١١٣

ولولا فضل اللّه . . . . .

{وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّه عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَىْء } الظاهر : أنّ الضمير في منهم عائد على بني ظفر المجادلين والذابين عن بني أبيرق . أي : فلولا عصمته وإيحاؤه إليك بما كتموه ، لهموا بإضلالك عن القضاء بالحق وتوخي طريق العدل ، مع علمهم بأنّ الجاني هو صاحبهم . فقد روي أنّ ناساً منهم كانوا يعلمون حقيقة القصة ، هذا فيه بعض كلام الزمخشري ، وهو قول ابن عباس من رواية السائب : أنها متعلقة بقصة طعمة وأصحابه ، حيث لبسوا على الرسول أمر صاحبهم .

وروى الضحاك عن ابن عباس : أنها نزلت في وفد ثقيف قدموا على الرسول صلى اللّه عليه وسلم قالوا : جئناك نبايعك على أنْ لا نحشر ولا نعشر ، وعلى أن تمتعنا بالعزى سنة ، فلم يجبهم فنزلت . و

قال ابن عطية : وفق اللّه نبيهعلى مقدار عصمته له ، وأنها بفضل من اللّه ورحمته .

وقوله تعالى : لهمت معناه لجعلته همها وشغلها حتى تنفذه ، وهذا يدل على أنّ الألفاظ عامة في غير أهل النازلة ، وإلا فأهل الغضب لبني أبيرق ، وقد وقع همهم وثبت . والمعنى : ولولا عصمة اللّه لك لكان في الناس من يشتغل بإضلالك ويجعله همّ نفسه ، كما فعل هؤلاء ، لكن العصمة تبطل كيد الجمع انتهى . والظاهر القول الأول كما ذكرنا ، إلا أن الهمّ يحتاج إلى قيد أي : لهمت طائفة منهم هما يؤثر عندك . ولا بد من هذا القيد ، لأنهم هموا حقيقة أعني : المجادلين عن بني أبيرق ، أو يخصّ الضلال عن الدين فإنّ الهم بذلك أي : لهموا بإضلالك عن شريعتك ودينك ، وعصمة اللّه إياك منعتهم أن يخطروا ذلك ببالهم . وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء أي : وبال ما أقدموا عليه من التعاون على الإثم والبهت ، وشهادة الزور ، إنما هو يخصهم . وما يضرونك من شيء مِن تدل على العموم نصاً أي : لا يضرونك قليلاً ولا كثيراً . قال القفال : وهذا وعد بالعصمة في المستقبل .

{وَأَنزَلَ اللّه عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } الكتاب : هو القرآن . والحكمة تقدّم تفسيرها والمعنى : إنّ من أنزل اللّه عليه الكتاب والحكمة وأهله لذلك ، وأمره بتبليغ ذلك ، هو معصوم من الوقوع في الضلال والشبه .

{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } قال ابن عباس ومقاتل : هو الشرع . وقال أبو سليمان الدمشقي : أخبار الأولين والآخرين . وذكر الماوردي : الكتاب والحكمة ، وذكر أيضاً مقدار نفسك النفيسة .

وقيل : خفيات الأمور ، وضمائر الصدور التي لا يطلع عليها إلا يوحي . وقال القفال : يحتمل وجهين :

أحدهما : أن يُراد ما يتعلق بالدين كما

قال تعالى :{ مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ } وعلى هذا التقدير : وأطلعك على أسرار الكتاب والحكمة ، وعلى حقائقهما ، مع أنك ما كنت عالماً بشيء ، فكذلك بفعل بك في مستأنف أيامك ، لا يقدر أحد من المنافقين على إضلالك ولا على استزلالك .

الثاني : ما لم تكن تعلم من أخبار القرون السالفة ، فكذلك يعلمك من حيل المنافقين وكيدهم ما لا يقدر على الاحتراز منه انتهى . وفيه بعض تلخيص . والظاهر العموم ، فيشمل جميع ما ذكروه .

فالمعنى : الأشياء التي لم تكن تعلمها . لولا إعلامه إياك إياها .

{وَكَانَ فَضْلُ اللّه عَلَيْكَ عَظِيماً } قيل : المنة بالإيمان . وقال أبو سليمان : هو ما خصه به تعالى . وقال أبو

عبداللّه الرازي : هذا من أعظم الدلائل على أنّ العلم أشرف الفضائل والمناقب . وذلك أنّ اللّه تعالى ما أعطى الخلق من العلم إلا قليلاً ، ونصيب الشخص من علوم الخلائق يكون قليلاً ، ثم إنه سمى ذلك القليل عظيماً .

وتضمنت هذه الآيات أنواعاً منم الفصاحة والبيان والبديع . منها الاستعارة في : وإذا ضربتم في الأرض ، وفي : فيميلون استعار الميل للحرب . والتكرار في : جناح ولا جناح لاختلاف متعلقهما ، وفي : فلتقم طائفة : ولتأت طائفة ، وفي : الحذر والأسلحة ، وفي : الصلاة ، وفي : تألمون ، وفي : اسم اللّه . والتجنيس المغاير في : فيميلون ميلة ، وفي : كفروا إن الكافرين ، وفي : تختانون وخواناً ، وفي : يستغفروا غفوراً . والتجنيس المماثل في : فأقمت فلتقم ، وفي : لم يصلوا فليصلوا ، وفي : يستخفون ولا يستخفون ، وفي : جادلتم فمن يجادل ، وفي : يكسب ويكسب ، وفي : يضلوك وما يصلون ، وفي : وعلمك وتعلم . قيل : والعام يراد به الخاص في : فإذا قضيتم الصلاة ظاهره العموم ، وأجمعوا على أن المراد بها صلاة الخوف خاصة ، لأن السياق يدل على ذلك ، ولذلك كانت أل فيه للعهد انتهى . وإذا كانت أل للعهد فليس من باب العام المراد به الخاص ، لأن أل للعموم وأل للعهد فهما قسيمان ، فإذا استعمل لأحد القسيمين فليس موضوعاً للآخر . والإبهام في قوله : بما أراك اللّه وفي : ما لم تكن تعلم . وخطاب عين ويراد به غيره وفي : ولا تكن للخائنين خصيماً فإنه صلى اللّه عليه وسلم محروس بالعصمة أن يخاصم عن المبطلين . والتتميم في قوله : وهو معهم للإنكار عليهم والتغليظ لقبح فعلهم لأن حياء الإنسان ممن يصحبه أكثر من حيائه وحده ، وأصل المعية في الإجرام ، واللّه تعالى منزه عن ذلك ، فهو مع عبده بالعلم والإحاطة . وإطلاق وصف الإجرام على المعاني فقد احتمل بهتاناً . والحذف في مواضع .

﴿ ١١٣