٤٢يومئذ يود الذين . . . . . {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الاْرْضُ } التنوين في يومئذ هو تنوين العوض ، حذفت الجملة السابقة وعوض منها هذا التنوين ، والتقدير : يوم إذ جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً يودّ الذين كفروا وعصوا الرسول أي : كفروا باللّه وعصوا رسوله . والرسول : هنا اسم جنس ، ويحتمل أن يكون التنوين عوضاً من الجملة الأخيرة ، ويكون الرسول محمد صلى اللّه عليه وسلم. وأبرز ظاهراً ، ولم يأت وعصوك لما في ذكر الرسول من الشرف والتنويه بالرسالة التي هي أشرف ما تحملها الإنسان من اللّه تعالى ، إذ هي سبب السعادة الدنيوية والأخروية ، والعامل في : يوم يودّ . ومعنى يودّ : يتمنى . وظاهر وعصوا أنه معطوف على كفروا . وقيل : هو على إضمار موصول آخر أي : والدين عصوا فهما فرقتان . وقيل : الواو واو الحال أي : كفروا وقد عصوا الرسول . وقال الحوفي : يجوز أن يكون يوم مبنياً مع إذ ، لأنّ الظرف إذا أضيف إلى غير متمكن جاز بناؤه معه . وإذ في هذا الموضع اسم ليست بظرف ، لأن الظروف إذا أضيف إليها خرجت إلى معنى الاسمية من أجل تخصيص المضاف إليها ، كما تخصص الأسماء ، ومع استحقاقها الجرّ ، والجرّ ليس من علامات الظروف انتهى ، وهو كلام جيد . وقرأ الجمهور : وعصوا الرسول بضم الواو . وقرأ يحيى بن يعمر وأبو السمال : وعصوا الرسول بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم : تسوى بضم التاء وتخفيف السين مبنياً للمفعول ، وهو مضارع سوى . وقرأ نافع ، وابن عامر : بفتح التاء وتشديد السين ، وأصله تتسوى ، فأدغمت التاء في السين ، وهو مضارع تسوى . وقرأ حمزة والكسائي : تسوّى بفتح التاء وتخفيف السين ، وذلك على حذف التاء ، إذ أصله تتسوى وهو مضارع تسوى . فعلى قراءة من قرأ تتسوى وتسوّى فتكون الأرض فاعلة . قال أبو عبيدة وجماعة : معناه لو تنشق الأرض ويكونون فيها ، وتنسوي هي في نفسها عليهم . والباء بمعنى على . وقالت فرقة : معناه لو تسوّى هي معهم في أن يكونوا تراباً كالبهائم ، فجاء اللفظ على أن الأرض هي المسوية معهم ، والمعنى : إنما هو أنهم يستوون مع الأرض . ففي اللفظ قلب يخرج على قولهم : أدخلت القلنسوة في رأسي . وعلى قراءة من قرأ : تسوى مبنياً للمفعول ، فالمعنى أن اللّه يفعل ذلك على حسب المعنيين السابقين . وقيل : المعنى لو دفنون فتسوى بهم الأرض كما تسوى بالموتى ، ومعنى هذا القول هو معنى القول الأول . وقيل : المعنى لو تعدل بهم الأرض أي : يؤخذ منهم ما عليها فدية . والعامل في يومئذ يود ، ومفعول يود محذوف تقديره : تسوية الأرض بهم ، ودلّ عليه قوله : لو تسوى بهم الأرض . ولو حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، وجوابه محذوف تقديره : لسروا بذلك ، وحذف لدلالة يودّ عليه . ومن أجاز في لو أن تكون مصدرية مثل أن جوز ذلك هنا ، وكانت إذ ذاك لا جواب لها ، بل تكون في موضع مفعول يود . {وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّه حَدِيثاً } روي عن ابن عباس أن معنى هذه : ودوا إذ فضحتحهم جوارحهم أنهم لم يكتموا اللّه شركهم . وروي عنه أيضاً : أنهم لما شهدت عليهم جوارحهم لم يكتموا اللّه شيئاً . وقال الحسن : القيامة مواقف ، ففي موطن يعرفون سوء أعمالهم ويسألون أن يردوا إلى الدنيا ، وفي موطن يكتمون ويقولون : واللّه ربنا ما كنا مشركين . وقال الفراء والزجاج : هو كلام مستأنف لا يتعلق بقوله : وتسوى بهم الأرض ، والمعنى : لا يقدرون على كتمان الحديث لأنه ظاهر عند اللّه . وقيل : ودوا لو سويت بهم الأرض ، وأنهم لم يكتموا اللّه حديثاً . وقيل : لم يعتقدوا أنهم مشركون ، وإنما اعتقدوا أن عبادة الأصنام طاعة ، ذكر هذين القولين : ابن الأنباري . قال القاضي : أخبروا بما