١١٤يؤمنون باللّه واليوم . . . . . {يُؤْمِنُونَ بِاللّه وَالْيَوْمِ وَالاْخِرُ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } تقدم تفسير مثل هذه الجمل . {وَيُسَارِعُونَ فِى الْخَيْراتِ } المسارعةُ في الخير ناشئة عن فرط الرغبة فيه ، لأنّ مَنْ رغب في أمر بادر إليه وإلى القيام به ، وآثر الفور على التراخي . وجاء في الحديث : { اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ، وغناك قبل فقرك} . وصفهم تعالى بأنهم إذا دعوا إلى خير من نصر مظلوم ، وإغاثة مكروب ، وعبادة اللّه ، بادروا إلى فعله . والظاهر في يؤمنون أن يكون صفة أي تالية مؤمنة . وجوزوا أنْ تكون الجملة مستأنفة ، أو في موضع الحال من الضمير في يسجدون ، وأن تكون بدلاً من السجود . قيل : لأن السجود بمعنى الإيمان . قال الزمخشري : وصفهم بخصائص ما كانت في اليهود من تلاوة آيات اللّه بالليل ساجدين ، ومن الإيمان باللّه ، لأن إيمانهم به كلا إيمان ، لإشراكهم به عزيراً وكفرهم ببعض الكتب والرسل دون بعض ، ومن الإيمان باليوم الآخر لأنهم يصفونه بخلاف صفته ، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنهم كانوا مداهنين ، ومن المسارعة في الخيرات لأنهم كانوا متباطئين عنها غير راغبين فيها انتهى لامه . وهو حسن . ولمّا ذكر تعالى هذه الأمة وصفها بصفات ست : إحداها : أنها قائمة ، أي مستقيمة على النهج القويم . ولمّا كانت الاستقامة وصفاً ثابتاً لها لا يتغير جاء باسم الفاعل . الثانية : الصلاة بالليل المعبر عنها بالتلاوة والسجود ، وهي العبادة التي يظهر بها الخلو لمناجاة اللّه بالليل . الثالثة : الإيمان باللّه واليوم الآخر ، وهو الحامل على عبادة اللّه وذكر اليوم الآخر لأنّ فيه ظهور آثار عبادة اللّه من الجزاء الجزيل . وتضمن الإيمان باليوم الآخر الإيمان بالأنبياء ، إذ هم الذين أخبروا بكينونة هذا الجائز في العقل ووقوعه ، فصار الإيمان به واجباً . الرابعة : الأمر بالمعروف . الخامسة : النهي عن المنكر ، لما كملوا في أنفسهم سعوا في تكميل غيرهم بهذين الوصفين . السادسة : المسارعة في الخيرات . وهي صفة تشمل أفعالهم المختصة بهم ، والأفعال المتعدية منهم إلى غيرهم . وهذه الصفات الثلاثة ناشئة أيضاً عن الإيمان ، فانظر إلى حسن سياق هذه الصفات حيث توسط الإيمان ، وتقدمت عليه الصفة المختصة بالإنسان في ذاته وهي الصلاة بالليل ، وتأخرت عنه الصفتان المتعدّيتان والصفة المشتركة ، وكلها نتائج عن الإيمان . {وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ } هذه إشارة إلى من جمع هذه الصفات الست ، أي وأولئك الموصوفون بتلك الأوصاف من الذين صلحت أحوالهم عند اللّه . قال الزمخشري : ويجوز أن يريد بالصالحين المسلمين انتهى . ويشبه قوله قول ابن عباس من أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم. وفيما قاله الزمخشري بعد بل : الظاهر أنَّ في الوصف بالصلاح زيادة على الوصف بالإسلام ، ولذلك سأل هذه الرتبة بعض الأنبياء فقال تعالى حكاية عن سليمان على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم :{ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ } وقال تعالى في حق إبراهيم عليه السلام :{ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِى الاْخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ } وقال تعالى :{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ } وقال تعالى بعد ذكر إسماعيل :{ وَإِدْرِيسَ وَذِى الْكِفْلِ كُلٌّ مّنَ الصَّابِرِينَ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِى رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مّنَ الصَّالِحِينَ} وقال :{ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ } ومن للتبعيض . و قال ابن عطية : ويحسن أن تكون لبيان الجنس انتهى . ولم يتقدم شيء فيه إبهام فيبين جنسه . |
﴿ ١١٤ ﴾