٥٧

وأما الذين آمنوا . . . . .

{وَأَمَّا الَّذِينَ ءامَنُوا وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفّيهِمْ أُجُورَهُمْ } بدأ أولاً بقسم الكفار ، لأن ما قبله من ذكر حكمه تعالى بينهم هو على سبيل التهديد والوعيد للكفار ، والإخبار بجزائهم ، فناسبت البداءة بهم ، ولأنهم أقرب في الذكر بقوله :{ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ } وبكون الكلام مع اليهود الذين كفروا بعيسى وراموا قتله ، ثم أتى ثانياً بذكر المؤمنين ، وعلق هناك العذاب على مجرَّد الكفر ، وهنا علق توفية الأجر على الإيمان وعمل الصالحات تنبيهاً على درجة الكمال في الإيمان ، ودعاء إليها .

والتوفية : دفع الشيء وافياً من غير نقص ، والأجور : ثواب الأعمال ، شبهه بالعامل الذي يوفى أجره عند تمام عمله . وتوفية الأجور هي : قسم المنازل في الجنة بحسب الأعمال على ما رتبها تعالى ، وفي الآية قبلها قال :{ فَأُعَذّبُهُمْ } أسند الفعل إلى ضمير المتكلم وحده ، وذلك ليطابق قوله :{ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ } وفي هذه الآية قال : فيوفيهم ، بالياء على قراءة حفص ، ورويس ، وذلك على سبيل الالتفات والخروج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة للتنوع في الفصاحة .

وقرأ الجمهور : فنوفيهم ، بالنون الدالة على المتكلم المعظم شأنه ، ولم يأت بالهمزة كما في تلك الآية ليخالف في الإخبار بين النسبة الإسنادية فيما يفعله بالكافر وبالمؤمن ، كما خالف في الفعل ، ولأن المؤمن العامل للصالحات عظيم عند اللّه ، فناسبه الإخبار عن المجازي بنون العظمة .

ويجوز أن يكون : الذين آمنوا ، مبتدأ ، ويجوز انتصابه على إضمار فعل يفسر ما بعده ، ويكون ذلك من باب الإشتغال ، كقوله :{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ } فيمن نصب الدال .

{وَاللّه لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } تقدّم تفسير ما يشبه هذا ، وهو قوله :{ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّه لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } واحتج المعتزلة بهذا على أنه تعالى لا يريد الكفر والمعاصي ، لأن مريد الشيء محب له إذا كان ذلك الشيء من الأفعال ، وإنما تخالف المحبة الإرادة إذا علقتا بالأشخاص ، فيقال : أحب زيداً ، ولا يقال : أريده ،

وأمّا الأفعال فهما فيها واحد ، فقوله : لا يحب : لا يريد ظلم الظالمين ، هكذا قرره عبد الجبار ، وعند أصحابنا المحبة عبارة عن إرادة إيصال الخير له ، فهو تعالى ، وإن أراد كفر الكافر ، لا يريد إيصال الثواب إليه .

﴿ ٥٧