توهموا ، وكانوا يظنون أنهم ليسوا بمشركين ، وذلك لا يخرجهم أنهم قد كذبوا . وإذا كانت الجملة مندرجة تحت يود فقال الجمهور : هو قولهم واللّه ربنا ما كنا مشركين ، ما كنا نعمل من سوء ، وهذا يتعلق بالآخرة . وقال عطاء : أمر الرسول ونعته وبعثه ، وهذا متعلق بالدنيا انتهى . ما خص من كتاب التحرير والتحبير . وقال ابن عطية ما ملخصه : استأنف الكلام وأخبر أنهم لا يكتمون حديثاً لنطق جوارحهم بذلك كله حتى يقول بعضهم : واللّه ربنا ما كنا مشركين ، فيقول اللّه تعالى : كذبتم ، ثم تنطق جوارحهم فلا تكتم حديثاً ، وهذا قول ابن عباس . وقالت طائفة مثله : إلا أنها قالت : استأنف ليخبر أنّ الكتم لا ينفع وإن كتموا لعلم اللّه جميع أسرارهم ، فالمعنى : ليس ذلك المقام الهائل مقاماً ينفع فيه الكتم . والفرق بين هذا والأول ، أن الأول يقتضي أنّ الكتم لا يقع بوجه ، والآخر يقتضي أنّ الكتم لا ينفع وقع أو لم يقع ، كما تقول : هذا مجلس لا يقال فيه باطل ، وأنت تريد أنه لا ينفع فيه ولا يستمع إليه . وقالت طائفة : الكلام كله متصل ، والمعنى : ويودون أنهم لا يكتمون اللّه حديثاً . وودّهم ذلك إنما هو ندم على كذبهم حين قالوا : واللّه ربنا ما كنا مشركين . وقالت طائفة : هي مواطن وفرق انتهى . وقال الزمخشري : لا يقدرون على كتمانه ، لأن جوارحهم تشهد عليهم . وقيل : الواو وللحال يودون أن يدفنوا تحت الأرض ، وأنهم لا يكتمون اللّه حديثاً ، ولا يكذبون في قولهم : واللّه ربنا ما كنا مشركين . لأنهم إذا قالوا ذلك وجحدوا شركهم ، ختم اللّه على أفواههم عند ذلك وتكلمت أيديهم وأرجلهم بتكذيبهم ، والشهادة عليهم بالشرك . فلشدة الأمر عليهم يتمنون أن تسوى بهم الأرض انتهى . والذي يتلخص في هذه الجملة أن الواو في قوله : ولا يكتمون إما أن تكون للحال ، أو للعطف فإن كانت للحال كان المعنى : أنهم يوم القيامة يودون إن كانوا ماتوا وسويت بهم الأرض ، غير كاتمين اللّه حديثاً ، فهي حال من بهم ، والعامل فيها تسوى . وهذه الحال على جعل لو مصدرية بمعنى أن ، ويصح أيضاً الحال على جعل لو حرفاً لما سيقع لوقوع غيره ، أي : لو تسوى بهم الأرض غير كاتمين اللّه حديثاً لكان بغيتهم وطلبتهم . ويجوز أن يكون حالاً من الذين كفروا ، والعامل يود على تقدير أن تكون لو مصدرية أي : يوم القيامة يود الذين كفروا إن كانوا سويت بهم الأرض غير كاتمين ، وتكون هذه الحال قيدا في الودادة . أي تقع الودادة منهم لما ذكر في حال انتفاء الكتمان ، وهي حالة إقرارهم بما كانوا عليه في الدّنيا من الكفر والتكذيب ، ويكون إقرارهم في موطن دون موطن ، إذ قد ورد أنهم يكتمون ، ويبعد أن يكون حالاً على هذا الوجه . ولو حرف لما كان سيقع لوقوع غيره للفصل بين الحال ، وعاملها بالجملة . وإن كانت الواو في : ولا يكتمون ، للعطف فيحتمل أن يكون من عطف المفردات ، ومن عطف الجمل . فإن كانت من عطف المفردات كان ذلك معطوفاً على مفعول يود أي : يودّون تسوية الأرض بهم وانتفاء الكتمان . ويحتمل أن يكون انتفاء الكتمان في الدنيا ، ويحتمل أن يكون في الآخرة ، وهو قولهم : واللّه ربنا ما كنا مشركين . ويبعد جدًّا أن يكون عطف على مفعول يود المحذوف ، ولو حرف لما كان سيقع لوقوع غيره . وإن كانت من عطف الجمل فيحتمل أن يكون معطوفاً على يود ، أي : يودّون كذا ولا يكتمون اللّه حديثاً ، فأخبر تعالى عنهم بخبرين الودادة وانتفاء الكتمان ، ويكون انتفاء الكتمان في بعض مواقف القيامة . ويحتمل أن يكون مفعول يود محذوفاً كما قرّرناه ، ولو حرف لما كان سيقع لوقوع غيره ، وجوابها محذوف كما تقدّم . والجملة من قوله : ولا يكتمون معطوفة على لو ومقتضيتها ، ويكون تعالى قد أخبر بثلاث جمل : جملة الودادة ، والجملة التعليقية من لو وجوابها ، وجملة انتفاء الكتمان . |
﴿ ٤٢ ﴾