٣٦واعبدوا اللّه ولا . . . . . {وَاعْبُدُواْ اللّه وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ } مناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه تعالى لما ذكر أنّ الرجال قوامون على النساء بتفضيل اللّه إياهم عليهن ، وبإنفاق أموالهم ، ودل بمفهوم اللقب أنه لا يكون قواماً على غيرهن ، أوضح أنه مع كونه قواماً على النساء هو أيضاً مأمور بالإحسان إلى الوالدين ، وإلى من عطفه على الوالدين . فجاءت حثاً على الإحسان ، واستطراداً لمكارم الأخلاق . وأن المؤمن لا يكتفي من التكاليف الإحسانية بما يتعلق بزوجته فقط ، بل عليه غيرها من بر الوالدين وغيرهم . وافتتح التوصل إلى ذلك بالأمر بإفراد اللّه تعالى بالعبادة ، إذ هي مبدأ الخير الذي تترتب الأعمال الصالحة عليه . ونظير :{ وَإِذَا أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى إِسْرءيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّه وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَانًا } وتقدم شرح قوله :{ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ } إلا أن هنا وبذي ، وهناك وذي ، وإعادة الباء تدل على التوكيد والمبالغة ، فبولغ في هذه الآية لأنها في حق هذه الأمة ، ولم يبالغ في حق تلك ، لأنها في حق بني إسرائيل . والاعتناء بهذه الأمة أكثر من الاعتناء بغيرها ، إذ هي خير أمة أخرجت للناس . وقرأ ابن أبي عبلة : وبالوالدين إحسان بالرفع ، وهومبتدأ أو خبر فيه ما في المنصوب من معنى الأمر ، وإن كان جملة خبرية نحو قوله : فصبر جميل فكلانا مبتلي {وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبَى } قال ابن عباس : ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة ، وابن زيد ، ومقاتل في آخرين : هو الجار القريب النسب ، والجار الجنب هو الجار الأجنبي ، الذي لا قرابة بينك وبينه . وقال بلعاء بن قيس : لا يجتوينا مجاور أبدا ذو رحم أو مجاور جنب وقال نوف الشامي : هو الجار المسلم . {وَالْجَارِ الْجُنُبِ } هو : الجار اليهودي ، والنصراني . فهي عنده قرابة الإسلام ، وأجنبية الكفر . وقالت فرقة ، هو الجار القريب المسكن منك ، والجنب هو البعيد المسكن منك . كأنه انتزع من الحديث الذي فيه : إن لي جارين فإلى أهيما أهدي ؟ قال : { إلى أقربهما منك باباً} . وقال ميمون بن مهران : والجار ذي القربى أريد به الجار القريب . قال ابن عطية : وهذا خطأ في اللسان ، لأنه جمع على تأويله بين الألف واللام والإضافة ، وكان وجه الكلام : وجار ذي القربى انتهى . ويمكن تصحيح قول ميمون على أن لا يكون جمعاً بين الألف واللام والإضافة على ما زعم ابن عطية بأن يكون قوله : ذي القربى بدلاً من قوله : والجار ، على حذف مضاف التقدير : والجار جار ذي القربى ، فحذف جار لدلالة الجار عليه ، وقد حذفوا البدل في مثل هذا . قال الشاعر : رحم اللّه أعظما دفنوها بسجستان طلحة الطلحات يريد : أعظم طلحة الطلحات . ومن كلام العرب : لو يعلمون العلم الكبيرة سنة ، يريدون : علم الكبيرة سنة . والجنب : هو البعيد ، سمي بذلك لبعده عن القرابة . وقال : فلا تحرمني نائلاً عن جنابة . والمجاورة مساكنة الرجل الرجل في محله ، أو مدينة ، أو كينونة أربعين داراً من كل جانب ، أو يعتبر بسماع الأذان ، أو بسماع الإقامة ، أقوال أربعة ثانيها : قول الأوزاعي . وروى في ذلك حديثاً أنه عليه الصلاة والسلام { أمر مناديه ينادي :} ألا إنَّ أربعين داراً جواز ، ولا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه { والمجاورة مراتب ، بعضها ألصق من بعض ، أقربها الزوجة . قال الأعشى : أجارتنا بيني فإنك طالقة وقرىء : والجار ذا القربى . قال الزمخشري : نصباً على الاختصاص كما قرىء { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } تنبيهاً على عظم حقه لإدلائه بحقي الجوار والقربى انتهى ، وقرأ عاصم في رواية المفضل عنه : والجار الجنُب بفتح