن يكون من الطوق بمعنى القلادة ، فكأنه قيل : مقلدون ذلك ، أي : يجعل في أعناقهم ، ويكون كناية عن التكليف ، أي : يشق عليهم الصوم . وعلى هذين المعنيين حمل المفسرون قوله تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } والضمير عائد على الصوم ، فاختلفوا ، فقال معاذ بن جبل ، وابن عمر ، وسلمة بن الأكوع ، والحسن البصري ، والشعبي ، وعكرمة ، وابن شهاب ، والضحاك : كان الصيام على المقيمين القادرين مخيراً فيه ، فمن شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم ، ثم نسخ ذلك { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } وهذا قول أكثر المفسرين ،

وقيل : ثم محذوف معطوف تقديره : يطيقونه ، أو الصوم ، لكونهم كانوا شباباً ثم عجزوا عنه بالشيخوخة ، قاله سعيد بن المسيب والسدي .

وقيل : المعنى : وعلى الذين يطيقون الصوم ، وهو بصفة المرض الذي يستطيع معه الصوم ، فخير هذا بين أن يصوم وبين أن يفطر ويفدي ، ثم نسخ ذلك بقوله :{ فَلْيَصُمْهُ } فزالت الرخصة إلاَّ لمن عجز منهم ، قاله ابن عباس . وجوّز بعضهم أن تكون : لا ، محذوفة ، فيكون الفعل منفياً ، وقدره : وعلى الذين لا يطيقونه ، قال : حذف : لا ، وهي مرادة . قال ابن أحمد . آليت أمدح مقرفاً أبدا

يبقى المديح ويذهب الرفد

وقال الآخر : فخالف ، فلا واللّه تهبط تلعة

من الأرض إلاَّ أنت للذل عارف

وقال امرؤ القيس : فقلت يمين اللّه أبر قاعدا

ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي

وتقدير : لا ، خطأ لأنه مكان إلباس . ألا ترى أن الذي يتبادر إليه الفهم ، هو : أن الفعل مثبت ، ولا يجوز حذف : لا ، وإرادتها إلاَّ في القسم ، والأبيات التي استدل بها هي من باب القسم ، وعلة ذلك مذكورة في النحو .

وقيل : { الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } المراد : الشيخ الهرم ، والعجوز ، أي : يطيقونه بتكلف شديد ، فأباح اللّه لهم الفطر والفدية ، والآية على هذا محكمة ، ويؤيده توجيه من وجه : يطوقونه ، على معنى : يتكلفون صومه ويتجشمونه ، وروي ذلك عن علي ، وابن عباس ، وأنها نزلت في الشيخ الفاني والعجوز الهرمة . وزيد عن علي : والمريض الذي لا يرجى برؤه ، والآية عند مالك إنما هي في من يدركه رمضان وعليه صوم رمضان المتقدّم ، فقد كان يطيق في تلك المدة الصوم ، فتركه ، فعليه الفدية .

وقال الأصم : يرجع ذلك إلى المريض والمسافر لأن لهما حالين : حال لا يطيقان فيه الصوم ، وقد بين اللّه حكمها في قوله :{ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} وحال يطيقان ، وهي حالة المرض والسفر الذين لا يلحق بهما جهد شديد لو صاما ، فخيرّ بين أن يفطر ويفدي ، فكأنه قيل : وعلى المرضى والمسافرين الذين يطيقونه .

والظاهر من هذه الأقوال القول الأوّل ، وذلك أن اللّه تعالى لما ذكر فرض الصيام على المؤمنين قسمهم إلى قسمين : متصف بمظنة المشقة ، وهو المريض والمسافر ، فجعل حكم هذا أنه إذا أفطر لزمه القضاء ومطيق للصوم ، فإن صام قضى ما عليه ، وإن أفطر فدى : ثم نسخ هذا الثاني ، وتقدم أن هذا كان ، ثم نسخ .

والقائلون بأن الذين يطيقونه هم الشيوخ والعجز ، تكون الآية محكمة على قولهم ، واختلفوا ، فقيل : يختص هذا الحكم بهؤلاء ،

وقيل : يتناول الحامل والمرضع ، وأجمعوا على أن الشيخ الهرم إذا أفطر عليه الفدية ، هكذا نقل بعضهم ، وليس هذا الإجماع بصحيح ، لأن ابن عطية نقل عن مالك أنه قال : لا أرى الفدية على الشيخ الضعيف واجبة ، ويستحب لمن قوي عليها . وتقدم قول مالك ورأيه في الآية .

