٦٤

وما أرسلنا من . . . . .

شجرأمر : التبس ، يشجر شجوراً وشجراً ، وشاجر الرجل غيره في الأمر نازعه فيه ، وتشاجروا . وخشبات الهودج يقال لها شجار لتداخل بعضها ببعض . ورمح شاجر ، والشجير الذي امتزجت مودته بمودّة غيره ، وهو من الشجر شبه

بالتفاف الأغصان . وقد تقدّم ذكر هذه المادّة في البقرة وأعيدت لمزيد الفائدة .

نفر الرجل ينفر نفيراً ، خرج مجداً بكسر الفاء في المضارع وضمها ، وأصله الفزع ، يقال : نفر إليه إذا فزع إليه ، أي طلب إزالة الفزع . والنفير النافور ، والنفر الجماعة . ونفرت الدابة تفرُ بضم الفاء نفوراً أي هربت باستعجال .

الثبة : الجماعة الإثنان والثلاثة في كلام العرب قاله : الماتريدي .

وقيل : هي فوق العشرة من الرجال ، وزنها فعلة . ولامها قيل : واو ،

وقيل : ياء ، مشتقة من تثبيت على الرجل إذا أثنيت عليه ، كأنك جمعت محاسنه . ومن قال : إن لامها واو ، جعلها من ثبا يثبو مثل حلا يحلو . وتجمع بالألف والتاء وبالواو والنون فتضم في هذا الجمع تاؤها ، أو تكسر وثبة الحوض وسطه الذي يثوب الماء إليه ، المحذوف منه عينه ، لأنه من ثاب يثوب ، وتصغيره ثويبة كما تقول في سه سييهة ، وتصغير تلك ثبية . البطء التثبط عن الشيء . يقال : أبطأ وبطؤ مثل أسرع وسرع مقابله ، وبطآن اسم فعل بمعنى بطؤ .

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه} نبه تعالى على جلالة الرسل ، وأنّ العالم يلزمهم طاعتهم ، والرسول منهم تجب طاعته . ولام ليطاع لام كي ، وهو استثناء مفرّغ من المفعول من أجله أي : وما أرسلنا من رسول بشيء من الأشياء إلا لأجل الطاعة . وبإذن اللّه أي بأمره ، قاله : ابن عباس . أو بعلمه وتوفيقه وإرشاده . وحقيقة الإذن التمكين مع العلم بقدر ما مكن فيه . والظاهر أن بإذن اللّه متعلق بقوله : ليطاع .

وقيل : بأرسلنا أي : وما أرسلنا بأمر اللّه أي : بشريعته ، ودينه وعبادته من رسول إلا ليطاع .

قال ابن عطية : وعلى التعليقين فالكلام عام اللفظ ، خاص المعنى ، لأنّا نقطع أنَّ اللّه تبارك وتعالى قد أراد من بعض خلقه أن لا يطيعوه ، ولذلك خرجت طائفة معنى الإذن إلى العلم ، وطائفة خرجته إلى الإرشاد لقوم دون قوم ، وهو تخريج حسن . لأن اللّه إذا علم من أحد أنه يؤمن وفقه لذلك ، فكأنه أذن له انتهى . ولا يلزم ما ذكره من أن الكلام عام اللفظ خاص المعنى ، لأن قوله : ليطاع مبني للمفعول الذي لم يسم فاعله ، ولا يلزم من الفاعل المحذوف أن يكون عاماً ، فيكون التقدير : ليطيعه العالم ، بل المحذوف ينبعي أن يكون خاصاً ليوافق الموجود ، فيكون أصله : إلا ليطيعه من أردنا طاعته . وقال عبد اللّه الرازي : والآية دالة على أنه لا رسول إلا ومعه شريعة ليكون مطاعاً في تلك الشريعة ، ومتبوعاً فيها ، إذ لو كان لا يدعو إلا إلى شرع مَن قبله لم يكن هو في الحقيقة مطاعاً ، بل المطاع هو الرسول المتقدم الذي هو الواضع لتلك الشريعة ، واللّه تعالى حكم على كل رسول بأنه مطاع انتهى . ولا يعجبني قوله : الواضع لتلك الشريعة ، والأحسن أن يقال : الذي جاء بتلك الشريعة من عند اللّه .

{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاءوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّه وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّه تَوَّاباً رَّحِيماً } ظلموا أنفسهم بسخطهم لقضائك أو بتحاكمهم إلى الطاغوت ، أو بجميع ما صدر عنهم من المعاصي . جاؤوك فاستغفروا اللّه بالإخلاص ، واعتذروا إليك . واستغفر لهم الرسول أي : شفع لهم الرسول في غفران ذنوبهم . والعامل في إذ جاؤوك ، والتفت في قوله : واستغفر لهم الرسول ، ولم يجيء على ضمير الخطاب في جاؤوك تفخيماً لشأن الرسول ، وتعظيماً لاستغفاره ، وتنبيهاً على أن شفاعة من اسمه الرسول من اللّه تعالى بمكان ، وعلى أنَّ هذا الوصف الشريف وهو إرسال اللّه إياه موجب لطاعته ، وعلى أنه

مندرج في عموم قوله : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّه } ومعنى وجدوا : علموا ، أي : بإخباره أنه قبل توبتهم ورحمهم .

وقال أبو عبد اللّه الرازي ما ملخصه : فائدة ضم استغفار الرسول إلى استغفارهم بأنهم بتحاكمهم إلى الطاغوت خالفوا حكم اللّه ، وأساءوا إلى الرسول صلى اللّه عليه وسلم ، فوجب عليهم أن يعتذروا ويطلبوا من الرسول الاستغفار ، أو لمّا لم يرضوا بحكم الرسول ظهر منهم التمرد ، فإذا تابوا وجب أن يظهر منهم ما يزيد التمرد بأن يذهبوا إلى الرسول ويطلبوا منه الاستغفار ، أو إذا تابوا بالتوبة أتوا بها على وجه من الخلل ، فإذا انضم إليها استغفار الرسول صلى اللّه عليه وسلم صارت مستحقة . والآية تدل على قبول توبة التائب لأنه قال بعدها :{ لَوَجَدُواْ اللّه } وهذا لا ينطبق على ذلك الكلام إلا إذا كان المراد من قوله :{ تَوَّاباً رَّحِيماً } قبول توبته انتهى . وروي عن علي كرم اللّه وجهه أنه قال : قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبره وحثا من ترابه على رأسه ثم قال : يا خير من دفنت في الترب أعظمه

فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم قال : قد

قلت : يا رسول اللّه فسمعنا قولك ، ووعيت عن اللّه فوعينا عنك ، وكان فيما أنزل اللّه عليك ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك الآية ، وقد ظلمت نفسي وجئت أستغفر اللّه ذنبي ، فاستغفر لي من ربي ، فنودي من القبر أنه قد غفر لك .

﴿ ٦٤