الجيم وسكون النون ، ومعناه البعيد . وسئل أعرابي عن الجار الجنب فقال : هو الذي يجيء فيحل حيث تقع عينك عليه . {وَالصَّاحِبِ بِالجَنْبِ } قال ابن عباس ، وابن جبير ، وقتادة ، ومجاهد ، والضحاك : هو الرفيق في السفر . وقال علي وابن مسعود والنخعي ، وابن أبي ليلى : الزوجة . وقال ابن زيد : هو من يعتريك ويلمّ بك لتنفعه . وقال الزمخشري : هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك إما رفيقاً في سفر ، وإما جاراً ملاصقاً ، وإما شريكاً في تعلم علم أو حرفة ، وإما قاعداً إلى جنبك في مجلس أو مسجداً ، أو غير ذلك من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه ، فعليك أن تراعي ذلك الحق ولا تنساه ، وتجعله ذريعة للإحسان . وقال مجاهد أيضاً : هو الذي يصحبك سفراً وحضراً . وقيل : الرفيق الصالح . {وَابْنِ السَّبِيلِ } تقدّم شرحه . {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } قيل : ما وقعت على العاقل باعتبار النوع كقوله تعالى :{ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ } وقيل : لأنها أعم من من ، فتشمل الحيوانات على إطلاقها من عبيد وغيرهم ، والحيوانات غير الارقاء أكثر في يد الإنسان من الارقاء ، فغلب جانب الكثرة ، فأمر اللّه تعالى بالإحسان إلى كل مملوك من آدمي وحيوان غيره . وقد ورد غير ما حديث في الوصية بالارقاء خيراً في صحيح مسلم وغيره . ومن غريب التفسير ما نقل عن سهل التستري قال : الجار ذو القربى هو القلب ، والجار الجنب النفس ، والصاحب بالجنب العقل الذي يجهر على اقتداء السنة والشرائع ، وابن السبيل الجوارح المطيعة . {إِنَّ اللّه لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً } نفى تعالى محبته عمن اتصف بهاتين الصفتين : الاختيال وهو التكبر ، والفخر هو عد المناقب على سبيل التطاول بها والتعاظم على الناس . لأنّ من اتصف بهاتين الصفتين حملتاه على الإخلال بمن ذكر في الآية ممن يكون لهم حاجة إليه . وقال أبو رجاء الهروي : لا تجد سيىء الملكة إلا وجدته مختالاً فخوراً ، ولا عاقاً إلا وجدته جباراً شقياً . قال الزمخشري : والمختال التياه الجهول الذي يتكبر عن إكرام أقاربه وأصحابه ومماليكه ، فلا يحتفى بهم ، ولا يلتفت إليهم . وقال غيره : ذكر تعالى الاختيال لأن المختال يأنف من ذوي قرابته إذا كانوا فقراء ، ومن جيرانه إذا كانوا ضعفاء ، ومن الأيتام لاستضعافهم ومن المساكين لاحتقارهم ، ومن ابن السبيل لبعده عن أهله وماله ، ومن مماليكه لأسرهم في يده انتهى . وتظافرت هذه النقول على أن ذكر هاتين الصفتين في آخر الآية إنما جاء تنبيهاً على أنّ من اتصف بالخيلاء والفخر بأنف من الإحسان للأصناف المذكورين ، وأن الحامل له على ذلك اتصافه بتينك الصفتين . والذي يظهر لي أنّ مسافهما غير هذا المساق الذي ذكروه ، وذلك أنه تعالى لما أمر بالإحسان للأصناف المذكورة والتحفي بهم وإكرامهم ، كان في العادة أن ينشأ عن من اتصف بمكارم الأخلاق أن يجد في نفسه زهواً وخيلاً ، وافتخاراً بما صدر منه من الإحسان . وكثيراً ما افتخرت العرب بذلك وتعاظمت في نثرها ونظمها به ، فأراد تعالى أن ينبه على التحلي بصفة التواضع ، وأن لا يرى لنفسه شفوفاً على من أحسن إليه ، وأن لا يفخر عليه كما قال تعالى :{ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنّ وَالاْذَى } فنفى تعالى محبته عن المتحلي بهذين الوصفين . وكان المعنى أنهم أمروا بعبادة اللّه تعالى ، وبالإحسان إلى الوالدين . ومن ذكر معهما : ونهوا عن الخيلاء والفخر ، فكأنه قيل : ولا تختالوا وتفخروا على من أحسنتم إليه ، إن اللّه لا يحب من كان مختالاً فخوراً . إلا أنّ ما ذكرناه لا يتم إلا على أن يكون الذين يبخلون مبتدأ مقتطعاً مما قبله ، أما إن كان متصلاً بما قبله فيأتي المعنى الذي ذكره المفسرون ، ويأتي إعراب الذين يبخلون ، وبه يتضح المعنى الذي ذكروه ، والمعنى الذي ذكرناه إن شاء اللّه تعالى . |
﴿ ٣٦ ﴾