١١٢

ضربت عليهم الذلة . . . . .

{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلَّةُ } تقدم شرح هذه الجملة ، وهي وصف حال تقررت على اليهود في أقطار الأرض قبل مجيء الإسلام . قال الحسن : جاء الإسلام والمجوس تجبي اليهود الجزية ، وما كانت لهم غيرة ومنعه إلا بيثرب وخيبر وتلك الأرض ، فأزالها بالإسلام ولم تبق لهم راية في الأرض .

{أَيْنَمَا ثُقِفُواْ } عام في الأمكنة . وهي شرط ، وما مزيدة بعدها ، وثقفوا في موضع جزم ، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله ، ومن أجاز تقديم جواب الشرط قال : ضربت هو الجواب ، ويلزم على هذا أن يكون ضرب الذلة مستقبلاً . وعلى الوجه الأول هو ماض يدل على المستقبل ، أي ضربت عليهم الذلة ، وحيثما ظفر بهم ووجدوا تضرب عليهم ، ودل ذكر الماضي على المستقبل ، كما دل في قول الشاعر : وندمان يزيد الكأس طيبا

سقيت إذا تغوّرت النجوم

التقدير : سقيت ، وأسقية إذا تغوّرت النجوم .

{إِلاَّ بِحَبْلٍ مّنْ اللّه وَحَبْلٍ مّنَ النَّاسِ } هذا استثناء ظاهره الانقطاع ، وهو قول : الفراء ، والزجاج . واختيار ابن عطية ، لأن الذلة لا تفارقهم . وقدره الفراء : إلا أن يعتصموا بحبل من اللّه ، فحذف ما يتعلق به الجار كما قال : حميد بن نور الهلالي :

رأتني بحبليها فصدت مخافة

ونظره ابن عطية بقوله تعالى :{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ } قال : لأن بادىء الرأي يعطي أن له أن يقتل خطأ . وأن الحبل من اللّه ومن الناس يزيل ضرب الذلة ، وليس الأمر كذلك . وإنما في الكلام محذوف يدركه فهم السامع الناظر في الأمر وتقديره : في أمتنا ، فلا نجاة من الموت إلا بحبل . نتهى كلامه . وعلى ما قدره لا يكون استثناء منقطعاً ، لأنه مستثنى من جملة مقدّرة وهي قوله : فلا نجاة من الموت ، وهو متصل على هذا التقدير فلا يكون استثناء منقطعاً من الأول ضرورة أن الاستثناء الواحد لا يكون منقطعاً متصلاً . والاستثناء المنقطع كما قرر في علم النحو على قسمين منه : ما يمكن أن يتسلط عليه العامل ، ومنه ما لا يمكن فيه ذلك ، ومنه هذه الآية . على تقدير الانقطاع ، إذ التقدير : لكن اعتصامهم بحبل من اللّه وحبل من الناس ينجيهم من القتل والأسر وسبي الذراري واستئصال أموالهم . ويدل على أنه منقطع الأخبار بذلك في قوله تعالى في سورة البقرة :{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءوا بِغَضَبٍ مّنَ اللّه } فلم يستثن

هناك . وذهب الزمخشري وغيره إلى أنه استثناء متصل قال : وهو استثناء من أعم عام الأحوال ، والمعنى : ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل من اللّه وحبل من الناس ، يعني : ذمة اللّه وذمة المسلمين . أي لا عزلهم قط إلا هذه الواحدة ، وهي التجاؤهم إلى الذمة لما قبلوه من الجزية انتهى كلامه . وهو متجه وشبَّه العهد بالحبل لأنه يصل قوماً بقوم ، كما يفعل الحبل في الإجرام . والظاهر في تكرار الحبل أنه أريد حبلان ، وفسر حبل اللّه بالإسلام ، وحبل الناس بالعهد والذمة .

وقيل : حبل اللّه هو الذي نص اللّه عليه من أخذ الجزية .

والثاني : هو الذي فوض إلى رأي الإمام فيزيد فيه وينقص بحسب الاجتهاد .

وقيل : المراد حبل واحد ، إذ حبل المؤمنين هو حبل اللّه وهو العهد .

{وَبَاءوا بِغَضَبٍ مّنَ اللّه وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذالِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِئَايَاتِ اللّه وَيَقْتُلُونَ الاْنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقّ ذالِكَ بِمَا عَصَوْاْ } تقدم تفسير نظائر هذه الجمل فأغنى ذلك عن إعادته هنا .

﴿ ١١٢