١٦٥رسلا مبشرين ومنذرين . . . . . {رُّسُلاً مُّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّه حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } أي يبشرون بالجنة من أطاع ، وينذرون بالنار من عصى . وأراد تعالى أن يقطع بالرسل احتجاج من يقول : لو بعث إلي رسول لآمنت . وفي الحديث : { وليس أحد أحب إليه العذر من اللّه } فمن أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل . وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف يكون للناس على اللّه حجة قبل الرسل وهم محجوجون بما نصبه اللّه تعالى من الأدلة التي النظر فيها موصل إلى المعرفة ، والرسل في أنفسهم لم يتوصلوا إلى المعرفة إلا بالنظر في تلك الأدلة ، ولا عرفوا أنهم رسل اللّه إلا بالنظر فيها ؟ قلت : الرسل منهيون عن الغفلة ، وباعثون على النظر كما ترى علماء العدل والتوحيد ، مع تبليغ ما حملوه من تفصيل أمور الدين ، وبيان أحوال التكليف وتعلم الشرائع ، فكان إرسالهم إزاحة للعلة وتتميماً لإلزام الحجة لئلا يقولوا : لولا أرسلت إلينا رسولاً فيوقظنا من سنة الغفلة وينبهنا لما وجب الانتباه له انتهى . وقوله : لئلا هو كالتعليل لحالتي : التبشير والإنذار . والتبشير هو بالجنة ، والإنذار هو بالنار . وليس الثواب والعقاب حاكماً بوجوبهما العقل ، وإنما هو مجوّز لهما ، وجاء السمع فصارا واجباً وقوعهما ، ولم يستفد وجوبهما إلا من البشارة والنذارة . فلو لم يبشر الرسل بالجنة لمن امتثل التكاليف الشرعية ، ولم ينذروا بالنار من لم يمتثل ، وكانت تقع المخالفة المترتب عليها العقاب بما لا شعور للمكلف بها من حيث أن اللّه لا يبعث إليه من يعلمه بأنّ تلك معصية ، لكانت له الحجة إذ عوقب على شيء لم يتقدم إليه في التحذير من فعله ، وأنه يترتب عليه العقاب . وأما ما نصبه اللّه تعالى من الأدلة العقلية فهي موصلة إلى المعرفة والإيمان باللّه بعلى ما يجب ، والعلل في الآية هو غير المعرفة والإيمان باللّه ، فلا يرد سؤال الزمخشري . وانتصب رسلاً على البدل وهو الذي عبر عنه الزمخشري بانتصابه على التكرير . قال : والأوجه أن ينتصب على المدح . وجوّز غيره أن يكون مفعولاً بأرسلنا مقدرة ، وأن يكون حالاً موطئة . ولئلا متعلقة بمنذرين على طريق الإعمال . وجوّز أن يتعلق بمقدر أي : أرسلناهم بذلك أي : بالبشارة والنذارة لئلا يكون {وَكَانَ اللّه عَزِيزاً حَكِيماً } أي لا يغالبه شيء ، ولا حجة لأحد عليه ، صادرة أفعاله عن حكمة ، فلذلك قطع الحجة بإرسال الرسل . وقيل : عزيزاً في عقاب الكفار ، حكيماً في الأعذار بعد تقدم الإنذار . |
﴿ ١٦٥ ﴾