٢٣٤والذين يتوفون منكم . . . . . يذر : معناه يترك ، ويستعمل منه الأمر ولا يستعمل منه اسم الفاعل ولا المفعول ، وجاء الماضي منه على طريق الشذوذ . خبير : للمبالغة ، من خبرت الشيء علمته ، ومنه : قتل ارضاً خابرها ، وخبرت زيداً اختبرته ، ولهذه المادة يرجع الخبر لأنه الشيء المعلم به ، والخبار الأرض اللينة . التعريض : الإشارة إلى الشيء دون تصريح . الخطبة : بكسر الخاء التماس النكاح ، يقال خطب فلان فلانة ، أي : سألها خطبة أي : حاجته ، فهو من قولهم : ما خِطبك ؟ أي : ما حاجتك ، وأمرك ؟ قال الفراء : الخطبة مصدر بمعنى الخطب ، وهو من قولك : إنه يحسن القِعدة والجِلسة ، يريد : القعود والجلوس . والخُطبة بضم الخاء الكلام المشتمل على : الزجر ، والوعظ ، والإذكار ، وكلاهما راجع للخطاب الذي هو الكلام ، وكانت سجاح يقول لها الرجل : خطب فتقول نكح . أكنّ الشيء : أخفاه في نفسه ، وكنه : ستره ، شيء ، والهمزة في أكنّ للتفرقة بين المعنيين ، كأشرقت . العقدة : في الحبل ، وفي الغصن معروفة ، يقال : عقدت الحبل والعهد ، ويقال : أعقدت العسل ، وهو راجع لمعنى الاشتداد ، وتعقد الأمر عليّ اشتدّ ، ومنه القعود . المقتر : المقل أقتر الرجل وقتر يقتر ويقتر ، والقلة معنى شامل لجميع مواقع اشتقاقه ، ومنه القتير ، وهو مسمار الدرع ، والقترة أدنى الغبار ، والناموس الصغار ، والقتار : ريح القدر قال طرفة : حين قال الناس في مجلسهم أقتار ذاك ؟ أم ريحٌ قطر ؟ والقتر : بيوت الصيادين على الماء قال الشاعر : ربّ رام من بني ثعل مثلج كفيه في قتره النصف : هو الجزء من اثنين على السواء ، ويقال : بكسر النون وضمها ، ونضيف : ومنه : ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ، أي : نصفه ، كما يقال : ثمن وثمين ، وعشر وعشير ، وسدس وسديس ، ومنه قيل : النصف المقنعة التي توضع على رأس المرأة نصيف ، وكل شيء بلغ نصف غيره فهو نصف ، يقال : نصف النهار ينصف ، ونصف الماء القدح ، والإزار الساق ، والغلام القرآن ، وحكى الفراء في جميع هذا : أنصف . المحافظة على الشيء : المواظبة عليه ، وهو من الحفظ ، حفظ المكان حرسه ، وحفظ القرآن تذكره غائباً ، وهو راجع لمعنى الحراسة ، وحفظ فلان : غضب ، وأحفظه : أغضبه ، ومصدر : حفظ ، بمعنى غضب : الحفيظة والحفظ . الركوب : معروف ، وركبان : جمع راكب ، وهو صفة استعملت استعمال الأسماء ، فحسن أن يجمع جمع الأسماء ، ومع ذلك فهو في الأسماء محفوظ قليل ، قالوا : حاجر وحجران ، ومثل ، ركبان : صحبان ، ورعيان ، جمع صاحب وراع ، فإن لم تستعمل الصفة استعمال الأسماء لم يجيء فيها فعلان ، لم يرد مثل : ضربان وقتلان في جمع : ضارب وقاتل . {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما تقدّم ذكر عدة طلاق الحيض ، واتصلت الأحكام إلى ذكر الرضاع ، وكان في ضمنها قوله { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذالِكَ } أي : وارث المولود له ، ذكر عدة الوفاة إذ كانت مخالفة لعدة طلاق الحيض . وقرأ الجمهور : يتوفون ، بضم الياء مبنياً للمفعول وقرأ علي ، والمفضل ، عن عاصم : بفتح الياء مبنياً للفاعل ، ومعنى هذه القراءة أنهم : يستوفون آجالهم . وإعراب : الذين ، مبتدأ واختلف أنه خبر أم لا ؟ فذهب الكسائي والفراء إلى أنه لا خبر له ، بل أخبر عن الزوجات المتصل ذكرهن : بالذين ، لأن الحديث معهن في الاعتداد بالأشهر ، فجاء الخبر عما هو المقصود ، والمعنى : من مات عنها زوجها تربصت ، وأنشد الفراء رحمه اللّه : لعلِّي إن مالت بي الريح ميلة على ابن أبي ذيان أن يتندّما فقال : لعلِّي ، ثم قال : أن يتندّما ، لأن المعنى : لعل ابن أبي ذيان إن مالت بي الريح ميلة أن يتندما وقال الشاعر : بني أسدٍ إن ابن قيس ، وقتله بغير دم ، دارَ المذلة حلت ألغى ابن قيس ، وقد ابتدأ بذكره وأخبر عن قتله أنه ذْلّ ؛ وتحرير مذهب الفراء أن العرب إذا ذكرت أسماء مضافة إليها ، فيها معنى الخبر ، أنها تترك الإخبار عن الإسم الأول ويكون الخبر عن المضاف ، مثاله : إن زيداً وأخته منطلقة ، لأن المعنى : إن أخت زيد منطلقة ؛ والبيت الأول ليس من هذا الضرب ، وإنما أوردوا مما يشبه هذا الضرب قول الشاعر : فمن يك سائلاً عني فإني وجروة لا ترود ولا تعار والرد على الفراء ، وتأويل الأبيات والآية ، مذكور في النحو . وذهب الجمهور إلى أن له خبراً ، واختلفوا ، فقيل : هو ملفوظ به ، وهو : يتربصن ، ولا حذف يصحح معنى الخبر ، لأنه ربط من جهة المعنى ، لأن النون في : يتربصن ، عائد ، فقيل : على الأزواج الذين يتوفون ، فلو صرح بذلك فقيل : يتربصن أزواجهم ، لم يحتج إلى حذف ، وكان إخباراً صحيحاً ، فكذلك ما هو بمعناه ، وهو قول الزجاج . وقيل : ثَمَّ حذف يصحح معنى الخبرية ، واختلفوا في محل الحذف ، فقيل : من المبتدأ ، والتقدير : وأزواج الذين ، ودل على المحذوف قوله :{ وَيَذَرُونَ أَزْواجًا } وقيل : من الخبر ، وتقديره : يتربصن بعدهم ، أو : بعد موتهم ، قاله الأخفش . وقيل : من الخبر وهو أن يكون الخبر جملة من مبتدأ محذوف وخبره يتربصن ، تقديره : أزواجهم يتربصن ، ودل عليه المظهر ، قاله المبرد . وقيل : الخبر بجملته محذوف مقدّر قبل المبتدأ تقديره : فيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً . وقوله :{ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ } بيان للحكم المتلو ، وهي جملة لا موضع لها من الإعراب ، قالوا : وهذا قول سيبويه . قال ابن عطية : إنما يتجه ذلك إذا كان في الكلام لفظ أمر بعد ، مثل قوله : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا } وهذه الآية فيها معنى الأمر لا لفظه ، فيحتاج في هذا التقدير إلى تقدير آخر يستغنى عنه إذا حضر لفظ الأمر ، وحسَّن مجيء الآية هكذا أنها توطئة لقوله :{ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } إذ القصد بالمخاطبة من أول الآية إلى آخرها للرجال الذين منهم الحكام والنظار عبارة الأخفش والمبرد ما ذكرناه . انتهى كلامه . وظاهرة قوله : يتربصن ، العموم في كل امرأة توفي عنها زوجها ، فيدخل فيه الأمة والكتابية والصغيرة . وروي عن أبي حنيفة أن عدة الكتابية ثلاث حيض إذا توفي عنها زوجها ، وروي عنه أن عليها عدّة ، فإن لم يدخل فلا عدة قولاً واحداً ، ويتخرج على هذين القولين الإحداد ، وتخصيص الحامل قيل : بقوله { وَأُوْلَاتُ الاْحْمَالِ أَجَلُهُنَّ } الآية ، ولم يخصص الشافعي هنا العموم في حق الحامل إلاَّ بالسنة لا بهذه الآية ، لأنها وردت عقيب ذكر المطلقات ، فيحتمل أن يقال : هي في المطلقة . لا في المتوفي عنها زوجها ، ولأن كل واحدة من الآيتين أعم من الأخرى من وجه ، وأخص منها من وجه ، لأن الحامل قد يتوفى عنها زوجها وقد لا يتوفى ، والتي توفي عنها زوجها قد تكون حاملاً وقد لا تكون ، فامتنع التخصيص . وقيل : الآية تتناول أولاً الحوامل ، ثم نسخ بقوله :{ وَأُوْلَاتُ الاْحْمَالِ } وعدة الحامل وضع حملها عند الجمهور . وروي عن علي ، وابن عباس ، وغيرهما : أن تمام عدتها آخر الأجلين ، واختاره سحنون ، وروي عن ابن عباس أنه رجع عن ذلك . ومعنى :{ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ } أي : ينتظرن . قيل : والتربص هنا الصبر عن النكاح ، قاله الحسن ، قال : وليس الإحداد بشيء ولها أن تتزين وتتطيب . وضعف قوله ، وقيل : ترك التزوج ولزوم البيت والإحداد ، وهو أن تمتنع من الزينة ، ومن لبس المصبوغ الجميل مثل الحمرة والصفرة والخضرة ، والطيب ، وما يجرى مجرى ذلك . وهذا قول الجمهور ، وليس في الآية نص على الإحداد ، بل التربص مجمل بينته السنة ، ثبت في حديث الفريعة قوله صلى اللّه عليه وسلم : { أمكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله} . وكانت متوفى عنها زوجها ، قالت : فاعتدد أربعة أشهر وعشراً . وصح أنه قال : { لا يحل لامرأة تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلاَّ على زوج ، فإنها تحد أربعة أشهر وعشراً ، وتلزم المبيت في بيتها} . وهذا قول الجمهور ، وقال ابن عباس ، وأبو حنيفة ، وغيرههما : تبيت حيث شاءت ، وروي ذلك عن علي ، وجابر ، وعائشة ، وبه قال عطاء ، وجابر بن زيد ، والحسن ، وداود . قال ابن عباس : قال تعالى :{ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ } ولم يقل : يعتددن في بيوتهن ، ولتعتد حيث شاءت أربعة أشهر وعشراً ، قالوا : معناه وعشر ليال ، ولذلك حذف التاء وهي قراءة ابن عباس . والمراد عشر ليال بأيامها ، فيدخل اليوم العاشر ، قيل : . وغلب حكم الليالي إذ الليالي أسبق من الأيام ، والأيام في ضمنها ، وعشر أخف في اللفظ ، ولا تنقضي عدّتها إلاَّ بانقضاء اليوم العاشر ، هذا قول الجمهور . وقال الأوزاعي ، وأبو بكر الأحم : ليس اليوم العاشر من العدة ، بل تنقضي بتمام عشر ليالٍ . وقال المبرد : معناه وعشر مدد كل مدة منها يوم وليلة ، تقول العرب : سرنا خمساً ، أي : بين يوم وليلة قال الشاعر : فطافت ثلاثاً بين يوم وليلة وكان النكيرات تضيف وتجأرا وقال الزمخشري : وقيل عشر إذهاباً إلى الليالي والأيام داخلة معها ، ولا تراهم قط يستعملون التذكير فيه ذاهبين إلى الأيام ، تقول : صمت عشراً ، ولو ذكرت خرجت من كلامهم ، ومن البين فيه { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً }{ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } انتهى كلامه ولا يحتاج إلى تأويل عشر بأنها ليالٍ لأجل حذف التاء ، ولا إلى تأويلها بمدد ، كما ذهب إليه المبرد ، بل الذي نقل أصحابنا أنه : إذا كان المعدود مذكراً وحذفته ، فلك فيه وجهان . أحدهما ، وهو الأصل : أن يبقى العدد على ما كان عليه لو لم يحذف المعدود ، فتقول : صمت خمسة . تريد : خمسة أيام ، قالوا : وهو الفصيح ، قالوا : ويجوز أن تحذف منه كله تاء التأنيث ، وحكى الكسائي عن أبي الجراح : صمنا من الشهر خمساً . ومعلوم أن الذي يصام من الشهر إنما هي الأيام ، واليوم مذكر وكذلك قوله : وإلاَّ فسيري مثل ما سار راكب يتمم خمساً ليس في سيره أمم يريد خمسة أيام ، وعلى ذلك ما جاء في الحديث ، ثم أتبعه بست من شوال ، وإذا