٥٨ذلك نتلوه عليك . . . . . {ذالِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَالذّكْرِ الْحَكِيمِ } ذلك : إشارة إلى ما تقدم من خبر عيسى وزكريا وغيرهما ، و : نتلوه ، نسرده ونذكره شيئاً بعد شيء ، وأضاف التلاوة إلى نفسه وإن كان الملك هو التالي تشريفاً له ، جعل تلاوة المأمور تلاوة الآمر ، وفي : نتلوه ، التفات ، لأن قبله ضمير غائب في قوله : لا يحب ، ونتلوه : معناه تلوناه ، كقوله :{ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّياطِينِ } ويجوز أن يراد به ظاهره من الحال ، لأن قصة عيسى لم يفرغ منها ، ويكون : ذلك ، بمعنى : هذا . والآيات هنا الظاهر أنه يراد بها آيات القرآن ، ويحتمل أن يراد بها المعجزات والمستغربات ، أي : نأتيهم بهذه الغيوب من قبلنا ، وبسبب تلاوتنا ، وأنت أمي لا تقرأ ولا تصحب أهل الكتاب ، فهي آيات لنبوتك . قالن ابن عباس ، والجمهور : والذكر : القرآن والحكيم أي : الحاكم ، أتى بصيغة المبالغة فيه ، ووصف بصفة من هو من سببه وهو اللّه تعالى ، أو : كأنه ينطق بالحكمة لكثرة حكمه . قال الزجاج : لأنه ذو حكمة في تأليفه ونظمه ، ويجوز أن يكون بمعنى المحكم ، قاله الجمهور ، أحكم عن طرق الخلل ، ومنه قوله :{ الر كِتَابٌ } ويكون : فعيل ، بمعنى : مفعل ، وهو قليل ، ومنه : أعقدت العسل فهو معقد وعقيد ، وأحبست فرساً في سبيل اللّه فهو محبس وحبيس . وقيل : المراد بالذكر هنا اللوح المحفوظ الذي منه نقلت جميع كتب اللّه المنزلة على الأنبياء ، أخبر أنه أنزل هذه القصص مما كتب هناك . و : ذلك ، مبتدأ ، و : نتلوه ، خبر و : من الآيات ، متعلق بمحذوف لأنه في موضع الحال ، أي : كائناً من الآيات . و : من ، للتبعيض لأن هذا المتلو بعض الآيات والذكر ، وجوّزوا أن يكون : من الآيات ، خبراً بعد خبر ، وذلك على رأي من يجيز تعداد الأخبار بغير حرف عطف ، إذا كان لمبتدأ واحد ، ولم يكن في معنى خبر واحد ، وجوّزوا أن يكون : من ، لبيان الجنس ، وذلك على رأي من يجيز أن تكون : من ، لبيان الجنس . ولا يتأتى ذلك هنا من جهة المعنى إلاَّ بمجاز ، لأن تقدير : من ، البيانية بالموصول . ولو قلت : ذلك نتلوه عليك الذي هو الآيات والذكر الحكيم ، لاحتيج إلى تأويل ، لأن هذا المشار إليه من نبأ من تقدم ذكره ليس هو جميع الآيات ، والذكر الحكيم إنما هو بعض الآيات ، فيحتاج إلى تأويل أنه جعل بعض الآيات ، والذكر هو الآيات ، والذكر على سبيل المجاز . وممن ذهب إلى أنها لبيان الجنس : أبو محمد بن عطية ، وبدأ به ، ثم قال : ويجوز أن تكون للتبعيض وجوّزوا أن يكون ذلك منصوباً بفعل محذوف يفسره ما بعده ، فيكون من باب الإشتغال ، أي : نتلو ذلك نتلوه عليك ، والرفع على الإبتداء أفصح لأنه عرى من مرجح النصب على الإشتغال ؛ فزيدٌ ضربته ، أفصح من : زيداً ضربته ، وإن كان عربياً ، وعلى هذا الإعراب يكون : نتلوه ، لا موضع له من الإعراب ، لأنه مفسر لذلك الفعل المحذوف ، ويكون : من الآيات ، حالاً من ضمير النصب في : نتلوه . وأجاز الزمخشري أن يكون : ذلك ، بمعنى : الذي ، و : نتلوه ، صلته . و : الآيات ، الخبر . وقاله الزجاج قبله ، وهذه نزعة كوفية ، يجيزون في أسماء الإشارة أن تكون موصولة ، ولا يجوز ذلك عند البصريين ، إلاَّ في : ذا ، وحدها إذا سبقها : ما ، الإستفهامية باتفاق ، أو : من ، الإستفهامية باختلاف . وتقرير هذا في علم النحو . وجوّزوا أيضاً أن يكون : ذلك ، مبتدأ و : من الآيات ، خبر . و : نتلوه ، حال . وأن يكون : ذلك ، خبر مبتدأ محذوف ، أي : الأمر ذلك . و : نتلوه ، حال . والظاهر في قوله : { وَالذّكْرِ الْحَكِيمِ } أنه معطوف على الآيات ، ومن جعلها للقسم وجواب القسم :{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى } فقد أبعد . |
﴿ ٥٨ ﴾