١١٧

إن يدعون من . . . . .

{إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً } وجاء بعد تلك :{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } وقوله :{ انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّه الكَذِبَ } ولم يختلف أحد من المتأولين في أنّ المراد بهم اليهود ، وأن كان اللفظ عاماً . ولما كان الشرك من أعظم الكبائر ، كان الضلال الناشىء عنه بعيداً عن الصواب ، لأن غيره من المعاصي وإن كان ضلالاً لكنه قريب من أن يراجع صاحبه الحق ، لأن له رأس مال يرجع إليه وهو الإيمان ، بخلاف المشرك . ولذلك

قال تعالى :{ يَدْعُو مِن دُونِ اللّه مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذالِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ } وناسب هنا ذكر الضلال لتقدم الهدى قبله .

{إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثاً } المعنى : ما يعبدون من دون اللّه ويتخذونه إلهاً إلا مسميات تسمية الإناث . وكنى بالدعاء عن العبادة ، لأنّ من عبد شيئاً دعاه عند حوائجه ومصالحه . وكانوا يحلون الأصنام بأنواع الحلى ، ويسمونها أنثى وإناث ، جمع أنثى كرباب جمع ربى . قال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة : المراد الخشب والحجارة ، فهي مؤنثات لا تعقل ، فيخبر عنها كما يخبر عن المؤنث من الأشياء . فيجيء قوله : إلا إناثاً ، عبارة عن الجمادات . وقال أبو مالك والسدي وابن زيد وغيرهم : كانت العرب تسمي أصنامها بأسماء مؤنثة كاللات والعزى ومناة ونايلة . ويردّ على هذا بأنها كانت تسمى أيضاً بأسماء مذكرة : كهبل ، وذي الخلصة .

وقال الضحاك وغيره : المراد ما كانت العرب تعتقده من تأنيث الملائكة وعبادتهم إياها ، فقيل لهم : هذا على إقامة الحجة من فاسد قولهم . وقال الحسن : لم يكن حي من أحياء العرب إلا ولهم صنم يعبدونه يسمونه أنثى بني فلان ، وفي هذا تعبيرهم بالتأنيث لنقصه وخساسته بالنسبة للتذكير . وقال الراغب : أكثر ما عبدته العرب من الأصنام كانت أشياء منفعلة غير فاعلة ، فبكتهم اللّه تعالى أنهم مع كونهم فاعلين من وجه يعبدون ما ليس هو إلا منفعلاً من كل وجه ، وعلى هذا نبه إبراهيم عليه السلام بقوله :{ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ}

وقرأ أبو رجاء : إنْ تدعون بالتاء على الخطاب ، ورويت عن عاصم . وفي مصحف عائشة رضي اللّه عنها : إلا أوثاناً جمع وثن ، وهو الصنم .

وقرأ بذلك أبو السوار والهناي

وقرأ الحسن : إلا أنثى على التوحيد .

وقرأ ابن عباس ، وأبو حيوة ، والحسن ، وعطاء ، وأبو العالية ، وأبو نهيك ، ومعاذ القاري : أنثاً . قال الطبري : فيما حكى إناث كثمار وثمر . وقال غيره : أنث جمع أنيث ، كغرير وغرر . وقال المغربي : إلا إناثاً إلا ضعافاً عاجزين لا قدرة لهم ، يقال : سيف أنيث وميناثة بالهاء وميناث غير قاطع . قال الشاعر : فتخبرني بأن العقل عندي

جراز لا أقل ولا أنيث

أنث في أمره لان ، والأنيث المخنث الضعيف من الرجال .

وقرأ سعد بن أبي وقاص ، وعبد اللّه بن عمر ، وأبو المتوكل ، وأبو الجوزاء : إلا وثناً بفتح الواو والثاء من غير همزة .

وقرأ ابن المسيب ، ومسلم بن جندب ، ورويت عن ابن عباس ، وابن عمر ، وعطاء : الاأنثا ، يريدون وثناً ، فأبدل الهمزة واواً ، وخرج على أنه جمع جمع إذ أصله وثن ، فجمع على وثان كجعل وجمال ، ثم وثان على وثن كمثال ، ومثل وحمار وحمر .

قال ابن عطية : هذا خطأ ، لأن فعالاً في جمع فعل إنما هو للتكثير ، والجمع الذي هو للتكثير لا يجمع ، وإنما يجمع جموع التقليل ، والصواب أن يقال : وثن جمع وثن دون واسطة ، كأسد وأسد انتهى . وليس قوله : وإنما يجمع جموع التقليل بصواب ، كامل الجموع مطلقاً لا يجوز أن تجمع بقياس سواء كانت للتكثير أم للتقليل ، نص على ذلك النحويون .

وقرأ أيوب السجستاني : الاوثنا بضم الواو والثاء من غير همزة ، كشقق . وقرأت فرقة : الااثنا بسكون الثاء ، وأصله وثناً ، فاجتمع في هذا اللفظ ثماني قراآت : إناثاً ، وأنثاً ، وأوثاناً ، ووثناً ، ووثنا ، واثناً ، وأثنا .

{وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَاناً مَّرِيداً لَّعَنَهُ اللّه} المراد به إبليس قاله : الجمهور ، وهو الصواب ، لأن ما قاله بعد ذلك مبين أنه هو .

وقيل : الشيطان المعين بكل صنم : أفرد لفظاً وهو مجموع في المعنى الواحد يدل على الجنس . قيل ؛ كان يدخل في أجواف الأصنام فيكلم داعيها ، ويحتمل أن يكون

﴿ ١١٧