٩٥يا أيها الذين . . . . . {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّه بِشَىْء مّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } نزلت عام الحديبية وأقام صلى اللّه عليه وسلم بالتنعيم فكان الوحش والطير يغشاهم في رحالهم وهم محرمون ، وقيل كان بعضهم أحرم وبعضهم لم يحرم فإذا عرض صيد اختلفت أحوالهم واشتبهت الأحكام ، وقيل قتل أبو اليسر حمار وحش برمحه فقيل قتلت الصيد وأنت محرم فنزلت . ومناسبة هذه الآية لما قبلها هو أنهم لما أمرهم أن لا يحرموا الطيبات وأخرج من ذلك الخمر والميسر وهما حرامان دائماً ، أخرج بعده من الطيبات ما حرم في حال دون حال ، وهو الصيد وكان الصيد مما تعيش به العرب وتتلذذ باقتناصه ولهم فيه الإشعار والأوصاف الحسنة ، والظاهر أن الخطاب بقوله { ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ } عام للمحل والمحرم لكن لا يتحقق الابتلاء إلا مع الإحرام أو الحرم . وقال ابن عباس هو للمحرمين ، وقال مالك هو للمحلين والمعنى ليختبرنكم اللّه ابتلاهم اللّه به مع الإحرام أو الحرم ، والظاهر أن قوله { بِشَىْء مّنَ الصَّيْدِ } يقتضي تقليلاً ، وقيل ليعلم أنه ليس من الابتلاء العظيم كالابتلاء بالأنفس والأموال بل هو تشبيه بما ابتلي به أهل أيلة من صيد السمك وأنهم كانوا لا يصبرون عند هذا الابتلاء فكيف يصبرون عندما هو أشدّ منه ومن في { مّنَ الصَّيْدِ } للتبعيض في حال الحرمة إذ قد يزول الإحرام ويفارق الحرم فصيد بعض هذه الأحوال بعض الصيد على العموم ، وقال الطبري وغيره من صيد البر دون البحر ، وقال ابن عطية ويجوز أن تكون من لبيان الجنس ، قال الزجاج وهذا كما تقول قال لأمتحننك بشيء من الرزق وكما قال تعالى :{ فَاجْتَنِبُواْ الرّجْسَ مِنَ الاْوْثَانِ } والمراد بالصيد المأكول لأن الصيد ينطلق على المأكول وغير المأكول . قال الشاعر : صيد الملوك أرانب وثعالب وإذا ركبت فصيدي الأبطال وقال زهير : ليث بعثر يصطاد الرجال إذا ما كذب الليث عن أقرانه صدقا ولهذا قال أبو حنيفة إذا قتل المحرم ليثاً أو ذئباً ضارياً أو ما يجري مجراه فعليه الجزاء بقتله . {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ } أي بعض منه يتناول بالأيدي لقرب غشيانه حتى تتمكن منه اليد وبعض بالرماح لبعده وتفرقه فلا يوصل إليه إلا بالرمح ، وقال ابن عباس أيديكم فراخ الطير وصغار الوحش ، وقال مجاهد الأيدي الفراخ والبيض وما لا يستطيع أن يفرو الرماح تنال كبار الصيد ، قيل وما قاله مجاهد غير جائز لأن الصيد اسم للمتوحش الممتنع دون ما لا يمتنع انتهى ، يعني أنه لا يطلق على البيض صيد ولا يمتنع ذلك تسمية للشيء بما يؤول إليه ، قال ابن عطية والظاهر أن اللّه خص الأيدي بالذكر لأنها أعظم تصرفاً في الاصطياد وفيها تدخل الجوارح والحبالات وما عمل باليد من فخاخ وشباك وخص الرماح بالذكر لأنها أعظم ما يجرح به الصيد وفيها يدخل السهم ونحوه ، واحتج بعض الناس على أن الصيد للآخذ لا للمثير بهذه الآية لأن المثير لم تنل يده ولا رمحه بعد شيئاً . وقرأ النخعي وابن وثاب يناله بالياء منقوطة من أسفل والجملة من قوله تناله في موضع الصفة لقوله بشيء أو في موضع الحال منه إذ قد وصف وأبعد من زعم أنه حال من الصيد . {لِيَعْلَمَ اللّه مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ } هذا تعليل لقوله { لَيَبْلُوَنَّكُمُ } ومعنى { لِيَعْلَمَ } ليتميز من يخاف عقابه تعالى وهو غائب منتظر في الآخرة فيبقى الصيد ممن لا يخافه فيقدم عليه قاله الزمخشري ، وقال ابن عطية ليستمرّ عليه وهو موجود إذ قد علم اللّه ذلك في الأزل ، وقال الكلبي لم يزل اللّه تعالى عالماً وإنما عبر بالعلم عن الرؤية ، وقيل هو على حذف مضاف أي ليعلم أولياء اللّه ، وقيل المعنى ليعلموا أن اللّه يعلم من يخافه بالغيب أي في السر حيث لا يراه أحد من الناس فالخائف لا يصيد وغير الخائف يصيد ، وقيل يعاملكم معاملة من يطلب أن يعلم ، وقيل ليظهر المعلوم وهو خوف الخائف وبالغيب في موضع نصب على الحال ومعناه أن الخائف غائب عن رؤية اللّه تعالى ومثله { مَّنْ خَشِىَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ } و { يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ } وقال عليه السلام : { فإن لم تكن تراه فإنه يراك} . وقال الطبري معناه في الدنيا حيث لا يرى العبد ربه فهو غائب عنه ، قال ابن عطية والظاهر أن المعنى بالغيب من الناس أي في الخلوة من خاف اللّه انتهى . عن الصيد من ذات نفسه انتهى . وقرأ الزهري { لِيَعْلَمَ اللّه } من أعلم . قال ابن عطية أي ليعلم عباده انتهى . فيكون من أعلم المنقولة من علم المتعدية إلى واحد تعدى عرف فحذف المفعول الأول وهو عباده لدلالة المعنى عليه وبقي المفعول الثاني وهو { مَن يَخَافُهُ} {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذالِكَ } المعنى فمن اعتدى بالمخالفة فصاد وذلك إشارة إلى النهي الذي تضمنه معنى الكلام السابق وتقديره فلا يصيدوا يدل عليه قوله { لِيَعْلَمَ اللّه مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قيل في الآخرة . وقيل في الدنيا . قال ابن عباس يوسع بطنه وظهره جلداً ويسلب ثيابه . |
﴿ ٩٤ ﴾