وقال الشافعي : على الحامل والمرضع ، إذا خافتا على ولديهما ، الفدية ، لتناول الآية لهما ، وقياساً على الشيخ الهرم ، والقضاء .

وروي في البويطي : لا إطعام عليهما . وقال أبو حنيفة : لا تجب الفدية ، وأبطل القياس على الشيخ الهرم ، لأنه لا يجب عليه القضاء ، ويجب عليهما . قال : فلو أوجبنا الفدية مع القضاء كان جمعاً بين البدلين ، وهو غير جائز ، وبه قال ابن عمر ، والحسن ، وأبو يوسف ومحمد وزفر .

وقال علي : الفدية بلا قضاء ، وذهب ابن عمر ، وابن عباس إلى أن الحامل تفطر وتفدي ولا قضاء عليها ، وذهب الحسن ، وعطاء ، والضحاك ، والزهري ، وربيعة ، ومالك ، والليث إلى أن الحامل إذا أفطرت تقضي ، ولا فدية عليها وذهب مجاهد ، وأحمد إلى أنها تقضي وتفدي . وتقدم أن هذا مذهب الشافعي ،

وأما المرضع فتقدّم قول الشافعي ، وأبي حنيفة فيها إذا أفطرت . وقال مالك في المشهور تقضي وتفدي . وقال في مختصر ابن عبد الحكم : لا إطعام على المرضع .

واختلفوا في مقدار ما يطعم من وجب عليه الإطعام ، فقال إبراهيم ، والقاسم بن محمد ، ومالك والشافعي فيما حكاه عنه المزني . يطعم عن كل يوم مدًّ ؛ وقال الثوري : نصف صاع من بر ، وصاع ، من تمر أو زبيب ، وقال قوم : عشاء وسحور ، وقال قوم : قوت يوم ، وقال أبو حنيفة وجماعة ، يطعم عن كل يوم نصف صاع ، من بر ، وروي عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وقيس بن الكاتب الذي كان شريك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الجاهلية وعائشة ، وسعيد بن المسيب ، في الشيخ الكبير : أنه يطعم عنه كل يوم نصف صاع .

وظاهر الآية : أنه يجب مطلق طعام ، ويحتاج التقييد إلى دليل .

ولو جنّ في رمضان جميعه أو في شيء منه ، فقال الشافعي : لا قضاء عليه ولو أفاق قبل أن

تغيب الشمس إذ مناط التكليف العقل ، وقال مالك وعبيد اللّه العنبري : يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة ؛ وقال أبو حنيفة ، والثوري ومحمد ، وأبو يوسف ، وزفر : إذا جنّ في رمضان كله فلا قضاء عليه ، وإن أفاق في شيء منه قضاه كله .

وقرأ الجمهور : فدية طعام مسكين ، بتنوين الفدية ، ورفع طعام ، وإفراد مسكين ، وهشام كذلك إلا أنه قرأ : مساكين بالجمع ،

وقرأ نافع ، وابن ذكوان ، بإضافة الفدية والجمع وإفراد الفدية ، لأنها مصدر . ومن نوّن كان طعام بدلاً من فدية ، وكان في ذلك تبيين للفدية ما هي . ومن لم ينوّن فأضاف كان في ذلك تبيين أيضاً وتخصص بالإضافة ، وهي إضافة الشيء إلى جنسه ، لأن الفدية اسم للقدر الواجب ، والطعام يعم الفدية وغيرها ، وفي { المنتخب} أنه يجوز أن تكون هذه الإضافة من باب إضافة الموصوف إلى الصفة . قال : لأن الفدية لها ذات ، وصفتها أنها طعام ، وهذا ليس بجيد ، لأن طعاماً ليس بصفة ، وهو هنا إما أن يكون يراد به المصدر كما يراد بعطاء الإعطاء ، أو يكون يراد به المفعول كما يراد بالشراب المشروب ، وعلى كلا التقديرين لا يحسن به الوصف .

