١٥

قل أؤنبئكم بخير . . . . .

الرضوان : مصدر رضي ، وكسر رائه لغة الحجاز ، وضمها لغة تميم وبكر ، وقيس ، وغيلان .

وقيل : الكسر للأسم ، ومنه : رِضوان خازن الجنة ، والضم للمصدر .

السحر : بفتح الحاء وسكونها ، قال قوم منهم الزجاج : الوقت قبل طلوع الفجر ، ومنه يقال : تسحر أكل في ذلك الوقت ، واستحر : سار فيه قال . بكرن بكوراً واستحرت بسحرة

فهنّ لوادي الرس كاليد للفم

واستحر الطائر صالح وتحرك فيه قال : يعل به برد أنيابها

اذا غرّد الطائر المستحر

وأسحر الرجل واسثحر دخل في السحر قال : وأدلج من طيبة مسرعا

فجاء إلينا وقد أسحرا

وقال بعض اللغويين السحر : من ثلث الليل الآخر إلى الفجر ، وجاء في بعض الأشعار عن العرب أن السحر يستمر حكمه فيما بعد الفجر .

وقيل : السحر عند العرب بكون من آخر الليل ثم يستمر إلى الإسفار . وأصل السحر الخفاء للطفة ، ومنه السحر والسحر .

{قُلْ أَؤُنَبّئُكُمْ بِخَيْرٍ مّن ذالِكُمْ } نزلت حين قال عمر عندما نزل :{ زُيّنَ لِلنَّاسِ } يا رب الآن حين زينتها . ولما ذكر تعالى أن { عِندَهُ حُسْنُ الْمَأَبِ } ذكر المآب وأنه خير من متاع الدنيا ، لأنه خير خال من شوب المضار ، وباق لا ينقطع . والهمزة في : أؤنبئكم ، الأولى همزة الاستفهام دخلت على همزة المضارعة وقرىء في السبعة بتحقيق الهمزتين من غير ادخال ألف بينهما ، وبتحقيقهما ، وادخال ألف بينهما ، وبتسهيل الثانية من غير ألف بينهما . ونقل ورش الحركة إلى اللام ، وحذف الهمزة . وبتسهيلها وإدخال ألف بينهما

وفي هذه الآية تسلية عن زخارف الدنيا ، وتقوية لنفوس تاركها وتشريف الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، ولما قال : ذلك متاع ، فأفرد ، جاء : بخير من ذلكم ، فأفرد اسم الإشارة ، وإن كان هناك مشاراً به إلى ما تقدّم ذكره ، وهو كثير . فهذا مشار به إلى ما أشير بذلك ، و : خير ، هنا أفعل التفضيل ، ولا يجوز أن يراد به خير من الخيور ، ويكون : من ذلكم ، صفة لما يلزم في ذلك من أن يكون ما رغبوا فيه بعضاً مما هدوا فيه .

{لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ عِندَ رَبّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الاْنْهَارُ } يحتمل أن يكون للذين متعلقاً بقوله : بخير من ذلكم ، و : جنات ، خبر مبتدأ محذوف أي : هو جنات ، فتكون ذلك تبييناً لما أبهم في قوله : بخير من ذلكم ويؤيد ذلك قراءة يعقوب : جنات ، بالجر بدلاً من : بخير ، كما تقول : مررت برجل زيد ، بالرفع و : زيد بالجر ، وجوّز في قراءة يعقوب أن يكون : جنات ، منصوباً على إضمار : أعني ، ومنصوباً على البدل على موضع بخير ، لأنه نصب . ويحتمل أن يكون : للذين ، خبرا لجنات ، على أن تكون مرتفعة على الإبتداء ، ويكون الكلام تم عند قوله : بخير من ذلكم ، ثم بين ذلك الخير لمن هو ، فعلى هذا العامل في : عند ربهم ، العامل في : للذين ، وعلى القول الأول العامل فيه قوله : بخير .

{خَاالِدِينَ فِيهَا وَأَزْواجٌ مُّطَهَّرَةٌ } تقدّم تفسير هذا وما قبله .

{وَرِضْوانٌ مّنَ اللّه} بدأ أولاً بذكر المقر ، وهو الجنات التي قال فيها { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الاْنْفُسُ وَتَلَذُّ الاْعْيُنُ } { فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر} ثم انتقل من ذكرها إلى ذكر ما يحصل به الأنس التامّ من الأزواج المطهرة ، ثم انتقل من ذلك إلى ما هو أعظم الأشياء وهو رضا اللّه عنهم ، فحصل بمجموع ذلك اللذة الجسمانية والفرح الروحاني ، حيث علم برضا اللّه عنه ، كما جاء في الحديث أنه تعالى :  { يسأل أهل الجنة هل رضيم ؟ فيقولون : ما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك ؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : يا رب وأي شيء أفضل من ذلك ؟ قال : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبدا }.

ففي هذه الآية الإنتقال من عال إلى أعلى منه ، ولذلك جاء في سورة براءة ، قد ذكر تعالى الجنات والمساكن الطيبة فقال : { وَرِضْوانٌ مّنَ اللّه أَكْبَرُ } يعنى أكبر مما ذكر من ذكر من الجنات والمساكن . وقال الماتريدي : أهل الجنة مطهرون لأن العيوب في الأشياء علم الفناء ، وهم خلقوا للبقاء ، وخص النساء بالطهر لما فيهنّ في الدنيا من فضل المعايب والأذى .

وقال أبو بكر : ورضوان ، بالضم حيث وقع إلاَّ في ثاني العقود ، فعنه خلاف . وباقي السبعة بالكسر ، وقد ذكرنا أنهما لغتان .

{وَاللّه بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } أي بصير بأعمالهم ، مطلع عليها ، فيجازي كلاً بعمله ، فتضمنت الوعد والوعيد .

﴿ ١٥