١٠٧وأما الذين ابيضت . . . . . {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ اللّه هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } انظر تفاوت ما بين التقسيمين هناك جمع لمن اسودّت وجوههم بين التعنيف بالقول والعذاب ، وهنا جعلهم مستقرّين في الرحمة ، فالرّحمة ظرف لهم وهي شاملتهم . ولما أخبر تعالى أنَّهم مستقرّون في رحمة اللّه بيَّن أنّ ذلك الاستقرار هو على سبيل الخلود لا زوال منه ولا انتقال ، وأشار بلفظ الرّحمة إلى سابق عنايته بهم ، وأن العبد وإنْ كثرت طاعته لا يدخل الجنة إلا برحمة اللّه تعالى . وقال ابن عباس : المراد بالرحمة هنا الجنة ، وذكر الخلود للمؤمن ولم يذكر ذلك للكافر إشعاراً بأنَّ جانب الرحمة أغلب . وأضاف الرحمة هنا إليه ولم يضف العذاب إلى نفسه ، بل قال : { فَذُوقُواْ الْعَذَابَ } ولما ذكر العذاب عللّه بفعلهم ، ولم ينص هنا على سبب كونهم في الرحمة . وقرأ أبو الجوزاء وابن يعمر : فأما الذين اسوادت ، وأما الذين ابياضت بألف . وأصل افعلّ هذا افعلل يدل ، على ذلك اسوددت واحمررت ، وأن يكون للون أو عيب حسي ، كأسود ، وأعوج ، واعوز . وأن لا يكون من مضعف كاحم ، ولا معتل لام كألمى ، وأنْ لا يكون للمطاوعة . وندر نحو : انقضّ الحائط ، وابهار الليل ، وإشعار الرجل بفرق شعره ، وشذا رعوى ، لكونه معتل اللام بغير لون ولا عيب مطاوعاً لرعوته بمعنى كففته . وأما دخول الألف فالأكثر أن يقصد عروض المعنى إذا جيء بها ، ولزومه إذا لم يجأ بهما . وقد يكون العكس . فمن قصد اللزوم مع ثبوت الألف قوله تعالى :{ مَدَّ } ومن قصد العروض مع عدم الألف قوله تعالى :{ تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ } واحمرّ خجلاً . وجواب أما ففي الجنة ، والمجرور خبر المبتدأ ، أي فمستقرون في الجنة . وهم فيها خالدون جملة مستقلة من مبتدأ وخبر ، لم تدخل في حيز أما ، ولا في إعراب ما بعده . دلّت على أنَّ ذلك الاستقرار هو على سبيل الخلود . وقال الزمخشري: { فإن قلت } كيف موقع قوله : هم فيها خالدون بعد قوله : ففي رحمة اللّه ؟ { قلت} : موقع الاستئناف . كأنه قيل : كيف يكونون فيها ؟ فقيل : هم فيها خالدون ، لا يظعنون عنها ولا يموتون انتهى . وهو حسن . وقيل : جواب أما ففي الجنة هم فيها خالدون ، وهم فيها خالدون ابتداء . وخبر وخالدون العامل في الظرفين ، وكرر على طريق التوكيد لما يدل عليه من الاستدعاء والتشويق إلى النعيم المقيم . |
﴿ ١٠٧ ﴾