١٥٨

بل رفعه اللّه . . . . .

{بَل رَّفَعَهُ اللّه إِلَيْهِ } هذا إبطال لما ادعوه من قتله وصلبه ، وهو حي في السماء الثانية على ما صح عن الرسول صلى اللّه عليه وسلم في حديث المعراج . وهو هنالك مقيم حتى ينزله اللّه إلى الأرض لقتل الدجال ، وليملأها عدلاً كما ملئت جوراً ، ويحيا فيها أربعين سنة ثم يموت كما تموت البشر . وقال قتادة : رفع اللّه عيسى إليه فكساه الريش وألبسه النور ، وقطع عنه الطعام والشراب ، فصار مع الملائكة ، فهو معهم حول العرش ، فصار إنسياً ملكياً سماوياً أرضياً .

والضمير في إليه عائد إلى اللّه تعالى على حذف التقدير إلى سمائه ، وقد جاء { وَرَافِعُكَ إِلَىَّ}

وقيل : إلى حيث لا حكم فيه إلا له . ولا يوجه الدعاء إلا نحوه ، وهو راجع إلى الأول . وقال أبو عبد اللّه الرازي : أعلم اللّه تعالى عقيب ذكره أنه وصل إلى عيسى أنواع من البلايا ، أنه رفعه إليه فدل أنّ رفعه إليه أعظم في إيصال الثواب من الجنة ومن كل ما فيها من اللذات الجسمانية ، وهذه الآية تفتح عليك باب معرفة السعادات الروحانية انتهى . وفيه نحو من كلام المتفلسفة .

{وَكَانَ اللّه عَزِيزاً حَكِيماً } قال أبو عبد اللّه الرازي : المراد من المعزة كمال القدرة ، ومن الحكمة كمال العلم ، فنبه بهذا على أنّ رفع عيسى عليه السلام من الدنيا إلى السموات وإن كان كالمتعذر على البشر ، لكنْ لا تعذر فيه بالنسبة إلى قدرتي وحكمتي انتهى . وقال غيره : عزيزاً أي قوياً بالنقمة من اليهود ، فسلط عليهم بطرس الرومي فقتل منهم مقتلة عظيمة . حكيماً حكم عليهم باللعنة والغضب .

وقيل : عزيزاً أي : لا يغالب ، لأن اليهود حاولت بعيسى عليه السلام أمراً وأراد اللّه خلافه . حكيماً أي : واضع الأشياء مواضعها . فمن حكمته تخليصه من اليهود ، ورفعه إلى السماء لما يريد وتقتضيه حكمته تعالى . وقال وهب بن منبه : أوحى اللّه تعالى إلى عيسى على رأس ثلاثين سنة ، ثم رفعه وهو ا بن ثلاث وثلاثين سنة ، فكانت نبوته ثلاث سنين .

وقيل : بعث اللّه جبريل عليه السلام فأدخله خوخة فيها روزنة في سقفها ، فرفعه اللّه تعالى إلى السماء من تلك الروزنة .

﴿ ١٥٨