١٥٣

يسألك أهل الكتاب . . . . .

{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً مّنَ السَّمَاء } قال السدي : قالت اليهود : إن كنت صادقاً فجيء بكتاب من السماء جملة كما جاء موسى بالكتاب . وقال محمد بن كعب القرظي : قالوا : ائت بألواح فيها كتابك كما أتى موسى بألواح فيها التوراة . وقال الحسن وقتادة : سألوه أن يأتي بكتاب خاص لليهود يأمرهم بالإيمان بمحمد صلى اللّه عليه وسلم. وقال ابن جريج : قالوا : لن نتابعك على ما تدعونا إليه حتى تأتينا بكتاب من عند اللّه فلان وإلى فلان إنك رسول اللّه . فعلى قول ابن جريج يقتضي أن سؤالهم كان على نحو سؤال عبد اللّه بن أمية الزهري ،

وقيل : كتاباً نعاينه حتى ينزل ، وسمى من سائلي اليهود

كعب بن الأشرف ، وفنخاص بن عازوراء .

وقيل : السائلون هم اليهود والنصارى وسؤالهم إنما هو على سبيل التعنت . وقال الحسن : لو سألوه لكي يتبين الحق لأعطاهم ، فإن فيما أعطاكم كفاية .

{فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذالِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّه جَهْرَةً } قدروا قبل هذا كلاماً محذوفاً ، فجعله الزمخشري شرطاً هذا جوابه وتقديره : أن استكبرت ما سألوه منك ، فقد سألوا موسى أكبر من ذلك . وقدره ابن عطية : فلا تبال يا محمد عن سؤالهم وتشطيطهم ، فإنها عادتهم ، فقد سألوا موسى . وأسند السؤال إليهم ، وإن كان إنما وقع من آبائهم من نقبائهم السبعين ، لأنهم راضون بفعل آبائهم ومذاهبهم ، ومشابهون لهم في التعنت .

وقرأ الحسن : أكثر بالثاء المثلثة بدل الباء في قراءة الجمهور ، ومعنى جهرة : عياناً رؤية منكشفة بينة . والجهرة من وصف الرّوية . واختلف في النقل عن ابن عباس فروى عنه : { أن جهرة من صفة السؤال ، فقد سألوا موسى . أو حالاً من ضمير سألوا أي : سألوه مجاهرين . وروى عنه أن التقدير : فقالوا جهرة منه وتصريحاً أرنا اللّه ، فيكون من صفة القول}.

{فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ } أي : تعنتهم وسؤالهم ما ليس لهم أن يسألوه .

وقال الزمخشري : بظلمهم بسبب سؤالهم الرؤية ، ولو طلبوا أمراً جائزاً لما سموا ظالمين ، ولما أخذتهم الصاعقة . كما سأل إبراهيم عليه السلام أن يريه إحياء الموتى فلم يسمه ظالماً ، ولا رماه بالصاعقة للمشبهة ورميا بالصواعق انتهى ، وهو على طريقة الاعتزال في استحالة رؤية اللّه عندهم . وأهل السنة يعتقدون أنهم لم يسألوا محالاً عقلاً ، لكنه ممتنع من جهة الشرع ، إذ قد أخبر تعالى على ألسنة أنبيائه أنه لا يرى في هذه الحياة الدنيا ، والرؤية في الآخرة ثابتة عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم بالتواتر ، وهي جائزة عقلاً ، وتقدّم الكلام في البقرة على الصاعقة .

وقرأ السلميّ والنخعي : فأخذتهم الصعقة ، والجمهور الصاعقة .

{ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيّنَاتُ } ثم : للترتيب في الأخبار لا في نفس الأمر ، ثم قد كان من أمرهم أن اتخذوا العجل : أي آباؤهم ، والذين صعقوا غير الذين اتخذوا العجل . والبينات : إجازة البحر ، والعصا ، وغرق فرعون ، وغير ذلك . وقال الحوفي : أعلم نبيه بعنادهم وإصرارهم

فالمعنى : أنه لو نزل عليهم الذي سألوا لخالفوا أمر اللّه كما خالفوه من بعد إحياء اللّه لهم من صعقتهم ، وعبدوا العجل واتخذوه إلهاً .

{فَعَفَوْنَا عَن ذالِكَ } أي : عن اتخاذهم العجل إلهاً عن جميع ما تقدم من مخالفتهم . والأوّل أظهر ، لأنه قد صرح في قصة العجل بالتوبة . ويعني : بما امتحنهم به من القتل لأنفسهم ، ثم وقع العفو عن الباقين منهم .

{يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن } أي : حجة وتسلطاً واستيلاء ظاهراً عليهم حين أمرهم بأن يقتلوا أنفسهم حتى يتاب عليهم فأطاعوه ، واحتبوا بأفتيتهم ، والسيوف تتساقط عليهم ، فيا له من سلطان مبين .

﴿ ١٥٣