١٠١

وكيف تكفرون وأنتم . . . . .

{وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ ءايَاتُ اللّه وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } هذا سؤال استبعاد وقوع الكفر منهم مع هاتين الحالتين : وهما تلاوة كتاب اللّه عليهم وهو القرآن الظاهر الإعجاز ، وكينونةَ الرسول فيهم الظاهر على يديه الخوارق . ووجود هاتين الحالتين تنافي الكفر ولا تجامعه ، فلا يتطرّق إليهم كفر مع ذلك . وليس المعنى أنه وقع منهم الكفر فوبخوا على وقوعه لأنهم مؤمنون ، ولذلك نودوا بقوله : يا أيها الذين آمنوا . فليس نظيرُ قوله :{ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللّه وَكُنتُمْ أَمْواتًا } والرسول هنا : محمد صلى اللّه عليه وسلم بلا خلاف . والخطاب قال الزجاج : لأصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم خاصة ، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان فيهم وهم يشاهدونه .

وقيل : لجميع الأمة ، لأن آثاره وسنته فيهم ، وإنْ لم يشاهدوه . قال قتادة : في هذه الآية علمان بينان : كتاب اللّه ، ونبي اللّه . فأما نبي اللّه فقد مضى ،

وأما كتاب اللّه فأبقاه اللّه بين أظهرهم رحمة منه ونعمة فيه ، حلاله وحرامه ، وطاعته ومعصيته .

وقيل : الخطاب

للأوس والخزرج الذين نزلت هذه الآية فيما شجر بينهم على ما ذكره الجمهور .

وقرأ الجمهور تتلى بالتاء .

وقرأ الحسن والأعمش : يتلى بالياء ، لأجل الفصل ، ولأن التأنيث غير حقيقي ، ولأن الآيات هي القرآن .

قال ابن عطية : وفيكم رسوله هي ظرفية الحضور والمشاهدة لشخصه صلى اللّه عليه وسلم وهو في أمّته إلى يوم القيامة بأقواله وآثاره .

وقال الزمخشري : وكيف تكفرون معنى الاستفهام فيه الإنكار والتعجيب ، والمعنى : من أين يتطرّف إليكم الكفر ، والحال أن آيات اللّه وهي القرآن المعجز تتلى عليكم على لسان الرسول غضة طرية وبين أظهركم رسول اللّه ينبهكم ويعظكم ويزيح شبهكم ؟ .

{وَمَن يَعْتَصِم بِاللّه فَقَدْ هُدِىَ إِلَى صِراطٍ مّسْتَقِيمٍ } قال ابن جريج : ومن يؤمن باللّه . ويناسب هذا القول قوله :{ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ}

وقيل : يستمسك بالقرآن .

وقيل : يلتجىء إليه ، فيكون على هذا القول حقاً على الالتجاء إلى اللّه في دفع شرور الكفار . وجواب من فقد هدى وهو ماضي اللفظ مستقبل المعنى ، ودخلت قد للتوقع ، لأن المعتصم باللّه متوقع للّهدى .

وذكروا في هذه الآيات من فنون البلاغة والفصاحة : الاستفهام الذي يراد به الإنكار في { لِمَ تَكْفُرُونَ }{ لِمَ تَصُدُّونَ }{ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ } والتكرار : في يا أهل الكتاب ، وفي اسم اللّه في مواضع ، وفيما يعملون ، والطباق : في الإيمان والكفر ، وفي الكفر إذ هو ضلال والهداية ، وفي العوج والاستقامة ، والتجوز : بإطلاق اسم الجمع في فريقاً من الذين أوتوا الكتاب فقيل : هو يهودي غير معين .

وقيل : هو شاس بن قيس اليهودي . وإطلاق العموم والمراد الخصوص : في يا أيها الذين آمنوا على قول الجمهور أنه خطاب للأوس والخزرج . والحذف في مواضع .

﴿ ١٠١