٦٣

أولئك الذين يعلم . . . . .

{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّه مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِى أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً } أي : يعلم ما في قلوبهم من النفاق . والمعنى : يعلمه فيجازيهم عليه ، أو يجازيهم على ما أسرّوه من الكفر ، وأظهروه من الحلف الكاذب . وعبر بالعلم عن المجازاة . فأعرض عنهم : أي عن معاتبتهم وشغل البال بهم ، وقبول إيمانهم وأعذارهم .

وقيل : المعنى بالإعراض معاملتهم بالرفق والإناة ، ففي ذلك تأديب لهم ، وهو عتابهم . ولا يراد بالإعراض الهجر والقطيعة ، فإنّ قوله : وعظهم يمنع من ذلك . وعظهم : أي خوفهم بعذاب اللّه وازجرهم ، وأنكر عليهم أن يعودوا لمثل ما فعلوا .

والقول البليغ هو الزجر والردع . قال الحسن : هو التوعد بالقتل إن استداموا حالة النفاق . ويتعلق قوله : في أنفسهم بقوله : قل على أحد معنيين ، أي : قل لهم خالياً بهم لا يكون معهم أحد من غيرهم مساراً لأنّ النصح إذا كان في السرّ كان أنجح ، وكان بصدد أن يقبل سريعاً . ومعنى بليغاً : أي مؤثراً فيهم . أو قلْ لهم في معنى أنفسهم النجسة المنطوية على النفاق قولاً يبلغ منهم ما يزجرهم عن العود إلى ما فعلوا .

وقال الزمخشري: { فإن قلت } : ثم تعلق قوله : في أنفسهم ؟ { قلت} : بقوله : بليغاً أي : قلْ لهم قولاً بليغاً في أنفسهم ، مؤثراً في قلوبهم يغتمون به اغتماماً ، ويستشعرون منه الخوف استشعاراً ، وهو التوعد بالقتل والاستئصال إنْ نجم منهم النفاق ، وأطلع قرنه ، وأخبرهن أنَّ ما في نفوسهم من الدغل والنفاق معلوم عند اللّه ، وأنه لا فرق بينكم وبين المشركين . وما هذه المكافة إلا لإظهاركم الإيمان ، وإسراركم الكفر وإضماره ، فإن فعلتم ما

تكشفون به غطاءكم لم يبق إلا السيف انتهى كلامه . وتعليقه في أنفسهم بقوله : بليغاً لا يجوز على مذهب البصريين ، لأن معمول الصفة لا يتقدّم عندهم على الموصوف . لو

قلت : هذا رجل ضارب زيداً لم يجز أن تقول : هذا زيداً رجل ضارب ، لأن حق المعمول ألا يحل إلا في موضع يحل فيه العامل ، ومعلوم أن النعت لا يتقدّم على المنعوت ، لأنه تابع ، والتابع في ذلك بمذهب الكوفيين .

وأما ما ذكره الزمخشري بعد ذلك من الكلام المسهب فهو من نوع الخطابة ، وتحميل لفظ القرآن ما لا يحتمله ، وتقويل اللّه تعالى ما لم يقله ، وتلك عادته في تفسيره وهو تكثير الألفاظ . ونسبة أشياء إلى اللّه تعالى لم يقلها اللّه تعالى ، ولا دل عليها اللفظ دلالة واضحة ، والتفسير في الحقيقة إنما هو شرح اللفظ المستغلق عند السامع مما هو واضح عنده مما يرادفه أو يقاربه ، أو له دلالة عليه بإحدى طرق الدلالات .

وحكى عن مجاهد أن قوله : في أنفسهم متعلق بقوله : مصيبة ، وهو مؤخر بمعنى التقديم ، وهذا ينزه مجاهد أن يقوله ، فإنه في غاية الفساد .

﴿ ٦٣