٦

هو الذي يصوركم . . . . .

وقال محمد بن جعفر بن الزبير ، والربيع ، في قوله : { هُوَ الَّذِي يُصَوّرُكُمْ } ردّ على أهل الطبيعة ، إذ يجعلونها فاعلة مستبدة كيف يشاء . قال الماتريدي : فيه إبطال قول من يجعل قول القائف حجة في دعوى النسب ، لأنه جعل علم التصوير في الأرحام لنفسه ، فكيف يعرف القائف أنه صوره من مائه عند قيام التشابه في الصور ؟ انتهى .

والأحسن أن تكون هذه الجمل مستقلة ، فتكون

الأولى : إخباراً عنه تعالى بالعلم التام ، والثانية : إخباراً بالقدرة التامة وبالإرادة . والثالثة : بالإنفراد بالإلهية ، ويحتمل أن يكون خبراً عن : أن .

وقال الراغب ، هنا : يصوركم ، بلفظ الحال ، وفي موضع آخر : فصوركم ، لأنه لا اعتبار بالأزمنة في أفعاله ، وإنما استعملت الألفاظ فيه للدلالة على الأزمنة بحسب اللغات ، وأيضاً : فصوركم ، إنما هو على نسبة التقدير ، وإن فعله تعالى في حكم ما قد فرع منه . ويصوركم على حسب ما يظهر لنا حالاً فحالاً . انتهى .

وقرأ طاووس : تصوركم ، أي صوركم لنفسه ولتعبده . كقولك : أثلت مالاً ، أي : جعلته أثلة . أي : أصلاً . وتأثلته إذا أثلته لنفسك وتأتي : تفعَّل ، بمعنى : فعل ، نحو : تولى ، بمعنى : ولي .

ومعنى { كَيْفَ يَشَاء } أي : من الطول والقصر ، واللون ، والذكورة والأنوثة ، وغير ذلك من الاختلافات .

وفي قوله :{ كَيْفَ يَشَاء } إشارة إلى أن ذلك يكون بسبب وبغير سبب ، لأن ذلك متعلق بمشيئته فقط .

و : كيف ، هنا للجزاء ، لكنها لا تجزم . ومفعول : يشاء ، محذوف لفهم المعنى ، التقدير : كيف يشاء أن يصوركم . كقوله { يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء } أي : كيف يشاء أن ينفق ، و : كيف ، منصوب : بيشاء ، والمعنى : على أي حال شاء أن يصوركم صوركم ، ونصبه على الحال ، وحذف فعل الجزاء لدلالة ما قبله عليه ، نحو قولهم : أنت ظالم إن فعلت ، التقدير : أنت ظالم إن فعلت فأنت ظالم ، ولا موضع لهذه الجملة من الإعراب ، وإن كانت متعلقة بما قبلها في المعنى ، فتعلقها كتعلق إن فعلت ، كقوله : أنت ظالم .

وتفكيك هذا الكلام وإعرابه على ما ذكرناه ، لا يهتدى له إلاَّ بعد تمرّن في الإعراب ، واستحضار للطائف النحو .

وقال بعضهم { كَيْفَ يَشَاء } في موضع الحال ، معمول : يصوركم ؛ ومعنى الحال

أي : يصوركم في الأرحام قادراً على تصوريكم مالكاً ذلك

وقيل : التقدير في هذه الحال : يصوركم على مشيئته ، أي مريداً ، فيكون حالاً من ضمير اسم اللّه ، ذكره أبو البقاء ، وجوّز أن يكون حالاً من المفعول ، أي : يصوركم منقلبين على مشيئته .

وقال الحوفي : يجوز أن تكون الجملة في موضع المصدر ، المعنى : يصوركم في الأرحام تصوير المشيئة ، وكما يشاء .

{لا إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } كرر هذه الجملة الدالة على نفي الإلهية عن غيره تعالى ، وانحصارها فيه ، توكيداً لما قبلها من قوله { لاَ إِلَاهَ إِلاَّ هُوَ } ورداً على من ادعى إلهية عيسى ، وناسب مجيئها بعد الوصفين السابقين من العلم والقدرة ، إذ مَن هذان الوصفان له ، هو المتصف بالإلهية لا غيره ، ثم أتى بوصف العزة الدالة على عدم النظير ، والحكمة الموجبة لتصوير الإشياء على الإتقان التام .

﴿ ٦