٧٩

كانوا لا يتناهون . . . . .

{كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } ظاهره التفاعل بمعنى الاشتراك أي : لا ينهى بعضهم بعضاً ، وذلك أنهم جمعوا بن فعل المنكر والتجاهر به ، وعدم النهي عنه . والمعصية إذا فعلت وقدرت على العبد ينبغي أن يستتر بها من ابتلي منكم بشيء من هذه القاذورات فليستتر ، فإذا فعلت جهاراً وتواطؤا على عدم الإنكار كان ذلك تحريضاً على فعلها وسبباً مثيراً لإفشائها وكثرتها .

قال الزمخشري: { فإن قلت } : كيف وقع ترك التناهي عن المنكر تفسيراً للمعصية ؟ { قلت} : من قبل أنّ اللّه تعالى أمر بالتناهي ، فكان الإخلال به معصية وهو اعتداء ، لأنّ في التناهي حسماً للفساد . وفي حديث عبد اللّه بن مسعود قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا اتق اللّه ودع ما تصنع ، فإنه لا يحل لك . ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك ، أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب اللّه قلوب بعضهم ببعض ، ثم قرأ لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل الآية إلى قوله فاسقون ثم قال : واللّه لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن به على يد الظالم ولتأطرنه عن الحق اطراً ، أو ليضرب اللّه بقلوب بعضكم على بعض وليلعنكم كما لعنهم }

أخرجه الترمذي . ومعنى لتأطرنه لتردنه .

وقيل : التفاعل عنا بمعنى الافتعال يُقال : انتهى عن الأمر وتناهى عنه إذا كف عنه ، كما تقول : تجاوزوا واجتوزوا . والمعنى : كانوا لا يمتنعون عن منكر . وظاهر المنكر أنه غير معين ، فيصلح إطلاقه على أي منكر فعلوه .

وقيل : صيد السمك يوم السبت .

وقيل : أخذ الرشا في الحكم .

وقيل : أكل الربا وأثمان الشحوم . ولا يصح التناهي عما فعل ، فإما أن يكون المعنى أرادوا فعله كما ترى آلات أمارات الفسق وآلاته تسوى وتهيأ فينكر ،

وإما أن يكون على حذف مضاف أي : معاودة منكر أو مثل منكر .

{لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } ذم لما صدر عنهم من فعل المنكر وعدم تناهيهم عنه .

وقال الزمخشري : تعجيب من سوء فعلهم ، مؤكداً لذلك بالقسم ، فيا حسرتا على المسلمين في إعراضهم عن باب التناهي عن المنكر وقلة عنايتهم به كأنه ليس من ملة الإسلام في شيء مع ما يتلون من كتاب اللّه ، وما فيه من المبالغات في هذا الباب انتهى . وقال حذّاق أهل العلم : ليس من شروط الناهي أن يكون سليماً من المعصية ، بل ينهي العصاة بعضهم بعضاً . وقال بعض الأصوليين : فرض على الذين يتعطون الكؤوس أن ينهي بعضهم بعضاً ، واستدل بهذه الآية لأن قوله : لا يتناهون وفعلوه ، يقتضي اشتراكهم في الفعل ، وذمهم على ترك التناهي . وفي الحديث : { لا يزال العذاب مكفوف عن العباد ما استتروا بمعاصي اللّه ، فإذا أعلنوها فلم ينكروها استحقوا عقاب اللّه تعالى} .

﴿ ٧٩