٣٣

إن اللّه اصطفى . . . . .

نوح : اسم أعجمي مصروف عند الجمهور وإن كان فيه ما كان يقتضي منع صرفه وهو : العلمية والعجمة الشخصية ، وذلك لخفة البناء بكونه ثلاثياً ساكن الوسط لم يضف إليه سبب آخر ، ومن جوز فيه الوجهين فبالقياس على هذا لا بالسماع ، ومن ذهب إلى أنه مشتق من النواح فقوله ضعيف ، لأن العجمة لا يدخل فيها الاشتقاق العربي إلاَّ ادعى أنه مما اتفقت فيه لغة العرب ولغة العجم ، فيمكن ذلك . ويسمى : آدم الثاني واسمه السكن ، قاله غير واحد ، وهو ابن لملك بن متوشلخ بن اخنوخ بن سارد بن مهلابيل بن قينان بن انوش بن شيث بن آدم .

عمران : اسم أعجمي ممنوع الصرف للعلمية والعجمة ، ولو كان عربياً لامتنع أيضاً للعلمية ، وزيادة الألف والنون إذ كان يكون اشتقاقه من العمر واضحاً .

محرراً : اسم مفعول من حرر ، ويأتي اختلاف المفسرين في مدلوله في الآية ، والتحرير : العتق ، وهو تصيير المملوك حراً .

الوضع : الحط والإلقاء ، تقول : وضع يضع وضعاً وضعة ، ومنه الموضع .

الأنثى والذكر : معروفان ، وألف أنثى للتأنيث ، وجمعت على إناث ، كربى ورباب ، وقياس الجمع : أناثى ، كحبلى وحبالى . وجمع الذكر : ذكور وذكران .

مريم : اسم عبراني ،

وقيل عربي جاء شاذاً : كمدين ، وقياسه : مرام كمنال ، ومعناه في العربية التي تغازل الفتيان ، قال الراجز : .

قلت لزيد لم تصله مريمه

عاذ بكذا : اعتصم به ، عوذاً وعياذ أو معاذ أو معاذة ومعناه : التجأ واعتصم

وقيل : اشتقاقه من العوذ وهو : عوذ يلجأ إليه الحشيش في مهب الريح .

رجم : رمى وقذف ، ومنه { رَجْماً بِالْغَيْبِ } أي : رمياً به من غير تيقن ، والحديث المرجم هو : المظنون ليس فيه يقين .

والرجيم : يحتمل أن يكون للمبالغة من فاعل ، أي إنه يرمي ويقذف بالشر والعصيان في قلب ابن آدم ، ويحتمل أن يكون بمعنى : مرجوم ، أي يُرجم بالشهب أو يبعد ويطرد .

الكفالة : الضمان ، يقال : كفل يكفل فهو كافل وكفيل ، هذا أصله ثم يستعار للضم والقيام على الشيء .

زكريا : أعجمي شبه بما فيه الألف الممدودة والألف المقصورة فهو ممدود ومقصور ، ولذلك يمتنع صرفه نكرة ، وهاتان اللغتان فيه عند أهل الحجاز ، ولو كان امتناعه للعلمية

والعجمة انصرف نكرة . وقد ذهب إلى ذلك أبو حاتم ، وهو غلط منه ،

ويقال : ذكرى بحذف الألف ، وفي آخره ياء كياء بحتى ، منونة فهو منصرف ، وهي لغة نجد ، ووجهه فيما قال أبو علي ؛ إنه حذف ياءي الممدود والمقصور ، وألحقه ياءي النسب يدل على ذلك صرفه ، ولو كانت الياءان هما اللتين كانتا في زكريا لوجب أن لا يصرف للعجمة والتعريف . انتهى كلامه . وقد حكي : ذكر على وزن : عمر ، وحكاها الأخفش .

