١٠٣

لا تدركه الأبصار . . . . .

{لاَّ تُدْرِكُهُ الاْبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الاْبْصَارَ } الإدراك قيل معناه الإحاطة بالشيء وبذلك فسره هنا ابن عباس وقتادة وعطية العوفي وابن المسيب والزجاج ، قال ابن المسيب لا تحيط به الأبصار ، وقال الزجاج : لا تحيط بحقيقته والإدراك يتضمن الإحاطة بالشيء والوصول إلى أعماقه وحوزه من جميع جهاته أو كنى بالإبصار عن الأشخاص لأن بها تدرك الأشخاص الأشياء ، وكان المعنى لا تدركه الخلق وهو يدركهم أو يكون المعنى إبصار القلب أي لا تدركه علوم الخلق وهو يدرك علومهم وذواتهم ، لأنه غير محاط به وهو على هذا مستحيل على اللّه عند المسلمين ولا تنافي الرؤية انتفاء الإدراك ،

وقيل : الإدراك هنا الرؤية وهي مختلف فيها بين المسلمين فالمعتزلة يحيلونها وأهل السنة يجوزونها عقلاً ويقولون : هي واقعة سمعاً وهذه مسألة يبحث عنها في علم أصول الدين وفيه ذكر دلائل الفريقين مستوفاة وقد رأيت فيها لأبي جعفر الطوسي وهو من عقلاء الإمامية سفراً كبيراً ينصر فيه مقالة أصحابه نفاة الرؤية وقد استدل نفاة الرؤية بهذه الآية لمذهبهم وأجيبوا بأن الإدراك غير الرؤية ، وعلى تسليم أن الإدراك هو الرؤية فالإبصار مخصوصة أي أبصار الكفار الذين سبق ذكرهم أو لا تدركه في الدنيا ، قال الماتريدي : والبصر هو الجوهر اللطيف الذي ركبه اللّه تعالى في حاسة النظر به تدرك المبصرات

وفي قوله :{ وَهُوَ يُدْرِكُ الاْبْصَارَ } دلالة على أن الإدراك لا يراد به هنا مجرد الرؤية إذ لو كان مجرد الرؤية لم يكن له تعالى بذلك اختصاص ولا تمدح ، لأنا نحن نرى الأبصار فدل على أن معنى الإدراك الإحاطة بحقيقة الشيء فهو تعالى لا تحيط بحقيقته الأبصار وهو محيط بحقيقتها ، وقال

الزمخشري : والمعنى أن الأبصار لا تتعلق به ولا تدركه ، لأنه متعال أن يكون مبصراً في ذاته لأن الأبصار إنما تتعلق بما كان في جهة أصلاً أو تابعاً كالأجسام والهيئات { وَهُوَ يُدْرِكُ الاْبْصَارَ } وهو للطف إدراكه للمدركات يدرك تلك الجواهر اللطيفة التي لا يدركها مدرك .

{وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } يلطف عن أن تدركه الأبصار الخبير بكل لطيف { وَهُوَ يُدْرِكُ الاْبْصَارَ } لا تلطف عن إدراكه وهذا من باب اللف انتهى ، وهو على مذهبه الاعتزالي وتظافرت الأخبار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم برؤية المؤمنين اللّه في الآخرة ، وقد اختلفوا هل رآه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الدنيا ببصره ليلة المعراج ؟ فذهب جماعة من المحدثين والفقهاء والمتكلمين إلى إنكار ذلك ، وقالت عائشة وابن مسعود وأبو هريرة على خلاف عنهما بذلك ، وذهب ابن عباس وكعب والحسن وعكرمة وأحمد بن حنبل وأبو الحسن الأشعري وجماعة من الصحابة إلى أنه رآه ببصره وعيني رأسه ، وروي هذا عن ابن مسعود وأبي هريرة والأول عن ابن مسعود أشهر ،

وقيل :{ وَهُوَ يُدْرِكُ الاْبْصَارَ } معناه لا يخفى عليه شيء وخص الأبصار لتجنيس الكلام يعني المقابلة ، وقال الزجاج : في هذا دليل على أن الخلق لا يدركون الأبصار أي لا يعرفون كيفية حقيقة البصر الذي صار به الإنسان مبصراً من عينيه دون أن يبصر من غيرهما من سائر أعضائه :{ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } قال أبو العالية : لطيف باستخراج الأشياء خبير بأماكنها .

﴿ ١٠٣