تقرر هذا فجاء قوله : عشراً على أحد الجائزين ، وحسنه هنا أنه مقطع كلام ، فهو شبيه بالفواصل ، كما حسن قوله : { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } كونه فاصلة ، فلذلك اختير مجيء هذا على أحد الجائزين ، فقوله : ولو ذكرت لخرجت عن كلامهم ، ليس كما ذكر ، بل لو ذكر لكان أتى على الكثير الذي نصوا عليه أنه الفصيح ، إذ حاله عندهم محذوفاً كحاله مثبتاً في الفصيح ، وجوزوا الذي ذكره الزمخشري على أن غيره أكثر منه ، وقوله : ولا تراهم قط يستعملون التذكير فيه ، كما ذكر ، بل استعمال التذكير هو الكثير الفصيح فيه . كما ذكرنا . وقوله : ومن البين فيه { إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً } قد بينا مجيء هذا على الجائز فيه ، وأن محسن ذلك إنما هو كونه فاصلة ، وقوله :{ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْماً } فائدة ذكر الزمخشري هذا أنه على زعمه أراد الليالي ، والأيام داخلة معها ، فأتى بقوله : إلاَّ يوماً ، للدلالة على ذلك ، وهذا عندنا يدل على أن قوله : عشراً ، إنما يريد بها الأيام ، لأنهم اختلفوا في مدة اللبث ، فقال قوم : عشر ، وقال ، أمثلهم : طريقة يوم ، فقوله : إلاَّ يوماً ، مقابل لقولهم إلاَّ عشراً ، ويبين أنه أريد بالعشر الأيام ، إذ ليس من التقابل أن يقول بعضهم : عشر ليال ، ويقول : بعض : يوماً . وظاهر قوله أربعة أشهر ما يقع عليه اسم الشهر ، فلو وجبت العدّة مع رؤية الهلال لاعتدّت بالأهلة ، كان الشهر تاماً أو ناقصاً . وإن وجبت في بعض شهر ، فقيل : تستوفي مائة وثلاثين يوماً ، وقيل : تعتدّ بما يمر عليها من الأهلة شهوراً ، ثم تكمل الأيام الأول ، وكلا القولين عن أبي حنيفة . ولما كان الغالب على من مات عنها زوجها أن تعلم ذلك ، فتعتد إثر الوفاة ، جاء الفعل مسنداً : إليهن ، وأكد بقوله : بأنفسهن ، فلو مضت عليها مدة العدة من حين الوفاة ، وقامت على ذلك البينة ، ولم تكن علمت بوفاته إلى أن انقضت العدة ، فالذي عليه الجمهور أن عدتها من يوم الوفاة ، وبه قال ابن مسعود ، وابن عباس ، وابن عمر ، وجابر ، وعطاء والأسود بن يزيد ، وفقهاء الأمصار . وقال علي ، والحسن البصري ، وخلاس بن عمرو ، وربيعة : من يوم يأتيها الخبر . وكأنهم جعلوا في إسناد التربص إليهن تأثيراً في العدة . وروي عن سعيد بن المسيب ، والشافعي : أنهما قالا : إذا قامت البينة فالعدة من يوم يموت ، وإن لم تقم بينة فمن يوم يأتيها الخبر . وروي عن الشافعي مثل قول الجمهور ، وأجمعوا على أن المعتدة ، لو كانت حاملاً لا تعلم بوفاة الزوج حتى وضعت الحمل ، أن عدتها منقضية ، ولم تتعرض الآية في المتوفي عنها زوجها إلاَّ لأن تتربص تلك المدة ، فلا نفقة لها في مدة العدة من رأس المال ، ولو كانت حاملاً ، قاله جابر ، وابن عباس ، وابن المسيب ، وعطاء ، والحسن ، وعكرمة ، وعبد الملك بن يعلى ، ويحيى الأنصاري ، وربيعة ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وابن المنذر ، وروي عن أبي حنيفة . وقيل : لها النفقة من جميع المال ، وروي ذلك عن علي ، وعبد اللّه بن عرم ، وشريح ، وابن سيرين ، والشعبي ، وأبي العالية ، والنخعي ، وخلاس بن عمرو ، وحماد بن أبي سليمان ، وأيوب السختياني ، والثوري ، وأبي عبيد . وظاهر قوله { يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } أنه