٢٤٢

كذلك يبين اللّه . . . . .

{كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللّه لَكُمْ آيَاتِهِ } أي مثل هذا التبيين الذي سبق من الأحكام ، يبين لكم في المستقبل ما بقي من الأحكام التي يكلفها العباد .

{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ما يراد منكم من التزام الشرائع والوقوف عندها ، لأن التبيين للأشياء مما يتضح للعقل بأول إدراك ، بخلاف الأشياء المغيبات والمجملات ، فإن العقل يرتبك فيها ، ولا يكاد يحصل منها على طائل .

قيل : وفي هذه الآيات من بدائع البديع ، وصنوف الفصاحة : النقل من صيغة : إفعلوا ، إلى : فاعلوا ، للمبالغة وذلك في : حافظوا ، والاختصاص بالذكر في : والصلاة الوسطى ، والطباق المعنوي في : فإن خفتم .

لأن التقدير في : حافظوا ، وهو مراعاة أوقاتها وهيآتها إذا كنتم آمنين ، والحذف في : فإن خفتم ، العدوّ ، أو ما جرى مجراه . وفي : فرجالاً ، أي : فصلوا رجالاً ، وفي : وصية لأزواجهم ، سواء رفع أم نصب ، وفي : غير إخراج ، أي : لهنّ من مكانهنّ الذي يعتدون فيه ، وفي : فإن خرجن من بيوتهنّ من غير رضا منهنّ ، وفي : فيما فعلن في أنفسهنّ ، أي : من ميلهنّ إلى التزويج أو الزينة بعد انقضاء المدّة وفي : بالمعروف ، أي : عادة أو شرعاً وفي : عزيز ، أي : انتقامه ، وفي : حكيم ، في أحكامه .

وفي قوله : حقاً ، أي : حق ذلك حقاً ، وفي : على المتقين ، أي عذاب اللّه والتشبيه : في : كما عملكم ، والتجنيس المماثل : وهو أن يكون بفعلين أو بأسمين ، وذلك في : علمكم ما لم تكونوا تعلمون ، والتجنيس المغاير : في غير إخراج فان خرجهن ، والمجاز في : يتوفون ، أي يقاربون الوفاة ، والتكرار : في متاعاً إلى الحول ، ثم قال : وللمطلقات متاع ، فيكون للتأكيد إن كان إياه ولاختلاف المعنيين إن كان غيره .

وقد تضمنت هذه الآيات الكريمة حكم المتوفى عنها زوجها ، وأن عدتها أربعة أشهر وعشر وأنهنّ إذا انقضت عدتهنّ لا حرج على من كان متولياً أمرهنّ من ولي أوحاكم فيما فعلن من : تعرض لخطبة ، وتزين ، وترك إحداد ، وتزوّج وذلك بالمعروف شرعاً ، وأعلم تعالى أنه خبير بما يصدر منا ، وأنه لا جناح على من عرّض بالخطبة أو أكنّ بالخطبة أو أكنّ التزويج في نفسه ، وأفهم ذلك أن التصريح فيه الجناح ، ثم ، إنه تعالى عذر في التعريض بأن النفوس تتوق إلى التزوّج وذكر النساء ، ونهى تعالى عن مواعدة السر وهو النكاح ، وأباح قولاً معروفاً من التنبيه به على أن المرأة مرغوب فيها ، فإن في ذلك جبراً لها وبعض تأنيس منه لها بذلك . ثم نهى عن بت النكاح قبل انقضاء العدّة ، وأعلم أن ما في نفس الإنسان يعلمه اللّه ، وأمر بأن يحذر ، ولما كان الأمر بالحذر يستدعي مخوفاً ، أعلم أنه غفور يستر الذنب ، حليم يصفح عن المسيء ، ليتعادل خوف المؤمن ورجاؤه ، ثم ذكر رفع الحرج عن من طلق المرأة قبل المسيس ، أو قبل أن يفرض لها الصداق ، إذ كان يتوهم أن الطلاق قبل الدخول بها لا يباح ، ثم أمر بالتمتيع ليكون ذلك عوضاً لغير المدخول بها مما كان فاتها من الزوج ، ومن نصف الصداق الذي تشطر بالطلاق ، وجبراً لها بذلك ولغير المفروض لها ، وأن ذلك التمتيع على حسب وجد الزوج وإقتاره ، ولم يعين المقدار ، بل قال : إن ذلك بالمعروف ، وهو الذي ألف عادة وشرعاً ، وأن ذلك حق على من كان محسناً . ثم ذكر أنه إذا اطلق قبل المسيس وبعد الفرض فإنه يتشطر المسمى ، فيجب لها نصف الصداق إلاَّ إن عفت المرأة فلم تأخذ منه شيئاً ، أو عفا الزوج فأدى إليها الصداق كاملاً إذا كان الطلاق إنما كان من جهته ، ثم ذكر أن العفو من أي جهة كان منهما أقرب لتحصيل التقوى للعافي ، إذ هو : إما بين تارك حقه ، أو باذل فوق الحق . ثم نهى عن نسيان الفضل ، ففي هذا النهي الأمر بالفضل .

ثم ختم ذلك بأنه بصير بجميع أعمالهم ، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء باساءته .

ولما ذكر تعالى أحكام النكاح ، وكادت تستغرف المكلف ، نبه تعالى على أشرف العبادات التي يتقرب بها إلى اللّه تعالى المكلف ، وأمر بالمحافظة عليها وهي : الصلوات ، وخص الوسطى منها بالذكر تنبيهاً على فضلها ، ومن تسميتها بالوسطى تبين تمييزها على غيرها ، وهي بلا شك صلاة العصر ، ثم أمر بالقيام للّه متلبسين بطاعته ، ثم للمبالغة في توكيد إيجاب الصلوات لم يسامح بتركها حالة الخوف ، بل أمر أن تؤدّى في تلك الحال ، سواء كان الخائف ماشياً أو راكباً ، وإن كان في ذلك بعض اختلال لشروطها ؛ ثم أمر أن تؤدّي على حالها الأول من إتمام شروطها ، وهيآتها إذا أمن الخائف ، وأن يؤديها على الحالة التي علمه اللّه في أدائها قبل الخوف .

وذكر أن اللواتي يتوفى عنهنّ أزواجهنّ لهن وصية بتمتيع إلى انقضاء حول من وفاة الأزواج ، وأنهنّ لا يخرجن من بيوتهنّ في ذلك الحول ، فإن اخترن الخروج فخرجن ، فلا جناح على متولي أمرها فيما فعلت في نفسها ، ثم أعلم أنه عزيز لا يغلب و يقهر ، حكيم بوضع الأشياء مواضعها .

ثم ذكر تعالى أن للمطلقات متاعاً مما عرف شرعاً وعادة ، واقتضى ذلك عموم كل مطلقة ، وأن ذلك المتاع حق على من اتقى .

ولما كان تعالى قد بين عدة أحكام فيما تقدّم من الآيات ، أحال على ذلك التبيين ، وشبه التبيين الذي قد يأتي لسائر الآيات بالتبيين الذي سبق . وان التبيين هو لرجائكم أن تتعقلوا عن اللّه أحكامه فتجنبوا ما نهى تعالى عنه ، وتمتثلوا ما به أمر تعالى .

﴿ ٢٤٢