٦٨

إن أولى الناس . . . . .

قال ابن عباس : قالت رؤساء اليهود : واللّه يا محمد ، لقد علمت أنا أولى الناس بدين إبراهيم منك ومن غيرك ، وإنه كان يهودياً ، وما بك إلاَّ الحسد . فنزلت .

وروي حديث طويل في اجتماع جعفر وأصحابه ، وعمرو بن العاص ، وأصحابه . بالنجاشي ، وفيه : أن النجاشي قال : لا دهورة اليوم على حزب إبراهيم . أي : لا خوف ولا تبعة ، فقال عمرو : من حزب إبراهيم ؟ فقال النجاشي : هؤلاء الرهط وصاحبهم ، يعني : جعفراً وأصحابه . ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :  { لكل نبي ولاة من النبيين ، وإن وليي منهم أبي ، وخليل ربي إبراهيم} . ثم قرأ هذه الآية . ومعنى : أولى الناس : أخصهم به وأقربهم منه من الولي ، وهو القرب . والذين اتبعوه يشمل كل من اتبعه في زمانه وغير زمانه ، فيدخل فيه متبعوه في زمان الفترات . وعنى بالأتباع أتباعه في شريعته .

وقال عليّ بن عيسى : أحقهم بنصرته أي : بالمعونة وبالحجة ، فمن تبعه في زمانه نصره بمعونته على مخالفته . ومحمد والمؤمنون نصروه بالحجة له أنه كان محقاً سالماً من المطاعن ، وهذا النبي : يعني به محمداً صلى اللّه عليه وسلم ، وخص بالذكر من سائر من اتبعه لتخصيصه بالشرف والفضيلة ، كقوله { وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ}

{وَالَّذِينَ ءامَنُواْ } قيل : آمنوا من أمّة محمد ، وخصوا أيضاً بالذكر تشريفاً لهم ، إذ هم أفضل الأتباع للرسل ، كما أن رسولهم أفضل الرسل .

وقيل : المؤمنون في كل زمان وعطف { وَهَاذَا النَّبِىُّ } على خبر إن ، ومن أعرب { وَهَاذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ } مبتدأ والخبر : هم المتبعون له ، فقد تكلف إضماراً لا ضرورة تدعو إليه .

وقرىء : وهذا النبيّ ، بالنصب عطفاً على : الهاء ، في اتبعوه ، فيكون متبعاً لا متبعاً : أي : أحق الناس بإبراهيم من اتبعه ، ومحمداً صلى اللّه عليهما وسلم ، ويكون : والذين آمنوا ، عطفاً على خبر : إن ، فهو في موضع رفع .

وقرىء : وهذا النبي ، بالجر ، ووجه على أنه عطف على : إبراهيم ، أي : إن أولى الناس بإبراهيم وبهذا النبي للذين اتبعوا إبراهيم . و : النبي ، قالوا : بدل من هذا ، أو : نعت ، أو : عطف بيان . ونبه على الوصف الذي يكون به اللّه ولياً لعباده ، وهو : الإيمان . فقال : وليّ المؤمنين ، ولم يقل : وليهم . وهذا وعد لهم بالنصر في الدنيا ، وبالفوز في الآخرة . وهذا كما

قال تعالى :{ اللّه وَلِيُّ الَّذِينَ ءامَنُواْ}

قيل : وجمعت هذه الآيات من البلاغة :

التنبيه والإشارة والجمع بين حرفي التأكيد ، وبالفصل في قوله : { إِنَّ هَاذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ } وفي :{ وَإِنَّ اللّه لَهُوَ الْعَزِيزُ } والإختصاص في :{ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ } وفي :{ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ } والتجوز بإطلاق اسم الواحد على الجمع في :{ إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاء } وباطلاق اسم الجنس على نوعه في :{ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ } إذا فسر باليهود . والتكرار في : إلا اللّه ، و : إنّ اللّه ، وفي : يا أهل الكتاب تعالوا ، يا أهل الكتاب لم . وفي : إبراهيم ، و : ما كان إبراهيم ، و : إن أولى الناس بإبراهيم . والتشبيه في : أرباباً ، لما أطاعوهم في التحليل والتحريم ، وأذعنوا إليهم أطلقب عليه : أرباباً تشبيهاً بالرب المستحق للعبادة والربوبية ، والإجمال في الخطاب في : يا أهل الكتاب ، تعالوا يا أهل الكتاب ، لم تحاجون ، كقول إبراهيم : يا أبت . وكقول الشاعر : مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا

لا تنبشوا بيننا ما كان مدفوناً

وقول الآخر : بني عمنا لا تنبشوا الشر بيننا

فكم من رماد صار منه لهيب والتجنيس المماثل في : أولى وولي

{وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ياأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِأَيَاتِ اللّه وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ياأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }

﴿ ٦٨