١١١لن يضروكم إلا . . . . . {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الاْدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ } هاتان الجملتان تضمنتا الأخبار بمعنيين مستقبلين وهو : إنّ ضررهم إياكم لا يكون إلا أذى ، أي شيئاً تتأذون به ، لا ضرراً يكون فيه غلبة واستئصال . ولذلك إن قاتلوكم خذلوا ونصرتم ، وكلا هذين الأمرين وقع لأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ، ما ضرهم أحد من أهل الكتاب ضرراً يبالون به ، ولا قصدوا جهة كافر إلا كان لهم النصر عليهم والغلبة لهم . والظاهر أن قوله : إلا أذى استثناء متصل ، وهو استثناء مفرغ من المصدر المحذوف التقدير : لن يضرُّوكم ضرراً إلا ضرراً يسيراً لا نكاية فيه ، ولا إجحاف لكم . وقال الفراء والزجاج والطبري وغيرهم : هو استثناء منقطع ، والتقدير : لن يضروكم لكنْ أذى باللسان ، فقيل : هو سماع كلمة الكفر . وقيل : هو بهتهم وتحريفهم . وقيل : موعد وطعن . وقيل : كذب يتقوّلونه على اللّه قاله : الحسن ، وقتادة . ودلّت هذه الجملة على ترغيب المؤمنين في تصلبهم في دينهم وتثبيتهم عليه ، وعلى تحقير شأن الكفار ، إذ صاروا ليس لهم من ضرر المسلمين شيء إلاّ ما يصلون إليه من إسماع كلمة بسوء . {وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الاْدُبَارَ } ، هذه مبالغة في عدم مكافحة الكفار للمؤمنين إذا أرادوا قتالهم ، بل بنفس ما تقع المقابلة ولوا الأدبار ، فليسوا ممن يغلب ويقتل وهو مقبل على قرنه غير مدبر عنه . وهذه الجملة جاءت كالمؤكدة للجملة قبلها ، إذ تضمنت الإخبار أنهم لا تكون لهم غلبة ولا قهر ولا دولة على المؤمنين ، لأنّ حصول ذلك إنما يكون سببه صدق القتال والثبات فيه ، أو النصر المستمد من اللّه ، وكلاهما ليس لهم . وأتى بلفظ الإدبار لا بلفظ الظهور ، لما في ذكر الإدبار من الإهانة دون ما في الظهور ، ولأن ذلك أبلغ في الانهزام والهرب . ولذلك ورد في القرآن مستعملاً دون لفظ الظهور لقوله تعالى :{ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ }{ وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } ثم لا ينصرون : هذا استئنافُ أخبار أنّهم لا ينصرون أبداً . ولم يشرك في الجزاء فيجزم ، لأنه ليس مرتباً على الشرط ، بل التولية مترتبة على المقاتلة . والنصر منفى عنهم أبداً سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا ، إذ منع النصر سببه الكفر . فهي جملة معطوفة على جملة الشرط والجزاء ، كما أن جملة الشرط والجزاء معطوفة على لن يضروكم إلا أذى . وليس امتناع الجزم لأجلهم كما زعم بعضهم زعم أن جواب الشرط يقع عقيب المشروط . قال : وثم للتراخي ، فلذلك لم تصلح في جواب الشرط . والمعطوف على الجواب كالجواب وما ذهب إليه هذا الذاهب خطأ ، لأن ما زعم أنه لا يجوز قد جاء في أفصح كلام . قال تعالى : { وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُواْ أَمْثَالَكُم } فجزم المعطوف بثم على جواب الشرط . وثمَّ هنا ليست للمهلة في الزمان ، وإنما هي للتراخي في الإخبار . فالإخبار بتوليهم في القتال وخذلانهم والظفر بهم أبهج وأسرّ للنفس . ثم أخبر بعد ذلك بانتفاء النصر عنهم مطلقاً . وقال الزمخشري : التراخي في المرتبة ، لأن الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بتوليهم الإدبار . { فإن قلت} : ما موقع الجملتين ، أعني منهم : المؤمنون ولن يضروكم ؟ { قلت} : هما كلامان واردان على طريق الاستطراد عند إجراء ذكر أهل الكتاب ، كما يقول القائل : وعلى ذكر فلان فإن من شأنه كيت وكيت ، ولذلك جاء من غير عاطف . |
﴿ ١١١ ﴾