إذا تربصت هذه المدة ليس عليها أكثر من ذلك ، وإن كانت ممن تحيض فلم تحض فيها ، وقيل : لا تبرأ إلاَّ بحيضة تأتي بها في المدة ، وإلاَّ فهي مستريبة ، فتمكث حتى تزول ريبتها . وأجمع الفقهاء على أن هذه الآية ناسخة لما بعدها من الإعتداد بالحول ، وهذا من غرائب النسخ ، فإن الحكم الثاني ينسخ الأول ، وقيل : إن الحول لم ينسخ ، وإنما هو ليس على وجه الوجوب ، بل هو على الندب ، فأربعة أشهر وعشراً ، أقل ما تعتدّ به المتوفى عنها زوجها ، والحول هو الأكمل والأفضل . وقال قوم : ليس في هذا نسخ ، وإنما هو نقصان من الحول : كصلاة المسافر لما نقصت من الأربع إلى الاثنين لم يكن ذلك نسخاً ، بل كان تخفيفاً . قالوا : واختص هذا العدد في عدّة المتوفى عنها زوجها استبراء للحمل فقد روى ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : { يكون خلق أحدكم نطفة أربعين يوماً ، ثم علقة أربعين يوماً ، ثم مضغة أربعين يوماً ، ثم ينفخ فيه الروح ، أربعة أشهر وزاد اللّه العشر لأنها مظنة لظهور حركة الجنين ، أو مراعاة لنقص الشهور وكمالها ، أو استظهاراً لسرعة ظهور الحركة أو بطئها في الجنين} . قال أبو العالية وغيره : إنما زيدت العشر لأن نفخ الروح يكون فيها ، وظهور الحمل في الغالب . وقال الأصمعي : ولد كل عامل يركض في نصف حمله ، وقال الراغب : ذكر الأطباء أن الولد في الأكثر ، إذا كان ذكراً يتحرك بعد ثلاثة أشهر ، وإذا كان أنثى بعد أربعة أشهر ، وزيد على ذلك عشراً استظهاراً . قال وخصت العشرة لزيادة لكونها أكمل الأعداد وأشرفها لما تقدم في :{ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} قال القشيري : لما كان حق الميت أعظم ، لأن فراقه لم يكن بالاختيار ، كانت مدة وفاته أطول ، وفي ابتداء الإسلام كانت عدة الوفاة سنة ، ثم ردت إلى أربعة أشهر وعشرة أيام لتخفيف براءة الرحم عن ماء الزوج ، ثم إذا انقضت العدة أبيح لها التزوج بزوج آخر ، إذ الموت لا يستديم موافاة إلى آخر عمر أحد . كما قيل : وكما تبلى وجوه في الثرى فكذا يبلى عليهنّ الحزن {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِى وَالاْقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} بلوغ أجلهنّ هو انقضاء المدة المضروبة في التربص ، والمخاطبون : بعليكم ، الأولياء ، أو الآئمة والحكام والعلماء ، إذ هم الذين يرجع إليهم في الوقائع ، أو عامة المؤمنين . أقوال ، ورفع الجناح عن الرجال في بلوغ النساء أجلهنّ لأنهم هم الذين ينكرون عليهنّ ، ويأخذونهنّ بأحكام العدد ، أو لأنهم إذ ذاك يسوغ لهم نكاحهن ، إذ كان ذلك في العدّة حراماً ، فزال الجناح بعد انقضاء العدة . والذي فعلن بأنفسهن : النكاح الحلال ، قاله مجاهد ، وابن شهاب ، أو : الطيب ، والتزين ، والنقلة من مسكن إلى مسكن ، قاله أبو جعفر الطبري ، ومعنى : بالمعروف أي : بالإشهاد ، وقيل : ما أذن فيه الشرع مما يتوقف النكاح عليه ، وقال الزمخشري :{ فِيمَا فَعَلْنَ فِى أَنفُسِهِنَّ } من التعرض للخطاب ، بالمعروف : بالوجه الذي لا ينكره الشرع ، والمعنى : أنهن لو فعلن ما هو منكر كان على الأئمه أن يكفوهن ، وإن فرطوا كان عليهم الجناح . إنتهى كلامه . وهو حسن . {وَاللّه بِمَا تَعْلَمُونَ خَبِيرٌ } وعيد يتضمن التحذير ، وخبير للمبالغة ، وهو العلم بما لطف والتقصي له . |
﴿ ٢٣٤ ﴾