المحراب : قال أبو عبيدة : سيد المجالس وأشرفها ومقدمها ، وكذلك هو من المسجد ، وقال الاصمعي : الغرفة وقال : وماذا عليه إن ذكرت أوانسا

كغزلان رمل في محاريب أقتالِ

شرحه الشراح في غرف أقيال وقال الزجاج : الموضع العالي الشريف وقال أبو عمرو بن العلاء : القصر ، لشرفه وعلوه

وقيل : المسجد

وقيل : محرابه المعهود سمي بذلك لتحارب الناس عليه وتنافسهم فيه ، وهو مقام الإمام من المسجد .

هنا : اسم إشارة للمكان القريب ، والتزم فيه الظرفية إلاَّ أنه يجر بحرف الجر ، فإن ألحقته كاف الخطاب دل على المكان البعيد . وبنو تميم تقول : هناك ، ويصح دخول حرف التنبيه عليه إذا لم تكن فيه اللام ، وقد يراد بها ظرف الزمان .

النداء : رفع الصوت ، وفلان أندى صوتاً ، أي أرفع ، ودار الندوة لأنهم كانوا ترتفع أصواتهم بها ، والمنتدى والنادي مجتمع القوم منه ،

ويقال : نادى مناداة ونِداء ونُداء ، بكسر النون وضمها قيل : فبالكسر المصدر ، وبالضم اسم ، وأكثر ما جاءت الأصوات على الضم : كالدُعاء والُرغاء والصُراخ وقال يعقوب : يمد مع كسر النون ، ويقصر مع ضمها . والندي : المطر ، يقال منه ندى يندى ندى .

يحيي : اسم أعجمي امتنع الصرف للعجمة والعلمية ،

وقيل : هو عربي ، وهو فعل مضارع من : حي ، سمي به فامتنع الصرف للعلمية ووزن الفعل ، وعلى القولين يجمع على : يحيون ، بحذف الألف وفتح ما قبلها على مذهب الخليل ، وسيبويه ونقل عن الكوفيين : إن كان عربياً فتحت الياء ، وإن كان أعجمياً ضمت الياء .

سيد : فيعل من : ساد ، أي : فاق في الشرف ، وتقدم الكلام في نظير هذا ، وجمعه على : فعلة ، فقالوا : سادة ، شاذ وقال الراغب : هو السايس بسواد الناس ، أي : معظمهم ، ولهذا يقال : سيد العبد ، ولا يقال سيد الثوب . انتهى .

الحصور : فعول من الحصر ، وهو للمبالغة من حاصر

وقيل : فعول بمعنى مفعول ، أي محصور ، وهو في الآية بمعنى الذي لا يأتي النساء .

الغلام : الشاب من الناس ، وهو الذي طرّ شاربه ، ويطلق على الطفل على سبيل التفاؤل ، وعلى الكهل ومنه قول ليلى الأخيلية : شفاها من الداء العضال الذي بها

غلام إذا هز القناة سقاها

تسمية بما كان عليه قبل الكهولة ، وهو من الغلمة والاغتلام ، وذلك شدة طلب النكاح .

ويقال : اغتلم الفحل : هاج من شدة شهوة الضراب ، واغتلم البحر : هاج وتلاطمت أمواجه ، وجمعه على ، غلمة ، شاذ وقياسه في القلة : أغلمة ، وجمع في الكثرة على : غلمان ، وهو قياسه : الكبر ، مصدر : كبر يكبر من السن قال : صغيرين نرعى البهم يا ليت إننا

إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهمُ

العاقر : من لا يولد له من رجل أو امرأة ، وفعله لازم ، والعاقر اسم فاعل من عقر أي : قتل ، وهو متعد .

الرمز : الإشارة باليد أو بالرأس أو بغيرهما وأصله التحرك يقال ارتمز تحرك ومنه قيل للبحر الراموز .

العشي : مفرد عشية ، كركيّ . وركية والعشية : أواخر النهار ، ولامها واو ، فهي كمطي .

الإبكار : مصدر أبكر ، يقال أبكر : خرج بكرة .

