٣٤ذرية بعضها من . . . . . {ذُرّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } أجازوا في نصب : ذرية ، وجهين : . أحدهما : أن يكون بدلاً . قال الزمخشري { مّنْ ءالِ إِنَّ اللّه اصْطَفَى } يعني أن الآلين ذرية واحدة ، وقال غيره بدل من نوح ومن عطف عليه من الأسماء . قال أبو البقاء : ولا يجوز أن يكون بدلاً من آدم لأنه ليس بذرية انتهى . و قال ابن عطية : لا يسوغ أن تقول في والد هذا ذرية لولده . وقال الراغب : الذرية يقال للواحد والجمع والأصل والنسل . كقوله :{ حَمَلْنَا ذُرّيَّتَهُمْ } أي آباءهم ، ويقال للنساء : الذراري . وقال صاحب النظم : الآية توجب أن تكون الآباء ذرية للأبناء ، والابناء ذرية للآباء ، وجاز ذلك لأنه من ذرأ اللّه الخلق ، فالأب ذرىء منه الولد ، والولد ذرىء من الأب . وقال معناه النقاش فعلى قول الراغب وصاحب النظم ، يجوز أن يكون : ذرية ، بدلاً من : آدم ، ومن عطف عليه . وأجازوا أيضاً نصب : ذرية ، على الحال ، وهو الوجه الثاني من الوجهين ، ولم يذكره الزمخشري ، وذكره ابن عطية . وقال : وهو أظهر من البدل . وتقدّم الكلام على ذرية دلالةً واشتقاقاً ووزناً ، فأغنى عن إعادته . وقرأ زيد بن ثابت والضحاك : ذِرية ، بكسر الذال ، والجمهور بالضم . {بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } جملة في موضع الصفة لذرية و : من ، للتبعيض حقيقة أي : متشعبة بعضها من بعض في التناسل ، فإن فسر عمران بوالد موسى وهارون فهما منه ، وهو من يصهر ، ويصهر من قاهث ، وقاهث من لاوي ، ولاوى من يعقوب ، ويعقوب من إسحاق ، وإسحاق من إبراهيم عليهم السلام . وإن فسر عمران بوالد مريم أم عيسى ، فعيسى من مريم ، ومريم من عمران بن ماثان ، وهو من ولد سليمان بن داود ، وسليمان من ولد يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وقد دخل في آل إبراهيم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. وقيل : من ، للتبعيض مجازاً أي : من بعض في الإيمان والطاعة والإنعام عليهم بالنبوّة ، وإلى نحو من هذا ذهب الحسن ، قال : من بعض في تناصر الدين ، وقال أبورون : بعضها على دين بعض . وقال قتادة : في النية والعمل والإخلاص والتوحيد . {وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ } أي سميع لما يقوله الخلق ، عليم بما بضمرونه . أو : سميع لما تقوله امرأة عمران ، عليم بما تقصد . أو : سميع لما تقوله الذرية ، عليم بما تضمره . ثلاثة أقوال . وقال الزمشخري : عليم بمن يصلح للاصطفاء ، أو : يعلم أن بعضهم من بعض في الدين . إنتهى . والذي يظهر أن ختم هذه الآية بقوله { وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ } مناسب لقوله { إِبْراهِيمَ الْكِتَابَ إِنَّ اللّه } لأن إبراهيم عليه السلام دعا لآله في قوله :{ رَّبَّنَا إِنَّى أَسْكَنتُ مِن ذُرّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ } بقوله :{ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ النَّاسِ تَهْوِى إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مّنَ الثَّمَراتِ } وحمد ربه تعالى فقال :{ الْحَمْدُ للّه الَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ } وقال مخبراً عن ربه :{ إِنَّ رَبّى لَسَمِيعُ الدُّعَاء } ثم دعا ربه بأنه يجعله مقيم الصلاة وذريته ، وقال حين بنى هو واسماعيل الكعبة { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا } إلى سائر ما دعا به حتى قوله :{ وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ } ولذا قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : { أنا دعوة إبراهيم} . فلما تقدمت من إبراهيم تضرعات وأدعية لربه تعالى في آله وذريته ، ناسب أن يختم بقوله :{ وَاللّه سَمِيعٌ عَلِيمٌ } وكذلك آل عمران ، دعت امرأة عمران بقبول ما كانت نذرته للّه تعالى ، فناسب أيضاً ذكر الوصفين ، ولذلك حين ذكرت النذر ودعت بتقبله ، أخبرت عن ربها بأنه { السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } أي : السميع لدعائها ، العليم بصدق نيتها بنذرها ما في بطنها اللّه تعالى . |
﴿ ٣٤ ﴾