أما إذا كان مصدراً فإنه لا يوصف به إلاّ عند إرادة المبالغة ، ولا معنى لها هنا ،

وأما إذا أريد به المفعول فلأنه ليس جارياً على فعلٍ ولا منقاساً ، فلا تقول : في مضروب ضراب ، ولا في مقتول قتال ، وإنما هو شبيه الرعي والطحن والدهن ، لا يوصف بشيء منها ، ولا يعمل عمل المفعول ، ألا ترى أنه لا يجوز فيها ، مررت برجل طعام خبزه ولا شراب ماؤه ، فيرفع ما بعدها بها ؟ وإذا تقرر هذا فهو ضعف أن يكون ذلك من إضافة الموصوف إلى صفته ، ومن قرأ مساكين ، قابل الجمع بالجمع ، ومن أفرد فعلى مراعاة أفراد العموم أي : وعلى كل واحد ممن يطيق الصوم لكل يوم يفطره إطعام مسكين ، ونظيره { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } أي : فاجلدوا كل واحد منهم ثمانين جلدة . وتبين من أفراد المسكين أن الحكم لكل يوم يفطر فيه مسكين ، ولا يفهم ذلك من الجمع .

{فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ } أي : من زاد على مقدار الفدية في الطعام للمسكين ، قاله مجاهد ، وعلى عدد من يلزمه إطعامه ، فيطعم مسكينين فصاعداً قاله ابن عباس ، وطاووس ، وعطاء ، والسدي . أو جمع بين الإطعام والصوم ، قاله ابن شهاب .

وانتصاب { خَيْرًا } على أنه مفعول على إسقاط الحرف ، أي : بخير ، لأنه تطوّع لا يتعدى بنفسه ، ويحتمل أن يكون ضمّن ، تطوّع معنى فعل متعد ، فانتصب خيراً ، على أنه مفعول به ، وتقديره ، ومن فعل متطوعاً خيراً ، ويحتمل أن يكون انتصابه على أنه نعت لمصدر محذوف ، أي : تطوعاً خيراً ، ودل وصف المصدر بالخيرية على خيرية المتطوع به ، وتقدم ذكر قراءة من قرأ يطوع ، فجعله مضارع أطوع ، وأصله تطوع فأدغم ، واجتلبت همزة الوصل . ويلزم في هذه القراءة أن تكون : مَن شرطية ، ويجوز ذلك في قراءة مَن جعله فعلاً ماضياً ، والضمير في فهو ، عائد على المصدر المفهوم من تطوع ، أي : فالتطوع خير له ، نحو قوله :{ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } أي : العدل ، وخير : خبر : لهو ، وهو ، هنا أفعل التفضيل ، والمعنى : أن الزيادة على الواجب ، إذا كان يقبل الزيادة ، خير من الاقتصار عليه ، وظاهر هذه الآية العموم في كل تطوع بخير ، وإن كانت وردت في أمر الفدية في الصوم ، وظاهر التطوع : التخيير في أمر الجواز بين الفعل والترك ، وأن الفعل أفضل . ولا خلاف في ذلك ، فلو شرع فيه ثم أفسده ، لزمه القضاء عند أبي حنيفة ، ولا قضاء عليه عند الشافعي .

{وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ }

وقرأ أُبيُّ : والصوم خير لكم . هكذا نقل عن ابن عطية . ونقل الزمخشري : أن قراءته : والصيام خير لكم ، والخطاب

للمقيمين المطيقين الصوم ، أي : خير لكم من الفطر والفدية ، أو للمريض والمسافر ، أي : خير لكم من الفطر والقضاء ، أو : لمن أبيح له الفطر من الجميع . أقوال ثلاثة .

وأبعد من ذهب إلى أنه متعلق بأول الآية ، وهو { رَّحِيمٌ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ } أي : وأن تصوموا ذلك المكتوب خير لكم ، والظاهر الأول ، وفيه حض على الصوم .

{إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } من ذوي العلم والتمييز ، ويجوز أن يحذف اختصاراً لدلالة الكلام عليه أي : ما شرعته وبينته لكم من أمردينكم ، أو فضل أعمالكم وثوابها ، أو كنى بالعلم عن الخشية أي : تخشون اللّه ، لأن العلم يقتضي خشيته { إِنَّمَا يَخْشَى اللّه مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}

﴿ ١٨٤