{إِنَّ اللّه اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَءالَ إِبْراهِيمَ وَءالَ عِمْرانَ عَلَى الْعَالَمِينَ } قال ابن عباس : قالت اليهود : نحن أبناء إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب . ونحن على دينهم ، فنزلت .

وقيل : في نصارى نجران لما غلوا في عيسى ، وجعلوه ، ابن اللّه تعالى ، واتخذوه إلهاً ، نزلت رداً عليهم ، وإعلاماً أن عيسى من ذرية البشر المتنقلين في الأطوار المستحيلة على الإله ، واستطرد من ذلك إلى ولادة أمه ، ثم إلى ولادته هو ، وهذه مناسبة هذه الآيات لما قبلها . وأيضاً . لما قدم قبل :{ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّه فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللّه } ووليه { قُلْ أَطِيعُواْ اللّه وَالرَّسُولَ } وختمها بأنه { لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } ذكر المصطفين الذين يحب اتباعهم ، فبدأ أولاً بأولهم وجوداً وأصلهم ، وثنى بنوح عليه السلام إذ هو آدم الأصغر ليس أحد على وجه الأرض إلاَّ من نسله ، ثم أتى ثالثاً بآل إبراهيم ، فاندرج فيهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، المأمور باتباعه وطاعته ، وموسى عليه السلام ، ثم أتى رابعاً بآل عمران ، فاندرج في آله مريم وعيسى عليهما السلام ، ونص على آل إبراهيم لخصوصية اليهود بهم ، وعلى آل عمران لخصوصية النصارى بهم ، فذكر تعالى جعلَ هؤلاءِ صفوة ، أي مختارين نقاوة . والمعنى أنه نقاهم من الكدر . وهذا من تمثيل المعلوم بالمحسوس . .

واصطفاء آدم بوجوه .

منها خلقة أول هذا الجنس الشريف ، وجعله خليفة في الأرض ، وإسجاد الملائكة له ، واسكانه جنته ، إلى غير ذلك مما شرّفه به .

واصطفاء نوح عليه السلام بأشياء ، منها : أنه أول رسول بعث إلى أهل الأرض بتحريم : البنات والأخوات والعمات والخالات وسائر ذوي المحارم ، وأنه أب الناس بعد آدم وغير ذلك ، واصطفاء آل إبراهيم عليه السلام بأن جعل فيهم النبوّة والكتاب . قال ابن عباس ، والحسن : آل إبراهيم من كان على دينه . وقال مقاتل : آله اسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط .

وقيل : المراد بآل إبراهيم إبراهيم نفسه . وتقدّم لناشىء من الكلام على ذلك في قوله :{ وَبَقِيَّةٌ مّمَّا تَرَكَ ءالُ مُوسَى وَءالُ هَارُونَ}

وعمران هذا المضاف إليه

آل ، قيل هو : عمران بن ماثان من ولد سليمان بن داود ، وهو أبو مريم البتول أم عيسى عليه السلام ، قاله : الحسن ووهب .

وقيل : هو عمران أبو موسى وهارون ، وهو عمران بن نصير قاله مقاتل . فعلى الأول آله عيسى ، قاله الحسن وعلى الثاني آله موسى وهارون ، قاله مقاتل .

وقيل : المراد بآل عمران عمران نفسه ، والظاهر في عمران أنه أبو مريم لقوله بعد { إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ } فذكر قصة مريم وابنها عيسى ، ونص على أن اللّه اصطفاها بقوله { إِذْ قَالَتِ الْمَلَئِكَةُ يامَرْيَمُ مَرْيَمَ إِنَّ اللّه اصْطَفَاكِ } فقوله :{ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ } كالشرح لكيفية الاصطفاء ، لقوله : وآل عمران ، وصار نظير تكرار الاسم في جملتين ، فيسبق الذهن إلى أن الثاني هو الأول ، نحو : أكرم زيداً رجل صالح . وإذا كان المراد بالثاني غير الأول ، كان في ذلك إلباس على السامع . وقد رجح القول الآخر بأن موسى يقرن بإبراهيم كثيراً في الذكر ، ولا يتطرق الفهم إلى أن عمران الثاني هو أبو موسى وهارون ، وإن كانت له بنت تسمى مريم ، وكانت أكبر من موسى وهارون سناً ، للنص على أن مريم بنت عمران بن ماثان ولدت عيسى ، وأن زكريا كفل مريم أم عيسى ، وكان زكريا قد تزوج أخت مريم إمشاع ابنة عمران بن ماثان فكان يحيى وعيسى ابني خالة ، وبين العمرانين والمريمين أعصار كثيرة . قيل : بين العمرانين ألف سنة وثمانمائة سنة .

