٢٠٦وإذا قيل له . . . . . {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّه أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ } تحتمل أيضاً هذه الجملة أن تكون مستأنفة ، وتحتمل أن تكون داخلة في الصلة ، تقدم الكلام في نحو هذا في قوله :{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الارْضِ } و : ما ، الذي أقيم مقام الفاعل ، فأغنى عن ذكره هنا ، و : أخذته العزة ، احتوت عليه وأحاطت به ، وصار كالمأخوذ لها كما يأخذ الشيء باليد . قال الزمخشري : من قولك أخذته بكذا إذا حملته عليه ، وألزمته إياه ، أي : حملته العزة التي فيه ، وحمية الجاهلية ، على الإثم الذي ينهي عنه ، وألزمته ارتكابه ، وأن لا يخلى عنه ضرراً ولجاجاً ، أو على رد قول الواعظ . انتهى كلامه . فالباء ، على كلامه للتعدية ، كأن المعنى ألزمته العزة الإثم ، والتعدية بالباء بابها الفعل اللازم ، نحو :{ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } أي : لأذهب سمعهم ، وندرت التعدية بالباء في المتعدي ، نحو : صككت الحجر بالحجر ، أي أصككت الحجر الحجر ، بمعنى جعلت أحدهما يصك الآخر ، ويحتمل الباء أن تكون للمصاحبة ، أي : أخذته مصحوباً بالإثم ، أو مصحوبة بالإثم ، فيكون للحال من المفعول أو الفاعل ، ويحتمل أن تكون سببية ، والمعنى : أن إثمه السابق كان سبباً لأخذ العزة له ، حتى لا يقبل ممن يأمره بتقوى اللّه تعالى ، فتكون الباء هنا : كمن ، في قول الشاعر : أخذته عزة من جهله فتولى مغضباً فعل الضَّجر وعلى أن تكون : الباء ، سببية فسره الحسن ، قال . أي من أجل الإثم الذي في قلبه ، يعني الكفر . وقد فسرت العزة بالقوة وبالحمية والمنعة ، وكلها متقاربة . وفي قوله :{ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ } نوع من البديع يسمى التتميم ، وهو إرداف الكلام بكلمة يرفع عنه اللبس ، وتقربه للفهم ، كقوله تعالى :{ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ } وذلك أن العزة محمودة ومذمومة ، فالمحمودة طاعة اللّه ، كما قال :{ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ }{ وَللّه الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ }{ فَإِنَّ العِزَّةَ للّه جَمِيعاً } فلما قال : بالإثم ، اتضح المعنى وتم ، وتبين أنها العزة المذمومة المؤثم صاحبها . قال ابن مسعود : لا ينبغي للرجل أن يغضب إذا قيل له اتق اللّه ، أو تقول : أو لِمثْلى يقال هذا ؟ وقيل لعمر : اتق اللّه ، فوضع خدّه على الأرض تواضعاً ، وقيل : سجد ، وقال : هذا مقدرتي . وتردّد يهودي إلى باب هارون الرشيد ، سنة فلم يقض له حاجة ، فتحيل حتى وقف بين يديه ، فقال : اتق اللّه يا أمير المؤمنين : فنزل هارون عن دابته ، وخر ساجداً ، وقضى حاجته ، فقيل له في ذلك ، فقال : تذكرت قوله تعالى :{ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّه أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ} {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ } أي : كافيه جزاءً وإذلالاً جهنم ، وهي جملة مركبة من مبتدأ وخبر ، وذهب بعضهم إلى أن جهنم فاعل : فحسبه ، لأنه جعله اسم فعل ، إما بمعنى الفعل الماضي ، أي : كفاه جهنم ، أو : بمعنى فعل الأمر ، ودخول حرف الجر عليه واستعماله صفة ، وجريان حركات الإعراب عليه يبطل كونه اسم فعل ، وقوبل على اعتزازه بعذاب جهنم ، وهو الغاية في الذل ، ولما كان قوله : اتق اللّه ، حل به ما أمر أن يتقيه ، وهو : عذاب اللّه ، وفي قوله : فحسبه جهنم ، استعظام لما حل به من العذاب ، كما تقول للرجل : كفاك ما حل بك إذا استعظمت وعظمت عليه ما حل به . {وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ } تقدّم الكلام في : بئس ، والخلاف في تركيب مثل هذه الجملة مذكور في علم النحو ، لكن التفريع على مذهب البصريين في أن : بئس ونعم ، فعلان جامدان ، وأن المرفوع بعدهما فاعل بهما ، وأن المخصوص بالذّم ، إن تقدم ، فهو مبتدأ ، وإن تأخر فكذلك ، هذا مذهب سيبويه . وحذف هنا المخصوص بالذم للعلم به إذ هو متقدّم ، والتقدير : ولبئس المهاد جهنم . أو : هي ، وبهذا الحذف يبطل مذهب من زعم أن المخصوص بالمدح أو بالذمّ إذا تأخر كان خبر مبتد محذوف ، أو مبتدأ محذوف الخبر ، لأنه يلزم من حذفه حذف الجملة بأسرها من غير أن ينوب عنها شيء ، لأنها تبقى جملة مفلتة من الجملة السابقة قبلها ، إذ ليس لها موضع من الإعراب ، ولا هي اعتراضية ولا تفسيرية ، لأنهما مستغنى عنهما وهذه لا يستغنى عنها ، فصارت مرتبطة غير مرتبطة ، وذلك لا يجوز . وإذا جعلنا المحذوف من قبيل المفرد . كان فيما قبله ما يدل على حذفه ، وتكون جملة واحدة كحاله إذا تقدّم ، وأنت لا ترى فرقاً بين قولك : زيد نعم الرجل ، ونعم الرجل زيد ، كما لا تجد فرقاً بين : زيد قام أبوه ، وبين : قام أبو زيد ، وحسن حذف المخصوص بالذمّ هنا كون المهاد وقع فاصلة ، وكثيراً ما حذف في القرآن لهذا المعنى نحو قوله : { فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ }{ وَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبّرِينَ } وجعل ما أعد لهم مهاداً على سبيل الهزء بهم ، إذ المهاد : هو ما يستريح به الإنسان ويوطأ له للنوم ، ومثله قول الشاعر : وخيل قد دلفت لها بخيل تحية بينهم ضرب وجيع أي : القائم مقام التحية هو الضرب الوجيع ، وكذلك القائم مقام المهاد لهم هو المستقر في النار . |
﴿ ٢٠٦ ﴾