والظاهر أن الآل من يؤول إلى الشخص في قرابة أو مذهب ، والظاهر أنه نص على هؤلاء هنا في الاصطفاء للمزايا التي جعلها اللّه تعالى فيهم .

وذهب قاضي القضاة بالأندلس : أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي ، رحمه اللّه ورضى عنه ، إلى أن ذكر آدم ونوح تضمن الإشارة إلى المؤمنين من بينهما ، وأن الآل الأتباع ، فالمعنى أن اللّه اصطفى المؤمنين على الكافرين ، وخص هؤلاء بالذكر تشريفاً لهم ، ولأن الكلام في قصة بعضهم . إنتهى ما قال ملخصاً ، وقوله شبيه في المعنى بقول من تأول قوله آدم وما بعده على حذف مضاف ، أي : أن اللّه اصطفى دين آدم .

وروي معناه عن ابن عباس ، قال : المراد اصطفى دينهم على سائر الأديان ، واختاره الفراء . وقال التبريزي : هذا ضعيف ، لأنه لو كان ثَمَّ مضاف محذوف لكان : ونوح مجروراً ، لأن آدم محله الجر بالإضافة ، وهذا الذي قاله التبريزي ليس بشيء ، ولولا تسطيره في الكتب ما ذكرته . لأنه لا يلزم أن يجر المضاف إليه إذا حذف المضاف ، فيلزم جر ما عطف عليه ، بل يعرب المضاف إليه بإعراب المضاف المحذوف . ألا ترى إلى قوله واسأل القرية ؟

وأما إقراره مجروراً فلا يجوز إلا بشرط ذكر في علم النحو .

{عَلَى الْعَالَمِينَ } متعلق باصطفى ، ضمنه معنى فضل ، فعداه بعلى . ولو لم يضمنه معنى فضل لعدى بمن . قيل : والمعنى على عالمي زمانهم ، واللفظ عام ، والمراد به الخصوص كما قال جرير :

ويضحى العالمون له عيالاً

وقال الحطيئة :

أراح اللّه منك العالمينا

وكما تؤول في { وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}

وقال القتبي : لكل دهر عالم ، ويمكن أين يخص بمن

سوى هؤلاء ، ويكون قد اندرج في قوله : وآل إبراهيم محمد صلى اللّه عليه وسلم ، فيكون المعنى : أن هؤلاء فضلوا على من سواهم من العالمين . واشتراكهم في القدر المشترك من التفضيل لا يدل على التساوي في مراتب التفضيل ، كما تقول : زيد وعمر وخال أغنياء ، فاشتراكهم في القدر المشترك من الغنى لا يدل على التساوي في مراتب الغنى ، وإذا حملنا : العالمين ، على من سوى هؤلاء ، كان في ذلك دلالة على تفضيل البشر على الملائكة ، لأنهم من سوى هؤلاء الصطفين ، وقد استدل بالآية على ذلك . ولا يمكن حمل : العالمين ، على عمومه لأجل التناقض ، لأن الجمع الكثير إذا وصفوا بأن كل واحد منهم أفضل من كل العالمين ، يلزم كل واحد منهم أن يكون أفضل من الآخر ، وهو محال .

وقرأ عبد اللّه : وآل محمد على العالمين .

﴿ ٣٣